عرفت المرحلة الأخيرة التي تلت إعفاء عبد الإله بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة من طرف الملك محمد السادس، وما تلى ذلك من صراعات داخل حزب العدالة والتنمية وصفها بنكيران نفسه “بالزلزال السياسي”، انتفاضات وتعليقات غاضبة لكل الأتباع داخل الحزب، خصوصا عند أولئك الذين ظلوا أوفياء لبنكيران و”منهجه المنزّه”، قبل أن يوجههم للصمت وعدم التعليق، وهو صمت لم يدم إلا قليلا حتى بدأ بالاندثار مؤخرا في طريق الإشادة والتضخيم من دور بنكيران. فمع بروز احتجاجات الحسيمة بالشكل الذي هي عليه الآن، على واجهة الأحداث الوطنية وما أفرزته من تفاعلات على المستوى الدولي، ثم ما تبع ذلك من دعوات أصحاب “تيار بنكيران” له للمساهمة في النقاش حول الوضع هناك، جاءت حادثة زيارة المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة لبنكيران بُعيد بداية رمضان، والتي حاول “إعلام الحزب” تسويقها على أنها كانت بغرض التفاوض حول صفقة سياسية بين القصر وبنكيران، قبل أن يخرج المستشار الملكي بتوضيح كشف فيه الحقيقة التي تعمد بنكيران الصمت عنها. ومؤخرا عمد بعض المنتسبين ل”تيار بنكيران”، إلى إصدار رسائل وخط تدوينات الغاية منها كما يبدو، وبإشارة من بنكيران نفسه في الغالب، رسم صورة “الزعيم” لبنكيران وحضه على العودة والمشاركة في المشهد السياسي خصوصا في ما تعلق منه بطموح حزب المصباح للإمساك باللحظة السياسية الراهنة، بمنطق “حدثوا الناس عني”. أولى تلك المحاولات البارزة كانت تدوينة برلماني المصباح في مدينة طنجة محمد خيي الخمليشي، الذي وجه ما أسماها “رسالة مفتوحة الى عبدالإله بنكيران”، اعتبر فيها “أن بنكيران لا يملك خيارا أمام سؤال مواصلة العمل السياسي من عدمه ، و لا يمكن له ان يختار بأريحية بين الاستمرار او الاعتزال.. وما من أحد يمكن أن يحيله على التقاعد الإجباري وهو لازال بعد في أوج عطائه..”. كما حاولت رسالة الخمليشي العمل على تحفيز تيار بنكيران، بالدعوة لتجديد ولايته الثالثة على رأس الأمانة العامة للحزب ضدا في قوانين الحزب المعمول بها، بالقول إنه “آن الأوان أن يخرج عبدالاله بنكيران ويغادر مرحلة التأمل او الانسحاب المؤقت الذي فرضته ظروف تشكيل حكومة سعدالدين العثماني، وأن يستأنف عمله كأمين عام للحزب يتحمل مسؤولية السهر على تفعيل أجهزة الحزب التقريرية والتنفيذية”. موقف آخر لم يكن بعيدا من هذا الموقف، وعبر عنه الابن المدلل لبنكيران وعضو المجلس الوطني للحزب بلال التليدي عندما وجه بدوره ما أسماها “تدوينة ليلة القدر: متى يتكلم بنكيران؟”، والتي ذهب فيها مذهب “الإجلال” لشخص بنكيران بالقول إن “الذين لا يفهمون بنكيران، ولم يكتب لهم أن يتشربوا منهجه في السياسة، يقولون هذا الكلام أو بعضه، لكنهم لا يعرفون أن قوة بنكيران هي في قدرته على التعبير الذي يقول الحقيقة ويخرج من المآزق ويبلغ الرسالة دون أن يتورط فيما يهدم البناء”. وزاد التليدي الذي يبدو متيقنا من التأصيل لأخلاق “زعيمه” بدعوة أعدائه قائلا “إرجعوا للتاريخ القريب، وحاولوا أن تستقرئوا لحظات صمت بنكيران، فقد اتخذ قراره بالصمت أكثر من مرة، وقال بالفصيح الصريح مرة إن “صمته كلام””! وأضاف بحسب رأيه “طالت هذ المرة فترة صمت بنكيران حتى تغير السياق، وصار الذين اختلفوا معه في توصيفه للحظة بالزلزال يصفونها اليوم بالبركان، وصار الذين كانوا يقولون إن بنكيران يبتز بعودة الربيع العربي يبحثون اليوم في فيديوهاته عن تنبئه وتوقعه للحراك في حال النكوص عن المسار الديمقراطي والعودة للتحكم، بل صار الذين يمنون النفس بموته السياسي، لا يرون شخصية ذات مصداقية قادرة على الوساطة في ملف حراك الريف غير بنكيران”. من خلال هذين النموذجين فقط من نداءات مريدي بنكيران دون الالتفات لباقي النماذج التي بدأت تتكثار يوميا، يبقى السؤال المطروح متعلقا بمدى وقوف بنكيران وراء توجيه أقلام مؤيديه في سبيل تمهيد الطريق له لعودة فوق قانون الحزب لتسلم الدفة من جديد؟ وهل تاق بنكيران فعلا لدور المهيمن، لكن بنكهة الزعيم هذه المرة، فصار يذكر المنتفعين السابقين من خيراته للعب دورهم الذي وجدوا لأجله، حتى يتمكن من الخروج في حلة أخرى لم تتضح أهدافها بعد؟