اسمه « لحسن أيت صالح»، الجندي المغربي الذي عاد إلى أحضان وطنه و أسرته مع اشراقة2001 من مخيمات العار بتندوف بعد أن اعتقل وغيب هناك 24 سنة . أفنى سنوات شبابه في معتقلات البوليساريو و الجزائر.اليوم وقد عاد ،"المسائية" تقاسمه همومه في جلسة حميمة للبوح والتذكر ،وللنبش في ذاكرته الموشومة بالعذاب ،كانت الكلمات تتسابق في فم لحسن الذي بدأ سرد سيرته الأليمة بلا أسئلة ودون مقدمات: « كان الموت أقرب إلينا من حبل الوريد في الكثير من المرات، ونحن بين أشعة الشمس الحارقة والرمال الملتهبة،في عزلة وغربة مريرتين ، بعيدا عن الأهل و الأصدقاء، ».«خضنا تجربة أشاوس في سيبل الدفاع عن الوطن و عشنا عقودا من الزمن مع وحوش آدمية،أناس لا تعرف الرحمة ولا الشفقة إلى قلوبهم سبيلا..مورس علينا الاستبداد بكل تجلياته،والسادية بكل ألوانها،و الحرمان بكل معانيه. لازمنا القهر الجوع والمرض في كل الأوقات، وتراقص أمامنا الموت طيفا لا يرى ولكن لامسناه وعايناه على الدوام، والحق يقال أن من عاد منا قد كتب له عمر ثان جديد ،نحن من لم نمت بعد ،كم مرة سنموت ؟؟؟ كأن الدنيا نفرت منا ولاة حين اعتقالنا ،». ضاعت فترات من حياتنا، لا المراهقة عشناها ولا الشباب، جزء كبير سدى مضى وتبخر وراء القضبان هناك ،مررنا بصعاب صنعت منا رجالا أشداء على سجانينا ،ولكن رحماء بيننا ، يشد بعضنا أزر بعض، إن الضربة التي لا تقسم الظهر تقويه، وها نحن أقوياء من جديد رغم شيخوختنا... وبزفرة عميقة قال لحسن : دعني أولا أحدثك عن سنوات ما قبل الاعتقال ،حينما كنت يوم ذاك في كنف والدي أساعدهم في كل الأشغال الفلاحية و التبضع ما بين تامدة و سوق أزيلال، أجلب الماء من العيون المجاورة، كان طموحي ككل شاب مغربي : بناء مستقبل و تكوين أسرة، غير أن منعرج التحول بدأ منذ مقتل زوج أختي على الأيادي الآثمة لعصابات البوليساريو .كنت أنظر إلى أبناء الفقيد ودمائي تغلي كالمرجل ، كأني أطمئنهم أني سأهدر دم قاتل والدكم،سأنتقم لكم ،وكان الغضب يشتد ويستعير بدواخلي .وهذا ما دفعني للبحث عن التجنيد بكل حزم وإقدام ، للوصول إلى ساحة الوغى و مواجهة قتلة زوج أخته"شطو".رفض طلبي في التجنيد مرات عديدة لكن صبري و عزيمتي لم يكلا أو يوهنا . انخرط لحسن في صفوف الجندية سنة 1976و هو ابن 19 سنة.وبعد أقل من سنتين ساقه القدر إلى أيدي عصابات الجزائر التي كانت تحارب جنبا إلى جنب جبهة البوليساريو.اقتيد إلى المعتقل في ظروف غير إنسانية حيث وضعوا لثاما على أعين كل المعتقلين حتى لا يتعرفوا أو يفطنوا إلى المسار الذي سلكوه للوصول إلى المخيمات. مباشرة بعد الاعتقال من ساحة المعركة.وجدنا الصحافة و المخابرات الجزائرية في انتظارنا –يقول لحسن-..اخذوا لنا صور بكل الألبسة ،و أرغمونا على التصوير بزي عسكري جزائري. استمرت التحقيقات لأسابيع في منطقة البليدةالجزائرية في بنايات من مخلفات الجيش الفرنسي. مَشاهد مؤلمة ولأنه ليس من رأى كمن سمع،أصر "لحسن ضيف المسائية"على أن يجسد و يمثل بعضا من ألوان التعذيب التي مورست عليه و على رفاقه في السجن. و ألح أن يكون التجسيد بحضور أسرته الصغيرة و الكبيرة .وهاهي "فاظمة" أم لحسن حين لم تقو على مشاهدة ابنها و هو مربوط بحبال و هو ينتظر أخذ حصص من الجَلد بسياط "كابل" جلدي ثقيل من النوع السميك، كانت تذرف دموعا حارة مدرارة، رغم أن الأمر ليس إلا تصويرا ،فجأة تنهار ،وعبثا يغمى..فلحسن كان بارعا في محاكاة الواقع المرير للجلادين هناك، و هو يمثل المشاهد المؤثرة التي تجسد عمليات تعذيبه كما كان يعلق عليها بأدق التفاصيل. حيث قال في إحداها :"نلت قسطا كبيرا من العذاب لأني لم أكن معتقلا طائعا و راضخا للإذلال، و التنكيل و المساومة على تغيير الهوية ...". في حصص التعذيب يجلس المعتقل على ركبتيه عاريا في درجة حرارة تصل إلى 49 مئوية، ثم تنهال عليه الضربات من كل الجهات..يُذل المعتقل يُشتم و تمارس عليه أحيانا استفزازات و تحرشات جنسية..هنا لحسن يقر بأن كل من يصل إلى هذه المرحلة يتمنى الموت . لقطات من الذل و العار ساقونا إلى الأراضي الجزائرية زمرا ،وضعنا في أقبة مظلمة بمنطقة البليدة مدة طويلة ليتم إخضاعنا لكل التحقيقات المذلة .مكثنا هناك منسيين لسنوات حتى قامت حرب الإسلاميين في الجزائر فأرجعونا مرة أخرى إلى تندوف.ليبدأ مشوار جديد امتد سبع سنوات من التعذيب والأعمال الشاقة .تفننوا في تعذيبنا بشتى الطرق من: ضرب وكي بالسيجارة والصعق الكهربائي في جميع أطراف الجسم ، ولم تسلم حتى المناطق الحميمية والحساسة للمعتقلين .كنا لا ننام إلا سويعات معدودة لأنهم يوقظوننا كل مرة لإحصائنا والتأكد من أعدادنا ،أما الرابعة صباحا فهو موعد يومي لأشغال شاقة تسمى "الشغلة" أي الاشتغال في صنع الياجور والبناء.. أحد الجلادين كان يدعى" ليوتنان بوعزى" من الجزائر.عذبني عذابا نكرا،أرسل لي ثلاثة من زبانيته أشبعوني ضربا وكيا ،إلى أن فقدت الوعي ،ثم صبوا علي الماء .كدت أفارق الحياة لولا بعض الأصدقاء الذين سهروا على إسعافي لمدة 15 يوما ،لازمت الفراش من شدة الألم.. ولأن عزيمتنا أقوى من سياط الطغاة ،لم نلن أبدا أمام جبروتهم .فقد فكروا وقدروا ليمكروا مكرا كبيرا ، إذ بدأت مساوماتنا حينا، وتقديم إغراءات و وعود، كي نغير هويتنا و نتنكر لانتمائنا لوطننا المغرب بهدف تبني أطروحة البوليساريو و الانسلاخ عن الوطن الأم ، كان رفضنا لمحاولات التدجين تتلوه أشكال من التعذيب الخاصة. أحيانا كانت فكرة الانتحار تراودنا،لأن الوضع أقسى من أن يتحمله إنسان. كان أكبر عدو لنا هو التجويع ، أي ذل هذا؟ أن يموت المرء جوعا فوق رمال الأعداء، لذلك كنا نتضور جوعا ونقبل على أكل تنعدم فيه أدنى الشروط الصحية، يقدمون لنا"الأكلة المشهورة"في المخيمات"خالوطة"و هي الأرز المختلط بالعدس و غالبا ما تفوح منه رائحة نتنة.و هناك أكلة"كربانسو" أي الحمص به كميات من الحشرات،المعتقلون يلقبون هذه الأكلة ب"الحمص المبزر" أي مبزر بالحشرات.كما نتغذى بالفاصوليا التي تقدم أيضا كمادة علفية للجمال.إضافة إلى مشروب مصنوع من دقيق غير معروف. لم يسبق للمعتقلين المغاربة في هذه المخيمات أن تلقوا وجبة غذائية تحمل مواصفات وجبة تقدم لبني الإنسان. أما حكايتنا مع الحشرات فما أن تتوقف أجسادنا على العمل، حتى تدب حركة القمل في أجسامنا ،تصول وتجول في منابت الشعر. ألفنا بعضنا إلى درجة أن المعتقلين كفوا عن محاربته بعد أن أصبح جزءا منا. ضيف ثقيل وغير مرغوب فيه طبعا ، ولكن أين المفر. أما انعدام الماء وندرته ، كنا نعاني من الأرق ، وما أن تغمض جفوننا حتى يتم إيقاظنا مع أولى خيوط الفجر بعنف، كنا نقوم بجميع الأعمال الشاقة من بناء و حفر و حمل الأثقال و تفريغ حمولة الشاحنات في كل الأوقات . الهروب الصعب أمام هذا الجحيم اللامتناهي، بدأت تراودنا فكرة الهروب وتلح علينا أكثر من أي وقت مضى، حاولنا الفرار بحفر خنادق تحت الأرض للخروج منها بعيدا عن زنازين الاعتقال ،لكن كل المحاولات كان مصيرها الفشل ، مادامت أعين المخبرين المندسين بيننا تخبرهم بكل تحركاتنا وما ننوي القيام به. لحسن و رفاقه حاولوا الهروب عدة مرات، و جرب حظه ثلاث مرات طوال 24 سنة من الاعتقال. لم يفلح في أي منها ،لأن الحراسة شديدة وطرق الرصد متطورة، و الحواجز صعب تجاوزها ،أشواك وعوائق و أسلاك حديدية شائكة و خنادق وأجهزة تجسس .و رغم ذلك نستعين بالله و نتخذ القرار هروبا من القهر و الإذلال-يضيف لحسن-. هناك في المعتقل يصعب على الهارب معرفة الاتجاه إذ يستعين بموقع الشمس و القمر في السماء لاكتشاف الغرب. و بالمقابل تضع سلطات المعتقل آليات عسكرية متطورة للتصدي لكل من حاول الهروب كالسيارات المطاردة من النوع الياباني.كما تفرض عليهم التجمع الاضطراري في حالات مناخية كهبوب الرياح و انتشار الضباب و الأجواء الممطرة.لان في هذه الأجواء المناخية يصعب على قوات البوليساريو اقتفاء أثر الهاربين من المخيمات حيث الرياح و الأمطار تطمس أثر الأقدام في الرمال.بعد كل المحاولات الفاشلة التي قام بها لحسن و زملاءه نالوا مقابلها من حصص التعذيب الشديد.جزاء وفاقا لكل من سولت له نفسه مغادرة أقفاص أولياء قهره. جواسيس بيننا كان البوليساريو تضع العيون وتزرع الجواسيس في كل شبر بين المعتقلين لمراقبة تحركاتنا و التبليغ عن كل شاردة و واردة، لا يهدأ لهم بال ،يحرسون المعتقل جيدا،فكلما حاولنا التفكير في الهروب من المخيم أو بدأنا الحفر للخروج من تحت جدار المخيم أبلغوا عنا الإدارة التي تعاقبنا شر عذاب.هذا الوضع –يقول لحسن-دفعني للتفكير في الجريمة و الانتقام من الذين يتجسسون علينا.فكرت يومها في اقتلاع قطعة حديدية.واستغرق الأمر أسبوعا كاملا إلا أن أمري انكشف و نلت يومها عذابا يشيب له الولدان. مؤشرات تؤجج غضب عصابات البوليساريو رغم الجوع و القهر و الخوف الرهيب، كانت الأجواء داخل المخيمات في تندوف يخيم عليها صمت و سكون رهيبين قبيل كل خطاب للراحل الحسن الثاني أو بعد أي مواجهة عسكرية مع الجيش المغربي ،هذان الحدثان ، كان المعتقلون يتوجسون منها شرا، لما يليهما من صولات وجولات في فنون التعذيب والتنكيل .فالمعتقل لحسن أيت صالح أكد للمسائية أن هذه العصابات تنتقم من المعتقلين كلما تلقت هزيمة في الصحراء أو فقدت أحد رجالاتها.و ترفع إيقاعات التعذيب أيضا كلما كان خطاب الحسن الثاني ناريا و تطرق فيه لمشكل الصحراء..إذ تعود العصابات لتفرغ في أجسامنا وعقولنا جام غضبها ، ..إحدى الخطابات التي قال فيها الحسن الثاني" أن الصحراء مغربية و نحن في أرضنا..عاد بعده أفراد الجبهة إلينا ساخطين متبرمين و متوعدين و خاطبونا" سترون اليوم الموت بأم أعينكم ،وقد لا يسلم منكم إلا القليل..لقد استفزنا ملككم..وكل من قام بسبه و شتمه افلت من عذابنا". كانت درجات الجلد والصبر و التحمل تختلف من معتقل إلى آخر ،منا من يتوسل جلاديه ،منا من يصمد تحت التعذيب طويلا قبل أن ينهار ،ومنا من صبره جلمود صخر تتحطم فوقه كل محاولات الجلادين اليائسة والبائسة ..لحسن بطل المعتقل بصبر أيوب.وضعوا على أظافره الجمرات ، علقوه جوعوه أوشكوا أن يغتصبوه ثم هددوه بالقتل لكي يشتم الحسن الثاني ، فصمد ورفض بل تحداهم.." كان بالنسبة إليهم تجربة و معجزة كثيرا ما يصارحونه سرا ببطولته.أما تعاملهم مع اللجان الدولية فهو عادي إلا في حالة محاولة بعض الأحرار من الصليب الأحمر الدولي معرفة حقيقة الوضع الذي يعيشه السجناء. بعضهم لم يسلم من ألآت القمع الهمجية للبوليساريو فتعرض للضرب أمام أعيننا ،ذنبهم عزمهم جمع أدلة على جرائم البوليساريو. ستدينهم حتما أمام المنتظم الدولي ، وتكشف سوءاتهم أمام العالم. لحسن و رفاقه يتحولون إلى فئران تجارب لم يكن المعتقلون -يقول ضيفنا – يعلمون أن عتاة طغاة البوليساريو يستبيحون أجسامنا ، ويجعلون منها حقل تجارب طبية من طرف أطباء و ممرضين أجانب، يأتون من كوبا و ليبيا و مالي..لقد شملت التجارب الطبية السرية طبعا مختلف التخصصات كطب العظام و العيون و الجلد.و لم يخف لحسن أيت صالح انكشاف الأمر مؤخرا بعد أن أفشى طرف من داخل الجبهة السر للمعتقلين. طرق تلمع بها البوليساريو صورتها ما إن يقترب موعد زيارة وفد أجنبي إلى مخيمات الذل والقهر والعار ، حتى تدب حركة غير اعتيادية، وتبدأ الخدمات في التحسن تدريجيا، ،إذ يستقدمون حماما متنقلا مجرورا بشاحنة و يدعوننا إلى الاستحمام و حلق الذقون،لكن ليس حبا في سواد أعيننا، بل لتلميع صورتهم أمام المنتظم الدولي .و تصوير مشاهد تليق بسمعة البوليساريو في الخارج.لحسن أكد أنه سبق أن انفرد بأحد ممثلي الصليب الأحمر الدولي و سمع منه ذلك حيث شرح له حقيقة كل ما يفبرك هناك. و أكد أن الهدف هو كسب مزيد من الدعم المالي من المنظمات الأجنبية ،والمتاجرة بقضيتنا لمزيد من الاسترزاق ..يستخدم المعتقلون في عمليات بناء الأسوار و القلاع و المباني الحقيقية و الوهمية، قبل زيارة وفود خارجية.كل معتقل ينال حصته من الأشغال الشاقة فعليه صنع 100 لبنة من طين في اليوم و إلا فرضت عليه عقوبة قهرية في زنزانة انفرادية.لحسن و رفاقه في المعتقل وقفوا مرارا عند غش و خداع العصابات التي كانت تسعى في مناسبات عدة أن توهم المنظمات الممولة لها بأنها أنفقت دعمها في مشاريع حقيقية .و أعطى مثالا عن بناء مباني مغشوشة بالطين و طلائها بالاسمنت من الواجهة الخارجية ،حيث تقدم للوفود التي تزور المخيمات شروحات مغلوطة لتبرير المصاريف في تلك المشاريع.ضيف المسائية أوضح أنه مرارا افتضح أمر العصابات أمام الوفود.وتظهر البوليساريو كذلك تطبيقها للاتفاقيات الدولية الخاصة بالسجناء بالسماح لنا بمراسلة أسر المعتقلين عبر الرسائل المكتوبة أو الأشرطة السمعية.لكن بشروط محددة سلفا فكلما تخللت رسائلنا ألغازا أو كلمات غير مفهومة كالمكتوبة بلهجة مثلا تلغى .و في الغالب لا تصل.فالصدفة ذات يوم كشفت لنا مصير أغلب رسائلنا التي وجدناها في واد بالمنطقة رموا بها.أما ما يرسل إلينا من أهلنا فلا يصل منه إلا النزر القليل .علمت هذا بعد عودتي إلى المغرب ،حيث اكتشفت أن أسرتي أرسلت لي ملابس لم تصل إلي كلها. البوليساريو الأداة الجزائرية لحسن الجندي المغربي الذي لم يسبق له أن ولج مقعدا للدراسة في حياته، استطاع رغم ذلك أن يكشف أشياء كثيرة تصعب حتى على المثقفين.كان ذكيا فطنا، دقيق الملاحظة، شديد الترقب لما حوله.أوضح للمسائية أن السيادة في مخيمات تندوف هي للجزائر فهي الآمرة الناهية ، المشرفة المراقبة، ومن بيدها القرار.في حين أن البوليساريو إلا أداة طيعة وطائعة. كل ما ومن حولنا هناك جزائري -يضيف لحسن-لكنها تتلون من حولنا كل مرة، فتارة نتعامل مع أشخاص جزائريين و بزيهم العسكري الجزائري الذي لا يخفى على أحد، و تارة أخرى بأشخاص يتحدثون لهجة صحراوية و ليبية و مالية و نيجيرية..أما الأكل و الشرب و اللباس و الدواء و اللوجيستيك العسكري فهو يحمل طابعا جزائريا صرفا.فالجنود الذين اعتقلونا يتحدثون لغات مختلفة غير مفهومة يعتقد أنها لهجة مالية.لكن كبار مسؤوليهم من الجزائر. المعتقل يعود إلى أحضان أسرته مهما طال الليل بسواده سينجلي، وربما عمر المسجون أحيانا أطول من سجانيه ،هاهو لحسن يعود إلى أحضان أسرته الصغيرة و الكبيرة و إلى وطنه الذي يحبه كثيرا. تزوج عن سن 46 سنة رزق بتوأم .قرر أن يشتغل في حرفة تنسيه ألم الماضي و ذكرياته العصيبة.العائد وقع اختياره على بيع الأحذية المستعلمة و هو الآن يتجول في الأسواق الأسبوعية الصغيرة و ينتقل بين سبت أيت امحمد و أحد تاكلا و ثلاثاء أيت عباس و خميس أزيلال.. كان يتمنى العودة إلى بلده ليعيش بين ذويه. حلمه الكبير في سكن يرتاح فيه بعيدا عن الضوضاء .لأنه لم يعد يقوى على سماع الضجيج. يتأسف ضيفنا على حاله بعد أن عاد ووجد آباءه الذين تركهم وتجند في القوات المسلحة ليحسن من مستوى معيشتهم ، باعوا ما تبقى من الأرض ليقتاتوا منها.. كلمة المعتقل و دموعه تبحث عن مقلة : بكل الأسى يتذكر المعتقل « لحسن أيت صالح» الأيام التي اغتالت أحلامه و تركته بدون ربيع عمر و الذي أمضاه في السجن ، كل الليالي كانت قاسية عليه و على رفاقه كوجع الأضراس و قرع الأجراس أمله أن يكون حرا، كم مرة انتظر الصبح البعيد لبدأ في النهار القصة من جديد.. هاهو الجوع و السياط أمامه و وراءه ،أمعاء خاوية ،عالم المعتقل مخيف و موحش تقنعت فيه الأشباح امتشقت الهراوات و هوت على الرؤوس و لون الأسف الصارخ في سكون الاشتهاء ...أمثاله كثيرون لازالوا يقبعون بين قضبان و أشواك تندوف القاسية في انتظار الحرية و معانقة الوطن و الأهل . إنجاز : لحسن أكرام جريدة : المسائية