يحتار المتابع للحياة السياسية في المغرب من المستوى الذي وصل إليه الواقع السياسي في البلد، وكيف أدى الفراغ الذي تركته الأحزاب السياسية والنقابات والهيئات المرتبطة بهما إلى إفراز كائنات طفيلية تدعي ممارسة "المعارضة"، ومستعدة لوضع يدها في يد الشيطان نفسه لبلوغ أهدافها وخلق متاعب لبلدهم، هذا البلد الذي أحرق بعضهم جواز سفره وطالب آخرون بإسقاط جنسيته عنهم، بينما باعه آخرون مقابل حفنة من الدولارات على هيأة "دعم" لجمعياتهم من الجهات التي تلتقي موضوعيا مع أهدافهم الخبيثة. فبعد الإرهابي حجيب الهارب إلى ألمانيا والملاكم الفاشل زكرياء المومني والشرطية الخائنة وهيبة خرشيش وبائعة الدمى الجنسية دنيا الفيلالي، كان آخر الملتحقين بركب "معارضي يوتيوب" هو المحامي والوزير السابق محمد زيان. هذا الأخير حاول منذ اندلاع أحداث الحسيمة الركوب على ملف معتقلي تلك الأحداث بغية رتق بكارته الحقوقية والسياسية، خاصة أنه عرف عنه انتصابه ضد معارضين سابقين للدولة أمثال إبراهام السرفاتي ونوبيرالأموي، قبل أن يحاول إيهام الرأي العام بأنه أصيب ب"صحوة ضمير" مفاجئة، بل وصار يتخيل نفسه قائدا سياسيا لا يشق له غبار، وهو أمين عام لحزب لم يسبق له أن حصل على كرسي واحد في البرلمان، بل إن أكبر إنجازاته الانتخابية هو دخوله في موجة سب وقذف "من السمطة لتحت" ضد أحد الأشخاص في حملة من حملات حزبه الانتخابية. بعد ذلك، قرر زيان اللجوء إلى اليوتيوب بغية ممارسة ما سبقه إليه آخرون، قبل أن يكتشف أن خطابه قد عفا عنه الزمن، وأن مصطلحات "البوليس السياسي" و"البنية السرية" باتت تثير السخرية والشفقة لدى "كمشة" المتابعين له ولموقعه "الإخباري" وقناته على اليوتيوب. لقد تفاجأ زيان بإعراض الرأي العام عن خطاباته المضحكة، وخيبت عائدات موقع اليوتيوب ظنه، خصوصا أن خياله ذهب به إلى حد توهم أن تلك المداخيل ستعوض الأتعاب التي كان يحصل عليها في قضايا ترافع فيها سابقا لفائدة جهات في الدولة، فضلا عن المبالغ الكبيرة التي كان يتحصل عليها من بيع التزكيات الحزبية، قبل أن يصبح بدون حزب وبدون مكتب للمحاماة بعد منعه من ممارسة المهنة، لينطبق عليه قول المغاربة "لا حمار لا سبعة فرنك". بعد إدانة زيان قضائيا واعتقاله داخل السجن، خرج الموقع الذي يملكه في صورة مضحكة مبكية مما ابتلي به المشهد الإعلامي ببلادنا، ليضفي عليه صفات من الهالة والتقديس، من قبيل ربط عيد ميلاده بالاحتفال بعيد الحب، واستدعاء اسم أحد الفقهاء للتأكيد على صحة إسلامه بعدما ولد مسيحيا لأم إسبانية، وصولا إلى محاولة تبرئته من "تهمة" ازدواجية الجنسية، علما أنه يحمل الجنسيتين الإسبانية والمكسيكية إضافة إلى جنسيته المغربية، والتي اكتسبها من جهة والده. إن من يقرأ عن "كرامات" زيان الواردة في موقعه، لن يصدق أن نفس الشخص سبق أن تورط في عملية تجارة مخدرات عبر شركة الحافلات التي كان يملكها، وهي القضية التي لم يكن ليفلت منها لولا علاقاته الأسرية والمهنية النافذة آنذاك مع أطراف معينة في الدولة، قبل أن يجد نفسه مؤخرا عاريا من أية حماية، وفي مواجهة جرائمه التي ارتكبتها يداه، والتي جعلته سجينا في أرذل العمر بدل أن تبيض تاريخه السياسي والحقوقي الأسود.