أصبحت جبهة “البوليساريو” والجهات المدعمة لها في موقف صعب، بعدما أصبح مطلبها الرئيسي تنظيم استفتاء في الصحراء، وهو أمر يعتبره خبراء دوليون مستحيلا، وذلك بناء على مجموعة من الأسس التي فشلت الأممالمتحدة في الإجابة عنها لتبني خيار حل النزاع المفتعل من خلال الاستفتاء. وفي هذا الصدد أكدت صحيفة “نيسان” الالكترونية الأردنية اليوم الثلاثاء 19 أبريل أن ما يغفل عنه أغلب المتتبعين، سواء بشكل متعمد أو بسبب جهل للوقائع، هو أن المخطط ومنذ يومه الأول لم يكن قابلاً للتطبيق. وذكرت بأن “ملف النزاع المفتعل حول الصحراء ظل على أجندة الأممالمتحدة لما يزيد عن ستة عقود، إلا أنها لم تنجح في الخروج بوصفة من شأنها ردم الهوة بين أطراف النزاع، وتمهد بالتالي الطريق نحو التوصل إلى حل متوافق عليه”. وأضافت الصحيفة أنه “منذ تبني مخطط التسوية الأممي سنة 1991، ركزت الأممالمتحدة على مدى أكثر من عقد من الزمن على التوصل إلى حل لنزاع الصحراء من خلال استفتاء يتضمن الإنفصال عن المغرب كخيار من خيارات نتيجة الاقتراع”. وكشفت الصحيفة أن أبرز الادعاءات المغرضة التي يتبناها أنصار “البوليساريو” لتشويه سمعة المملكة المغربية وتقديمها على أنها دولة منتهكة للقانون الدولي هو إلصاق تهمة بها مفادها أنها لم توف بالتزامها القاضي بالسماح للصحراويين بممارسة حقهم في تقرير المصير. وتساءلت الصحيفة الأردنية، هل يمكن أن يصمد هذا الادعاء أمام فحص دقيق؟ وهل أعاق المغرب عمل الأممالمتحدة؟ ثم هل أخذ مخطط التسوية آراء الأطراف المعنية وتحفظاتها بعين الاعتبار؟. وتابعت أن الاعتقاد السائد حول الصحراء والبعيد عن الدقة قد يحمل خلاصة مفادها أن المغرب فشل منذ البداية في الالتزام بمخطط التسوية الذي صادق عليه. لكن القراءة الموضوعية للمخطط وللشروط التي تم على أساسها تبنيه سنة 1991 تظهر أنه، ورغم موافقة كل من المغرب و”البوليساريو” عليه، إلا أن كل طرف كانت له تحفظات عديدة تجاهه. وأكدت الصحيفة الالكترونية على أن العنصر الأول الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو أنه ومنذ صياغة المخطط كان على الأممالمتحدة أن تجد الإجابة لسؤالين غاية في الأهمية: من هو الصحراوي؟، ومن يحق له التصويت في الاستفتاء حول تقرير المصير؟. وقد تبين لاحقاً خلال المسار السياسي الذي أشرفت عليه الأممالمتحدة أن الفشل في الإجابة على السؤالين شكل حجرة عثرة في النزاع المفتعل، إذ أصبحت الأممالمتحدة عاجزة عن الوصول إلى أي حل من خلال الاستفتاء. وأشارت الصحيفة إلى أن “البوليساريو” تعتبر أن الصحراويين المخول لهم الاستفتاء هم فقط من شملهم الإحصاء الإسباني لسنة 1974، فيما يؤكد المغرب أن كل الصحراويين الذين تربطهم علاقات قرابة أو نسب بالصحراء لهم الحق في التصويت في الاستفتاء، بغض النظر عما إن كانوا مشمولين بالإحصاء الإسباني أم لا. وأوضحت ذات الصحيفة أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة، خافيير بيريز دي كويلار، كانت له الرؤية نفسها، إذ اعتبر أن الإحصاء الإسباني لسنة 1974 لا يمكن أن يشكل الأرضية الوحيدة للاستفتاء. ففي مذكراته Pilgrimage For Peace (الحج من أجل السلام) يقول دي كويلار إن نمط حياة الصحراويين مبني على الترحال والتنقل المستمر للأفراد والعائلات عبر الحدود، سواء للهروب من ويلات الاستعمار والنزاعات أو لأسباب اقتصادية أو لطلب العلم والتعليم، ومن ثم فإن الإحصاء الإسباني لم يتمكن من إدراج كل الصحراويين. بل إن الإسبان أنفسهم اعترفوا بأن الإحصاء لم يشمل كل التراب الصحراوي، كما أن العديد من زعماء القبائل صرحوا بأن الآلاف من الصحراويين واللاجئين الصحراويين أغفلهم الإحصاء. وتساءلت الصحيفة، لماذا تبنى مجلس الأمن مخطط التسوية رغم اختلاف الرؤى بين الأطراف المعنية حول القوائم الانتخابية للاستفتاء؟ وأكدت أنه حسب الرئيس السابق لبعثة المينورسو إلى الصحراء ما بين سنة 1994 و1998، إيريك جينسين، لم يقبل المغرب والبوليساريو مخطط التسوية لسنة 1991 بشكل كامل. فرغم أن الطرفين اتفقا مبدئيا على المخطط، إلا أن تحفظاتهما لم تؤخذ بعين الاعتبار.
فحسب ما جاء في كتابه:Western Sahara Anatomy for A Stalemate، فإن المغرب والبوليساريو “اتفقا على تأويلات مختلفة ومتعارضة لما تم اقتراحه”، لكن مجلس الأمن أيد المقترح على افتراض أن الأطراف ستتعاون لتطبيق المخطط. وكان من الممكن أن تكون نتيجة المداولات التي سبقت تبني مخطط التسوية مغايرة لو قام مسؤولو الأممالمتحدة المكلفون بصياغته بإخطار مجلس الأمن بكل التحفظات التي عبرت عنها الأطراف المعنية. وفي هذا الصدد، فقد لعب عيسى ديالو، وهو رئيس فريق العمل الذي كلفه بيريز دي كويلار ببلورة تفاصيل مخطط التسوية، دورا سلبيا وخطيرا في جعل المخطط غير قابل للحياة. فحسب جنسين، فقد عقد ديالو اجتماعات سرية منفصلة مع المغرب والبوليساريو، ولم يقم بعد ذلك بإخطار باقي أعضاء فريق العمل ومجلس الأمن بالتحفظات الجوهرية التي عبر عنها طرفا النزاع. ورجحت الصحيفة أن هذا ما يفسر رد الفعل المتسم بالغضب الذي صدر عن كل من المغرب والبوليساريو بعد تقديم مجلس الأمن لمخطط التسوية. فحسب إيريك جينسين، عبر الطرفان عن إحباطهما كما لو أنهما لم يتفقا على المخطط نفسه. فقبل تبني مخطط التسوية لسنة 1991، عبر المغرب مراراً عن قلقه تجاه عدد من الفقرات في مسودة المخطط. وفي رسالة للأمين العام للأمم المتحدة يوم 30 يوليوز من سنة 1990، عبر الملك الراحل الحسن الثاني عن خيبة أمله من أن المخطط الذي تم تقديمه لمجلس الأمن لم يأخذ تحفظات المغرب بعين الاعتبار. ومع ذلك لم تبلغ رسالة الحسن الثاني مجلس الأمن ولا فريق العمل المنكب آنذاك على صياغة مخطط التسوية. إن الطريقة التي تم بها تبني مخطط التسوية تُظهر أن الهدف الرئيسي للأمم المتحدة في ذلك الوقت كان هو الوصول السريع إلى توافق بين الأطراف المعنية ووضع نهاية للحرب عوض الخروج بمقترح قابل للتطبيق على الأرض، من شأنه مساعدة المجتمع الدولي على وضع حل نهائي لهذا النزاع. ولو أخذ الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، بان كي مون، هذه الحقائق بعين الاعتبار منذ انتخابه سنة 2007، لاستخلصت الأممالمتحدة دروسا كثيرة من تجربتها الماضية، ولعملت على اتخاذ خطوات مهمة في سبيل مساعدة الأطراف المعنية على التوصل إلى أرضية مشتركة، والتمهيد للتوصل إلى حل نهائي يرضي تطلعاتها. وعوض التركيز على وصفة أبانت عن فشلها، كان حرياً ببان كي مون الرجوع إلى مذكرات سلفه بيريز دو كويلار، حيث يكشف بصراحة أنه لم يكن مقتنعا أبدا بأن الاستفتاء في ظل خيار الاستقلال كان الحل الأمثل لملف الصحراء. وكتب بيريز دو كويلار في مذكراته السالفة الذكر: “لم أكن مقتنعا أبداً بأن الاستقلال يحمل المستقبل الأفضل لسكان الصحراء”. وحتى قبل تبني مخطط التسوية كان بيريز دو كويلار مقتنعا بأن المخطط “لن يرقى إلى تطلعات الطرفين وبضرورة البحث عن حل متوافق عليه”. وبناءً على ما سبق، يبقى الطريق الوحيد اليوم أمام الأممالمتحدة لكي تلعب دورها بشكل كامل وتساعد الأطراف المعنية على التوصل إلى حل سياسي هو أخذ تقييمات بيريز دو كويلار حول النزاع بعين الاعتبار، وتبني مقاربة واقعية بعيدة عن التركيز على مفهوم تقرير المصير وعلى فرضية الانفصال. فقد تبنت الأممالمتحدة مخطط التسوية بثغرة إجرائية جعلته غير قابل للتطبيق، ومن ثم الحاجة الملحة اليوم للقيام بمراجعة شاملة للافتراضات الأساسية التي بُني على أساسها ذلك المخطط. المصدر: برلمان.كوم-نيسان الأدرنية