بسُحنة مُتجهمة، وبتحفظ شديد، أدلى عبد الصمد الإدريسي عضو هيئة دفاع توفيق بوعشرين بعبارات مفعمة بالإثارة و”التشويق السوداوي”، عندما قال في أعقاب زيارته الأولى لموكله بمقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية “ربما سنكون أمام قضية القرن”. وإذا صحت التقارير الإعلامية التي تحدثت عن ضحايا كُثر من الجسم الصحفي لناشر جريدة أخبار اليوم توفيق بوعشرين، فإننا سنكون فعلا أمام قضية القرن، وفق تعبيره هيئة دفاعه، وهو ما سيشكل، بدون شك، إيذانا ببداية زلزال أخلاقي في بيت الصحافة. كرونولوجيا متسارعة أولى إرهاصات هذا الزلزال، الذي سبقته زلازل قطاعية أخرى، كانت مع تدوينة لصحافية متحجبة اشتغلت طويلا مع توفيق بوعشرين، انتشت فيها بخبر اعتقاله، وهي التدوينة التي رأى فيها الكثير من رواد الفضاء الأزرق بأنها صرخة مكلومة لضحية مفترضة “للقلم الجامح” لتوفيق بوعشرين. مباشرة بعد ذلك، نشر موقع ” آذار” صورة لفتاة تدعى خلود مع تقديمها على أنها الشاكية المحتملة التي كانت وراء اعتقال توفيق بوعشرين، وذلك قبل أن يؤكد هذا المعطى أحد هيئة دفاعه، وهو الأستاذ محمد زيان، عندما أجاب على سؤال محاوريه أمام مقر الفرقة الوطنية بخصوص السبب الذي كان وراء اعتقال بوعشرين؟ فرد عليهم أبحثوا عن فتاة تدعى ” خلود”. وعلى غير العادة، لم تخرج الضحايا بتصريحات إعلامية باستثناء بعض التدوينات المحتشمة! وهذه مسألة مفهومة على اعتبار أن ضحايا الاعتداءات الجنسية يفضلون دائما الانزواء عن دائرة الضوء التي تفرضها وسائل الإعلام في مثل هذه القضايا. فضحايا هذا النوع من الإجرام يواجهون ضغطا نفسيا رهيبا جراء ما طالهم من اعتداءات ونرجسية المعتدي، ويزيد هذا الضغط أكثر بفعل المواكبة الإعلامية وخروج الأسماء إلى العلن، في موضوع لازال يعتبر من الطابوهات والخطوط الحمراء في المجتمع. لكن، بالرغم من الصمت المستساغ في مثل هكذا قضايا، فقد نقلت إحدى الجرائد الوطنية تصريحات لضحية لم تكشف عن هويتها، اختارت أن تكون مكبر صوت لألام الضحايا، وأكدت بأن القضية فيها تحرش جنسي واغتصاب، متجاوزة كل الحدود المتصورة في “فونطازما الجنس الإرادي”. تضامن حذر… مباشرة بعد شيوع خبر توقيف ناشر جريدة أخبار اليوم، زوال يوم الجمعة المنصرم، خرج عبد الصمد الإدريسي وحامي الدين وماء العينين وآخرون… يرددون شعار ” الصحافة ليست جريمة”، في محاولة لإعطاء واقعة التوقيف بعدا سياسيا، وإلباسها عباءة قضايا الرأي. لكن خروج إعلامية مقربة من حزب العدالة والتنمية بتدوينة تنتصر فيها لقرار التوقيف، بلغة تختزل ألام الضحية الثكلى، ثم أعقبتها إيحاءات تدل على أن القضية بعيدة كل البعد عن مهنة الصحافة، جعلت المندفعين المتضامنين يتريثون ويقفون على مسافة معينة من قضية بوعشرين، وذلك مخافة أن تجود القضية بأسرارها وتداعياتها في القادم من الأيام، وهو الأمر الذي قد يورط المتضامنين، أو على الأقل يقحمهم في سجال حقوقي، قد يؤثر على رصيدهم الشعبي لدى الرأي العام. ولعل ما أذكى هذا التضامن الحذر، هو تواتر استدعاء صحفيات وإعلاميات اشتغلن تحت سلطة بوعشرين، مع الاقتصار على الجنس اللطيف من الساحة الإعلامية. وهو ما فسره بعض الحقوقيين ورجال القانون بأنه يتعلق ربما باغتصاب أو اعتداء جنسي لتوفيق بوعشرين على من له سلطة عليهم، بدليل الاستماع إليهن وإخلاء سبيلهن، مما يؤشر على أن الأمر يتعلق بضحايا مفترضين لنزوات جنسية صادرة عن رب العمل (مدير النشر ومالك المجموعة الإعلامية)، وهو ظرف مشدد في قضايا الاغتصاب. وفي سياق ذي صلة، تحدثت مصادر صحفية متطابقة عن فيديوهات وأشرطة خليعة توثق لاعتداءات جنسية بشعة، وهو ما يعني، من الناحية القانونية، تصوير الممارسات الجنسية واستعمالها ربما كوسيلة ضغط أو ابتزاز في حق الضحايا. وهذا عبئ قانوني آخر قد ينضاف إلى سجل توفيق بوعشرين، يستطرد محامي إحدى الضحايا. أكثر من ذلك، يضيف رجل البذلة السوداء، أن القانون المغربي توسع كثيرا في قضايا الاعتداءات الجنسية التي ترتكب ضد ضحايا يوجدون في وضعية الهشاشة أو الضعف، ويستغل فيها المعتدي هذه الوضعية لتعريضهن للاعتداء أو الاستغلال الجنسي. فهذا النوع من القضايا تحضر فيه العناصر الإجرامية لجناية الاغتصاب من جهة، وجناية الاتجار بالبشر من جهة ثانية، يضيف محامي الضحية. محاكمة بتشويق بشع… محاكمة توفيق بوعشرين .. ستكون حتما مسلسلا تشويقيا موغلا في التراجيديا، ومطبوعا بدراما سوداء في أقصى أبعادها وتبعاتها. فالأمر لا يتعلق هنا بنزوات جنسية عابرة أو تحرشات مكتبية، بل يتعلق بأوجاع الضحايا، وتوجسات العائلة والأبناء والأزواج، على اعتبار أن من بين الضحايا المستمع إلى إفاداتهن نساء محصنات، ربما يكون بوعشرين قد تحرش بهن أو حاول الضغط عليهن في صيغة مستنسخة لقضية ” الجنس مقابل النقط”، لكن هذه المرة ” الجنس مقابل التحرير الصحفي”. قد يقول البعض، بأن السلطات القضائية والأمنية تعاملت بانتقائية مع قضية بوعشرين! وقد يرى فيها البعض الآخر، كما هو حال بالنسبة لعبد العالي حامي الدين، مناسبة لإسكات كاتب افتتاحية مشهور، وقد يذهب المتشائمون إلى حد التشكيك في إفادات الضحايا. لكن المتضامن مع بوعشرين يجب أن لا ينكر حق الضحايا في الاقتصاص القانوني، وأن لا يبخس حقهم في جبر الأضرار التي تسببت فيها نزواته ، في حال تثبيتها وتأكيدها قضائيا. وبخصوص هذه النقطة بالذات، حاول القاضي السابق محمد الهيني قراءة القضية من زاوية مختلفة، ومن “منظار الضحايا” لا من “منظور المتضامنين” مع المعتدي المفترض، وذلك عندما قال بأن ضحايا بوعشرين يحتاجون لمن يقف معهن، ويتضامن معهن في مصابهن الجلل. دعوة القاضي السابق، سرعان ما وجدت صداها في العالم الأزرق، حيث انطلقت صفحات وحسابات شخصية على الفايسبوك توثق لشهادات الضحايا، وتطلب منهن التبليغ عن اعتداءات بوعشرين مع ضمان السرية المطلوبة. وهي المبادرة التي تعاطف معها الكثيرون إما من خلال التعليقات أو التدوينات أو فقط عبر عبارات التعاط