أعادت المناورات الفرنسية داخل البرلمان الأوروبي وغيره من المؤسسات والمنظمات الدولية، التي تستهدف المغرب لمحاولة النيل منه وابتزازه، إلى ذاكرة المغاربة الجرائم والإبادات الجماعية المرتكبة من طرف الاستعمار الفرنسي في حق المقاومة والشعب المغربي. وتكشف بشاعة جرائم فرنسا المرتكبة في حق المغاربة الوجه الخبيث لهذه الدولة الاستعمارية، التي تحاول اليوم الظهور بمظهر "الأستاذ" الذي يجيد تقديم الدروس في مجال حقوق الإنسان واحترام مبادئ الإنسانية، فيما يثبت التاريخ خلاف ذلك. ومن منطلق مواكبتنا في موقع "برلمان.كوم" لمختلف القضايا التي تهم وطننا، خصوصا إذا تعلق الأمر باستهداف المملكة وابتزاز مؤسساتنا الوطنية عن طريق اتهام المغرب بمزاعم لا أساس لها عمليا وعلميا لمحاولة ثنيه عن مواصلة مسيرته التنموية وعرقلته والتشويش على وحدته الترابية، ارتأينا أن نسلط الضوء على محطات من التاريخ المغربي، وعلى جرائم بشعة ارتكبتها فرنسا في حق المغاربة، وتستوجب الاعتذار، بينها التلاعب الفرنسي في الحدود المغربية لالتهام التراب المغربي ومنح مناطق مغربية للجزائر وجعل أخرى موضوع صراع سببه طريقة ترسيم الحدود. تمزيق فرنسا للحدود المغربية علاقة بهذا الموضوع، قال المحلل السياسي والوزير السابق لحسن حداد، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تناسى أن فرنسا ارتكبت جرائم كبيرة في حق المغاربة أيضا، عندما أكد على النظر في ما تم ارتكابه في حق الجزائر حين استعمارها، وتم إثر ذلك تكوين لجنة بين فرنساوالجزائر تضم عددا من المؤرخين. وأفاد حداد، الذي يشغل حاليا رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي خلال حديثه مساء يوم أمس الخميس، ضمن برنامج "ديكريبطاج"، المتخصص في التحليلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، الذي يقدمه الأستاذ والإعلامي عبد العزيز الرماني، ويذاع على إذاعتي "برلمان راديو" و"إم إف إم"، أن فرنسا عملت على تمزيق الحدود المغربية ابتداء من سنة 1870، حينما بدأت في اقتطاع أراضي مغربية، مذكرا في هذا الإطار، أن المملكة المغربية الشريفة قبل دخول فرنسا إلى الجزائر كانت ممتدة من نهر السنغال إلى تلمسان ووهران وبشار وتندوف وغيرها. إن هذه المعطيات التي قدمها حداد تؤكدها الوثائق التاريخية وما تم تدوينه من قبل المؤرخين بينهم فرنسيين، إلى جانب ما تتضمنه الأرشيفات من دلائل قاطعة تثبت ذلك. وأبرز حداد، أنه خلال شهر فبراير من عام 1924 بعث ليوطي برسالتين، أكد ضمنهما أن أراضي تندوف تابعة للمملكة المغربية، ومنه فلا يمكن للجيش الفرنسي المرابط في الجزائر الاستيلاء عليها، مشيرا في هذا السياق، إلى أن تندوف ظلت مغربية إلى غاية 1934 قبل منحها للجزائر من قبل فرنسا. وأوضح حداد، أن فرنسا كانت بصدد تنظيم الاستفتاء سنة 1962، لكن سكان تندوف بعثوا رسالة إلى الحكومة الفرنسية أكدوا من خلالها أنهم مغاربة لذلك لن يشاركوا في هذه العملية، مطالبا في السياق ذاته بتكوين لجنة من المؤرخين بين فرنسا والمغرب للوقوف على وثائق تثبت مغربية الصحراء (الغربية وحتى الشرقية). فرنسا.. المسؤول الأول عن نزاع الصحراء المغربية من خلال ما قامت به فرنسا من تشويه وتمزيق للخريطة المغربية، جراء تلاعبها بالحدود، إبان التمهيد لاستعمار المغرب، فإنها "المسؤول الأول على نزاع الصحراء المغربية، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها إثر ما قامت به"، يقول البرلماني المغربي، رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. ومن جهته، قال الأستاذ الجامعي والخبير الاستراتيجي، محمد الخمسي، "إن قيام فرنسا بتزوير الجغرافية المغربية، جاء في خضم علمها بالعمق التاريخي والامتداد الجغرافي للمغرب، الذي له تماسك اجتماعي بين القبائل والسلطان، إلى جانب توفره على موارد وإمكانات مهمة، واتضح الأمن لماذا كان هذا التزييف". الخمسي تابع في اتصال هاتفي مع برنامج "ديكريبطاج": "لكي لا ننسى، كنا أمام دولة استعمارية، استعمرت الجزائر من العثمانيين، اعتمدت على ثلاث قواعد في تعاملها مع المغرب؛ اقتطاع جغرافية المغرب ومحاصرته، استنزاف المغرب بالحروب على الحدود، وكذا التشويه على شرعية البيعة بين القبائل والسلطان، خاصة على مستوى المناطق الصحراوية والواحات". وأورد الخمسي، أنه في حوزة فرنسا وثائق تثبت ما قامت به من تغيير للمعالم الجغرافية، وتؤكد أنها كانت بصدد التنظيم لهذه السيطرة حتى قبل اتفاقية الحماية لسنة 1912، فيما يؤكد أرشيفها العسكري ابتلاع مناطق مغربية حدودية بقوانين استعمارية فريدة توثق لعدم توقيع المغرب على أي وثائق أو اتفاقية بشأن ترسيم الحدود مع فرنسا أو الجزائر منذ القرن ال17. ولفت الخبير الاستراتيجي، إلى أن فرنسا ظلت منذ سنة 1830 إلى حين سنة 1933 تشن حملات قصف الحدود المغربية بالمدفعية لتثبت إداريا واقتصاديا هذه المناطق، فيما كان المغرب مركزا على استقلال الجزائر ورفض التفاوض مع الجيش الفرنسي. وأشار الخبير ذاته، إلى أن "فرنسا التي تسعى إلى إضعاف المغرب، عليها الآن الاعتراف من خلال الوثائق التي تتوفر عليها بما صنعته من تزوير وحيف واستهداف في حق الخريطة المغربية". جرائم فرنسا في حق المغاربة.. مجازر تستوجب الاعتذار ومن جانبه، قال الإعلامي عبد العزيز الرماني، إن فرنسا تعدت على المغرب حتى في عملية رسم الحدود، بعد جرائم كثيرة ارتكبتها في حق المغاربة، وهو ما يستوجب من البرلمان المغربي مطالبة فرنسا بالاعتذار للمغرب والشعب المغربي. وذكر الرماني، أن فرنسا هي التي وقفت ضد جيش التحرير المغربي الذي كان على وشك استرجاع الصحراء المغربية بعد الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، خصوصا عندما تحالف الاستعمار الفرنسي مع نظيره الإسباني لسحق المغاربة، ضمن عملية "إيكوفيون" (المكنسة باللغة الإسبانية)، والتي جرى تنفيذها بجنوب المغرب بداية من 10 فبراير 1958 إلى غاية 25 فبراير من ذات السنة. وأفاد الرماني، أنه لولا التدخل الفرنسي آنذاك لما كان موضوع الصحراء مطروح من الأصل حاليا، لأن المقاومين المغاربة قهروا الجيش الإسباني الذي كان محتلا للصحراء المغربية، مما جعل هذا الأخير يتحالف مع نظيره الفرنسي ضمن المغاربة، لارتكاب مجزرة في حقهم. وفي ذات السياق، قال المحلل السياسي والاقتصادي جمال براوي، ضمن مكالمة هاتفية مع البرنامج الشهير "ديكريبطاج"، إن هناك وثائق تاريخية في غاية الأهمية تكشف حقيقة عدد من الأمور قدمها الراحل علال الفاسي، مشيرا إلى أن هناك وثيقة لرئيس وزراء فرنسي سابق الذي أراد فتح مفاوضات مع المغرب لمنح مناطق بها البترول للمغرب بدل الجزائر. ونبه براوي، ضمن كلمته، إلى أن التطرق إلى هذا الموضوع، لا يعني المطالبة باسترجاع "أي حبة رمل لكي لا يفهمنا بأننا مغرب توسعي بل فقط معرفة أمر الواقع"، مستغربا من الموقف الغامض لفرنسا من مغربية الصحراء على الرغم من معرفتها لحقيقة أنها صحراء مغربية انطلاقا من أرشيفها من أجل الابتزاز وممارسة السمسرة ضد المغرب.