بعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي تكون أسرة القارة الإفريقية قد اكتملت، ونجح في بسط الطريق لتحقيق أهم أهداف استراتيجيته على مستوى القارة الأفريقية، القائمة على التضامن والتعاون المشترك والتنمية المستدامة وتوحيد مواقف دول القارة، بما يخدم النهوض بالمستوى المعيشي لشعوبها ومواجهة الأخطار المحدقة بها. القارة الإفريقية اليوم، تشهد معضلات كبيرة، أبرزها الفقر والمجاعة والتصحر، والأوبئة الفتاكة، والهجرة غير الشرعية وتدفق اللاجئين والترحيل القسري، وتنامي الجماعات الإرهابية، والبلقنة، هذه المخاطر لا يمكن لدول الجنوب بمفردها مواجهتها إلا بالتنسيق المحكم جهويا ودوليا، وحل كل المشاكل النزاعات المفتعلة بين دول القارة، بعيدا عن تدخل القوى الخارجية. عودة المغرب إلى حضن القارة الإفريقية انتصار للشرعية ولرؤية المغرب المتجددة لعلاقته بإفريقيا، رؤية تقوم على للتعاون والشراكة مع مختلف بلدان القارة، والترحيب الواسع الذي حضي به المغرب دليل على أهميته بنسبة للقارة الإفريقية، فالمغرب اليوم هو مفتاح التنمية وإعادة الإعتبار لهذه القارة التي تعرض للاستنزاف من قبل القوى الإستعمارية في مرحلة سابقة. هذه العودة هي ثمرة للجهود الديبلوماسية المكثفة في العمق الإفريقي، حيث بلغت نحو 25 زيارة للبلدان الأفريقي، أثمرت عن التوقيع على ما يربو على 949 اتفاقية تغطي التعاون "جنوب-جنوب"، شملت قطاعات استراتيجية كبرى ، مثل وحدات صناعة الأسمدة في أثيوبيا والمشروع العملاق لنقل الغاز من نيجيريا إلى المغرب وأخرى مرتبطة بتنمية الإنسان الإفريقي والنهوض بمستواه المعيشي. وإذا كان المغرب قاد عاد اليوم إلى الإتحاد الإفريقي بعد أن غادر منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984 ، في ظروف خاصة في حينها، فإن المعركة الحقيقية هي التي ستبدأ في القادم من الأيام من أجل التموقع داخل المنظمة القارية وأجهزتها المختلفة وتصحيح الأخطاء السابقة التي سقطت فيها بعض الدول الافريقية . سيحقق المغرب بعودته بدون شك مكاسب سياسية واقتصادية متبادلة بين دول القارة عقب العودة إلى الاتحاد الإفريقي، فعلى المستوى الاقتصادي، يعتبر المغرب ثاني مستثمر بالقارة، ومن المتوقع أن يحتل المرتبة الأولى بعدما استثمر بشكل كبير مؤخرا، مثل إنشاء أكبر معمل للأسمدة بإثيوبيا، وإطلاق مشروع إنجاز خط إقليمي لأنابيب الغاز مع نيجيريا، مرورا على 11 بلدا. وفيما يتعلق بالرهان السياسي في القارة الإفريقية، سيعمل المغرب على توقيف القرارات الصادرة عن الاتحاد المتعلقة بقضية الصحراء، خصوصا أنها تعاكس موقفه في هذه القضية، كما سيعمل على أن يكون الاتحاد مساندا لها في الأممالمتحدة في إشرافها على هذا الملف. ومن جهة أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، ستكون لها تداعيات على باقي مؤسسات الإقليمية، وعلى رأسها الاتحاد المغرب العربي، حيث دعى الملك في الخطاب الذي جاء غداة مصادقة القمة الافريقية على عودة المملكة رسميا إلى الاتحاد الافريقي، إلى إعادة تحريك هذا الإطار، قائلا، “إذا لم نتحرك، أو نأخذ العبرة من التجمعات الإفريقية المجاورة، فإن الاتحاد المغاربي سينحل بسبب عجزه المزمن على الاستجابة للطموحات التي حددتها معاهدة مراكش التأسيسية، منذ 28 سنة خلت”. فالخطاب يكشف تشبث المغرب بهذا الإطار المؤسساتي المغاربي، حيث قال “لقد ظل المغرب يؤمن دائما، بأنه ينبغي، قبل كل شيء، أن يستمد قوته من الاندماج في فضائه المغاربي. غير أنه من الواضح، أن شعلة اتحاد المغرب العربي قد انطفأت، في ظل غياب الإيمان بمصير مشترك". وشدد الخطاب على تحقيق الإندماج الاقتصادي على المستوى المغاربي، مبرزا ضعف التعاون الاقتصادي بين الدول المغاربية يقول الملك؛ إنه “في الوقت الذي تصل فيه المعاملات التجارية البينية إلى 10 في المائة، بين بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، و19 في المائة بين دول مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية، فإن تلك المبادلات تقل عن 3 في المائة بين البلدان المغاربية”.