هو المشبع بثقافة الكد والجد، المؤمن بمبدأ أن العمل الدؤوب والجهد المتواصل سبيلان للنجاح، البحث في الكنه والتنقيب في الأغوار، منطق اعتمده وسار على نهجه فجعله اليوم على رأس الجهاز الساهر على أمن الدولة، فلا مكان للصدفة أو الحظ في التعامل مع القضايا وإنما التخطيط السليم والتدبير المحكم أصلا النجاح. عبد اللطيف الحموشي، شخصية استثنائية كتبت حولها الأقلام وشغلت اهتمام الرأي العام، منذ ترؤسه مديرية مراقبة التراب الوطني وكذلك المديرية العامة للأمن الوطني. رأى النور سنة 1966 بمدينة تازة شمال شرق المملكة، وتلقى تكوينه الجامعي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة محمد بن عبد الله بفاس، في فترة عرفت غليانا بين فصائل طلابية تأرجحت بين إسلاميين ويساريين، فكان “الحموشي” آنذاك ينهج سياسة الحياد حتى لا يتموقع بأية جهة، همه الوحيد تحصيل معرفي متين يخطو به خطوات النجاح. التحق “الحموشي” بصوف الأمن سنة 1994 عن سن لا يتجاوز 27 عاما، تحديدا بالمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المعروفة اختصارا ب”دي إيس تي”، وهو جهاز المخابرات التابع آنذاك لوزارة الداخلية التي كان يرأسها إدريس البصري في عهد الراحل الحسن الثاني، وبعد سنة من توليه منصبه في جهاز المخابرات، عايش أحداث “أطلس أسني” في مراكش سنة 1994، حيث قامت عناصر مسلحة بإطلاق النار على سيّاح في فندق “أطلس أسني”، مما أدى إلى وفاة سائحين، الأمر الذي شكل الفيصل الفاصل وغير نظرته للعمل الأمني بالرغم من عدم مشاركته في التحقيقات، إلا أن اهتمامه انصب منذ ذلك الحين على نشاط الجماعات الإسلامية المتطرفة. توالت الأحداث الإرهابية في وقت كان فيه “الحموشي” المسؤول الأول بالخلية المكلفة بمحاربة الإرهاب في جهاز “دي إيس تي”، حيث شكلت أحداث 16 ماي 2003 المشاركة الفعلية في التحقيقات الميدانية بالنسبة له، ومن تم أبان عن مهارات وكفاءات عالية وحبكة متميزة في التعاطي مع قضايا الإرهاب، الأمر الذي لفت اهتمام الملك محمد السادس، ودفعه إلى تعيينه رئيسا لجهاز “دي إيس تي” بالمغرب سنة 2005، وبذلك عُرف بأصغر شخصية في تاريخ المغرب ترأست أهم مؤسسة أمنية تعنى بالأمن الداخلي للبلاد، عن عمر يناهز 39 عاما. عرف بجديتة وصرامته في العمل، رجل الدولة المتمرس صاحب الأخلاق العالية، قيل عنه أن الكتمان من خصاله والدقة من أساليبه، استراتيجيته في العمل مبنية على المداومة والتتبع المستمر، الاستباق منهجية يعمل بها من أجل تفكيك الخلايا الإرهابية قبل إقبالها على الفعل الإرهابي. عبد اللطيف الحموشي، الذي حظي بثقة الملك محمد السادس ليقود أحد أهم أجهزة الدولة، يشتغل بنَفس طويل، دون كلل أو ملل على التوالي، يتميز بقدرة كبيرة على التحمل ومواجهة الصعاب، بشكل قلما يتوفر عند الآخرين، كل هذا وذاك، قاد الملك محمد السادس إلى توشيحه بوسام ملكي من درجة ضابط سنة 2011، وكانت سابقة في التاريخ المغربي حصول مدير مخابرات على وسام ملكي وهو يمارس عمله، كما اعترف كاتب الدولة لشؤون الأمن في إسبانيا، فرانسيسكو مارتينز، بكفاءة الحموشي ومساعديه وإدارته، حيث قال: «إن أمن إسبانيا وأمن حدودنا ومكافحة الاتجار بالبشر ومكافحة الإرهاب تعتمد بشكل كبير على التعاون الأمني مع المغرب»، وزاد قائلا، في حفل تسليم الأوسمة لمسؤولي المخابرات المغربية: «إن المغرب حليف كبير وبلد صديق، وإن علاقة الاستعلامات بين البلدين صارت نموذجا، وإن المملكتين تتبادلان المعلومات والبيانات في الزمن الحقيقي وذلك لمكافحة الشبكات الإرهابية». بفضل الحموشي، صار لجهاز المخابرات حضور دولي استخباراتي مهم، وأصبح قادته يتواصلون مباشرة مع مخابرات دول أخرى، وإشادات دولية صادرة في حق المغرب بمجال الأمن ومكافحة التطرف، خصوصا أمريكا وفرنسا وإسبانيا، ودول أخرى كثيرة، كون جهاز المخابرات المغربي، حقق نجاحات كبيرة في الفترة الأخيرة، حيث تمكن من إحباط عدد من العمليات الإرهابية، يعمل دائما على الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان واحترام ضماناتها في الدستور، باعتبار أن المخابرات جرس إنذار حساس واستراتيجي، همه مراقبة وتتبع المخاطر المحدقة بأمن البلاد والمواطنين ومصالحهم وحرماتهم وسلامتهم. 2017 سنة حافلة بإنجازات حققها الرجل الرزين في جهاز الأمن المغربي، أهمها ستة فرق جهوية جديدة للأبحاث والتدخلات (BRI)، علاوة على الفرق المركزية للتدخل (BCI)، التي تختص بالتدخل في الأزمات الأمنية وفي القضايا الإجرامية الكبرى، وذلك في إطار مواصلة تحديث البنيات الأمنية وتقريب الشرطة من المواطنين، إضافة إلى خلق عشرين فرقة للاستعلام الجنائي والدعم التقني على المستوى الوطني، مهمتها تجميع وتحليل المعطيات ذات الطابع الإجرامي واستغلالها في دعم الأبحاث الجنائية، إلى جانب أعمال أخرى تخدم مصالح البلاد وتسهم في الحفاظ على الأمن والأمان. نجاح “الحموشي” إذا رهين بإيمانه بأن نجاعة العمل الأمني تكمن في استباق الجريمة وليس البحث في مخلفاتها عن بصمات وهويات القتلة.