أشار الأمين العام في تقريره S/2004/325 الصادر بتاريخ 23 أبريل 2004، والذي يتضمن الرد النهائي للمملكة المغربية بشأن المخطط الثاني الذي تقدم به بيكر، إلى أن هناك اعتراضا داخل مجلس الأمن على إيجاد حل غير توافقي للخلاف. وهكذا، أكد القرار 1541 الصادر في 29 أبريل 2004 بصفة نهائية الطريقة التي يقترحها المنتظم الدولي من أجل الحل النهائي لقضية الصحراء. ويتعلق الأمر بحل سياسي متفاوض بشأنه ومقبول من جميع الأطراف. وقد حرص القرار على وضع هذا الخلاف في سياقه الإقليمي الحقيقي، عندما دعا دول المنطقة إلى التعاون مع كل من الأمين العام ومبعوثه الشخصي. وعقب استقالة جيمس بيكر من مهامه كمبعوث شخصي، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، في الرسالة التي وجهها في 11 يونيو 2004 إلى مجلس الأمن، عن تعيين ألفارو دي سوتو، الذي يشغل منصب الممثل الخاص للأمين العام المكلف بالمينورسو، لمتابعة عمل الوساطة السياسية بين الأطراف ودول الجوار، من أجل التوصل إلى «حل سياسي عادل ونهائي يرضي جميع الأطراف». واستنادا إلى ذلك، قام السيد دي سوطو بزيارة للمنطقة استهلها بالمغرب، حيث استقبل من طرف الملك محمد السادس، يوم الاثنين سادس شتنبر 2004. وعبر الملك، بهذه المناسبة، عن استعداد المغرب التام للتعاون الكامل مع الأممالمتحدة وعن دعم المملكة لجهود دي سوطو من أجل إنجاح مهمته الجديدة، كما أعرب عن التزام المغرب بالعمل بحسن نية مع الأممالمتحدة ومختلف الأطراف للتوصل، في أقرب الآجال، إلى حل سياسي متفاوض عليه، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية. خاتمة إن تحليل مواقف الأمناء العامين للأمم المتحدة خلال ثلاثين ستة من النزاع المفتعل حول قضية الصحراء، يسمح لنا بأن نميز بين ثلاث مراحل أساسية بمواقف متنوعة: - المرحلة الأولى من بداية النزاع والتي تميزت بمحاولة فرض مخطط فالدهايم في قضية الصحراء من طرف الأممالمتحدة، في حين لم يكن مقبولا من طرف المغرب أن تُفرض أيُّ حلول كأمر واقع وصحراؤه ما زالت محتلة من طرف المستعمر الإسباني، وأمام الموقف المؤيد لمحكمة العدل الدولية لموقف المغرب ومضمونه أن الصحراء لم تكن أرضا خلاء، وأن هناك روابط تاريخية بين المملكة المغربية والسكان الصحراويين، مما جعل تنظيم المسيرة الخضراء بدعم دولي حدثا متميزا وعبقريا أعاد الصحراء إلى انتمائها الطبيعي والجغرافي، ليفتح المجال أمام الاتفاق الثلاثي بين المغرب وموريطانيا، ولولا الأطماع التوسعية لجزائر بومدين لما عرفت هذه القضية امتدادا استمر إلى الآن. - المرحلة الثانية ابتدأت مع مواقف الأمينين العامين للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار وبطرس بطرس غالي، وتميزت بنوع من التقارب في كيفية معالجة هذا الملف، إن لم نقل إنها تميزت بنوع من الاستمرارية في إيجاد معالم حل ابتدأ مع دي كويلار واستمر مع بطرس غالي، ففي 1991 تم الاتفاق بين المغرب وجبهة البوليساريو على وقف إطلاق النار وتبادل أسرى الحرب وتقليص حضور الجيش المغربي وتحرير المعتقلين السياسيين وإعداد اللوائح الانتخابية وتنظيم استفتاء تقرير المصير تحت رعاية الأممالمتحدة. غير أن هذه المقاربة عرفت فشلا ذريعا لأن قضية إحصاء الساكنة الصحراوية تثير مشاكل، من الصعب تجاوزها، على اعتبار أن الإحصاء الذي قامت به السلطات الإسبانية لم يتم استكماله أبدا، بالرغم من المجهودات الحثيثة للأمينين العامين سالفي الذكر، للتوصل إلى توافقات جديدة بين الأطراف المتنازعة حول معايير تحديد الهوية. - المرحلة الثالثة ابتدأت مع فترة تولي كوفي عنان مهامه كأمين عام للأمم المتحدة، وتميزت في الفترة الأولى من ولايته بمحاولة الاستمرار في نفس نهج كل من دي كويلار وبطرس غالي، غير أن الأمين العام فطن إلى أن الاستمرار في مسلسل تحديد الهوية سيكون دون جدوى في مجتمع رحل تطغى عليه الثقافة الشفاهية، مما جعله يخلص إلى تبني حل ثالث يتجاوز منطق الاستفتاء الذي يؤدي إما إلى الانفصال أو الاندماج، وأصبح ضروريا الخروج من هذه الوضعية، مما فتح المجال أمام مخطط بيكر الأول أو الحل الثالث، الذي حظي بقبول المغرب ورفض كل من البوليساريو والجزائر، تحت مبرر حق الشعب الصحراوي في تقريره، هذا المبدأ الذي طالما اتخذته الجزائر ذريعة لرفض جميع الحلول السلمية التي حظيت بقبول المغرب والمجتمع الدولي، سيتم تفنيده باقتراح الجزائر تقسيم الصحراء الذي تضمنه مخطط بيكر الثاني من بين الحلول المقترحة، وقد فاجأت الجزائر من خلال طرحها التقسيمي المجموعة الدولية والشعب الجزائري نفسه، الذي كانت توهمه بأنها تدافع عن حق تقرير المصير، وكشفت عن نواياها التوسعية في المنطقة وعن الارتباك الحاصل في مواقفها تجاه قضية الصحراء لمعاكسة المغرب في وحدته الترابية، وهذا ما دفع الأخير (المغرب) إلى رفض هذا المخطط جملة وتفصيلا. إن تقييم مواقف الأمناء العامين للأمم المتحدة من خلال تقارير مبعوثيهم الخاصين في قضية الصحراء خلال الفترة الممتدة من 1975 إلى 2005 تسمح لنا بأن نخلص إلى: - أن التجربة أبانت أن أي حل لن يكون فعالا إذا لم يكن متفاوضا بشأنه ومتفقا عليه من قبل الأطراف، - أن منظمة الأممالمتحدة تظل الإطار المرجعي المقبول من الأطراف للبحث عن حل يرضى كافة الأطراف على أساس لا غالب ولا مغلوب، - أن حل النزاع لن يخدم فقط مصالح البلدان المعنية مباشرة بالنزاع بل سيساهم أيضا في تسهيل عملية الاندماج في بلدان المغرب العربي وضمان الاستقرار في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط .ومن مصلحة القوى العالمية الثلاث، وهي على التوالي الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنساوإسبانيا، دعم حل سياسي متفاوض بشأنه ومتفق عليه من قبل الأطراف، وذلك نظرا إلى اعتبارات مختلفة، فالولاياتالمتحدةالأمريكية مهتمة بالسوق الشمال إفريقية ومنشغلة انشغالا كبيرا بالإرهاب وبامتداد تأثير تنظيم القاعدة إلى المنطقة. في حين فرنسا، التي لها روابط تاريخية مع بلدان المنطقة وتربطها علاقات متميزة بالمغرب، تدعم هي أيضا الحل السياسي للنزاع في الصحراء .وبخصوص إسبانيا، فلن تكون لها مصلحة في دعم خيار الاستقلال في الصحراء بالرغم من الدعم الذي يستفيد منه الانفصاليون في إسبانيا و«مشاعر الحنين» لدى البعض في المنطقة، - أن التغييرات التي حدثت خلال السنوات الأخيرة تؤثر على المنطقة برمتها وليس فقط على أطراف النزاع. ومن بين هذه التحولات توجد العولمة الجارفة وامتداد التهديد الإرهابي وتفاقم ظاهرة الهجرة السرية. كما أن المغرب انخرط في مسلسل الحداثة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وتعتبر هذه الخطوات معطيات مهمة يتعين أخذها بعين الاعتبار، - إن الاقتراح المغربي الداعي إلى منح حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية، يتعلق بخيار يسمح للصحراويين بتدبير شؤونهم بشكل مباشر وانتخاب مؤسساتهم التمثيلية وتقييم ثروات المنطقة مع الاحتفاظ بالسيادة المغربية على هذا التراب، مما يجعل منه اقتراحا واقعيا ومقبولا من جميع أصحاب النوايا الحسنة. انتهى/ أناس المشيشي - أستاذ جامعي