من المهن الرمضانية التي تنشط في العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل مهنة "تنكافت"، وهي وإن كانت موجودة في سائر الأيام إلا أنها تتميز بطابع خاص في هذا الشهر الفضيل، ففي الأيام العادية تتكفل النكافة بتزيين العرائس المقبلات على الزواج، فينصب اهتمامهن على لباسهن وبشرتهن ونقش الحناء على أيديهن وأرجلهن، وهو ذات الأمر الذي يقمن به في رمضان أيضا، غير أن عرائس رمضان غير باقي العرائس. ففي شهر رمضان تكافئ الأسر المغربية بناتها اللواتي صمن أيامهن الأولى بالاحتفال بهن في العشر الأواخر وفي ليلة القدر تحديدا، من خلال تزيينهن ونقش الحناء على أيديهن وأرجلهن وأحيانا من خلال محاكاة طقوس الزفاف أثناء الاحتفال بهن. وتغدق الأسر المغربية على نكافات رمضان من الهدايا والأعطيات الكثيرة لأنهن مصدر سعادة فلذات أكبادهن، ومن اللافت للانتباه أن النكافات كن إلى عهد قريب يكترين محلات مخصصة ومجهزة بكل لوازم تزيين العرائس لأجل هذه المناسبة، فضلا عن الألبسة والعمارية بل ويخصصن فرقا للعزف ويسخرن شبانا لحمل العمارية والطواف بالعروس الصغيرة، ومصورا لتوثيق مشاهد الاحتفال وكل ذلك لتمر طقوس استقبال العرائس الصغيرات في أبهى الأجواء. وكانت شوارع الأحياء في المدن المغربية تتحول إلى قاعة حفلات مفتوحة يستمتع فيها الكبار والصغار على حد سواء بالمعزوفات الموسيقية الروحية وتوزع فيها الحلوى وتتبادل التهاني، وكان لذلك بالغ الأثر في ترسيخ أهمية الصيام في نفوس الصغيرات، فحدث الصيام لأول مرة يرتبط لديهن بذكريات سعيدة أخاذة. ومن المؤسف أن هذه المهنة قد شهدت في السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا بسبب التغيرات الاجتماعية والثقافية التي عرفها المجتمع المغربي، فالأجيال التي كانت فخورة بتقاليدها مرتبطة بموروثها الثقافي آيلة إلى الزوال، والتكنولوجيا الحديثة تلتهم ما تبقى من ثقافتنا بشكل مضطرد. ولعل "تنكافت" جزء لا يتجزأ من تلك الثقافة الآخذة في التلاشي والاضمحلال، لأسباب عدة لعل أبرزها انهيار القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة التي لم تعد تستطع أمام ارتفاع تكاليف المعيشة تخصيص مبالغ مهمة للاحتفال ببناتها في هذه المناسبة الكريمة.