خلقت تصريحات نهاية الأسبوع الصادرة عن رئيس الحكومة المكلف عبد الإله ابن كيران خلال مشاركته في المجلس الوطني لنقابة حزبه، ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأفرزت معها عدة تساؤلات عميقة من الغاية الخفية لإخوان ابن كيران في المغرب، والتي طالما وصفها كثيرون “بمحاولة السيطرة على مفاصل الدولة”، ونفاها “البيجيديون” في غير ما مرة عن أنفسهم، واصفين مروجيها “بأصحاب الوقيعة بين الحزب والدولة”. غضب ابن كيران أول أمس السبت في تصريحاته ,أمام أعضاء نقابة الحزب، بخصوص البلوكاج الحكومي وإرسال الرسائل الواضحة منها والخفية، لخصومه و”للمعرقلين”، أفرز كلاما، هناك من وصفه “بالحارق”، وهناك من وصفه “باللامسؤول”، وهناك من ذهب لنعته “بالخطير والمعقد لوضعية الدولة مع حزب المصباح”. ولأن الكلام الكثير والثقيل الذي قاله ابن كيران خلال كلمته بمدينة سلا اختلط ببعضه، فإن “شعوب الفيسبوك” على الخصوص، احتاجوا يومين كاملين لتفريق الكلمات، والتعليق على كل واحدة على حدة، منها عبارته التي قال فيها أن “الخمس سنوات التي مضت من تسيير الحكومة للمغرب كانت الأفضل في تاريخ المغرب منذ الاستقلال”، قبل أن يغلفها بعبارة “بفضل جلالة الملك”. عبارة فاجأت الجميع، من حيث أمكن للرجل نفي كلَّ الإرث السياسي الحديث للمغرب بكل انجازاته، على امتداد حقبتين أدارهما ملكان من أسرة حاكمة عريقة، وتفضيل فترة حكومة واحدة من خمس سنوات متعثرة بما لها وما عليها، على كل ما جعل المغرب نموذجا في منطقته منذ الاستعمار –رغم الانتقادات التي لا تنضب- وإلى الآن، دون نسيان فترة المقاومة التي كانت أساس السياسية الحديثة لهذا البلد. ولعل ما جعل علامات التعجب والاستفهام تتضخم حول تصريحات ابن كيران، التي وصفت من طرف البعض “بالنرجسية المفرطة”، كلام أخيه في الحزب والأمين العام السابق فيه، سعد الدين العثماني، الذي سار على نهجه قبل يوم حين صرح لفرانس24 أن المغرب، قبل حكومة حزبه في 2011 وحتى اليوم، “لم يكن يملك أية مبادئ ديمقراطية في المغرب”. هذا التبخيس لتاريخ المغرب السياسي، وهذا التكريس للاعتقاد السائد “لحزب الإصلاح والتوحيد”، والذي كان يحذر منه البعض خلال السنوات الماضية من دخوله معترك الدولة، كونه بات يعتقد نفسه صانع استقرار المغرب وصاحب الفضل الأول في انقاذه من “نار حراك الشارع”، هو الرأي الذي كان “المصباحيون” يخونون كل ناطق به، وحتى قبل تصريحات أمس. عبارة أخرى أطلقها ابن كيران السبت، وكانت صادمة للكثيرين ممن اعتبروها “تعرُّضا” لتحركات الملك في القارة الإفريقية، وذلك عندما اتهم “جهات لم يسميها” ب “إهانة الشعب المغربي في مقابل تفريج الملك لكُربات الشعوب الإفريقية”. وهو ما فُهم على أنه إهانة للدولة أولا، وتحريض لا يخدم اللحظة بكل تجلياتها الداخلية والخارجية للبلد. مما دفع ب “علبة أسرار ابن كيران” محمد يتيم بصياغة “تدوينة فيسبوكية بالنيابة”، هاجم فيها محمّلي عبارة زعيمه أكثر مما تحتمل، تماما كما فعل إعلاميون مقربون من الحزب، لما انتقدوا تحميل بنكيران مسؤولية التقاط عبارته تلك، من طرف خصوم المغرب في الداخل والخارج وتوظيفها لصالحهم. ولأن المثل الشعبي المغربي الشهير يقول “جيب يا لسان وگول” فإن كلمة ابن كيران التي لم يتجاوز عمرها ال 20 دقيقة، تضمنت عبارة أخرى أكثر شدة من سابقاتها، بحكم موقعه ضمن صدارة المسؤولية بالمغرب، حين أجمل كل ما وصفه ب “مناورات تستهدفه وحزبه” بأنه يندرج في “شي حاجة ماشي هي هاديك”، وهو التعبير الذي أغضب أيضا الكثيرين، معتبرين بأن هذا الشيء “هو ابن كيران نفسه ومعه حزبه”، في حين رأى آخرون، أن “مسؤولا بقيمة رئيس حكومة دولة” يتفوه بمثل هذا الكلام. شيء من اثنين، إما أنه فعلا رئيس حكومة “صوري” لا يعرف شيئا عن الدولة، أو أنه اتهام ضمني خطير لاحتواء الدولة التي يعتبر هو أحد رجالاتها، على تجاوزات خطيرة. ثلاث عبارات إذن –على الأقل- لابن كيران خلال جلسة قصيرة، قلبت الدنيا على عقبها، تماما كما فعلت كلمات وكلمات سابقة، قبل أن يدرك متأخرا -ربما- في نفس اليوم، أنه أفرط في تصريحاته، حيث نهج في كلمة أخرى له بمجلس شبيبة حزبه في بوزنيقة، أسلوبا مهادنا، سرعان ما تراجع عنه، حينما هدد بإمكانية الرجوع للملك لإعلان فشله في تشكيل الحكومة إذا ما استمر البلوكاج، وملوحا كذلك بإمكانية إعادة الانتخابات. وهما أمران كان يستبعدهما نهائيا من حساباته. لكن التساؤلات الكبرى التي تبقى حبيسة اللحظة، من خلال ما يمكن استنتاجه من تلك التصريحات وما سبقها من تلميحات طول سنوات تقلد البيجيدي للمسؤولية، تتجلى في ما إذا كان ابن كيران وحزب العدالة والتنمية فعلا، يعتقدون بأنهم صنعوا مغربا جديدا بعد قدومهم لسدة السلطة، وهل فعلا يَمُنّون على المغاربة في سرائرهم، دورهم الرئيسي –إن وجد فعلا- في صناعة استقرار المغرب وانقاذه من الفتنة التي لحقت بدول المنطقة جراء ما سمي “بالربيع العربي”؟ هل هناك فعلا نية مبيّتة للحزب ورموزه بالتغلغل في مفاصل الدولة وإحكام القبضة عليها؟ أم أن كل هذا الكلام هو من محض خيال مؤلفيه، وأسلوب مغرض لإرسال تهم باطلة، لحزب مصباح ينير طريق مناضليه، أو محاولة لإشعال فتيل توتر بينه وبين الدولة في عمقها وظاهرها؟