بعد خمسة وسبعين سنة من العمر (04 نونبر 1935- 05 أبريل 2010)، وما يزيد عن خمسين سنة من المعارك النضالية رحل إلى مثواه الأخير المقاوم والقائد الثوري محمد بن الحسين وبوكرين، الذي كرس منذ ريعان شبابه ولأزيد من نصف قرن من الزمن كل جهوده الفكرية والتنظيمية في الكفاح الوطني ضد الاستعمار والنضال حتى آخر نفس للانعتاق من نير الديكتاتورية ومن أجل غد تحرري ديمقراطي واشتراكي. فعلى طول مسار حياته الحافلة بالتضحية ناضل في صمت وبتفان وإخلاص للقيم الإنسانية والمبادئ الثورية، فلم يغره لمعان الأضواء والشعارات الطنانة وهو الزاهد في المناصب والمواقع، ولم يستهوه ترف الحياة وإغراءاتها وهو المطرود من عمله والمحاصر في مصدر رزقه منذ 1973. كما عرف عن المناضل بوكرين التزامه وتشبعه العميق بالفكر العلمي القائم على نظرية الاشتراكية العلمية منهجا للتحليل وهدفا، فكان في صلب نضالات الطبقة العاملة مدافعا عن قضيتها/ قضيته وعن مصالحها المادية والمعنوية، كما خالط بسطاء الجماهير وعاش همومهم وشاركهم احتجاجاتهم المطلبية بصدق ونكران ذات. هذه الصلابة في الموقف والاستماتة على المبدأ التي اتسم بها الفقيد جعلته عرضة لبطش سلطة الاستبداد التي نكلت به، فعانى السجن وضروبا من التعذيب السادي في مراكز الاعتقال السرية والعلنية، ولم يزده ذلك إلا وضوحا في الرؤية السياسية وإصرارا على مواصلة المقاومة. - معتقل الملوك الثلاثة: انخرط محمد بوكرين في حزب الاستقلال وهو بعد يافع أوائل خمسينيات القرن الماضي، ثم انتسب إلى خلايا المقاومة في إطار "المنظمة السرية" في 1953 والتي كان من قادتها الشهيد محمد الزرقطوني، كما ساهم في إمداد جيش التحرير بالأسلحة والمؤونة بعد تأسيسه في أكتوبر 1955. وعلى إثر الصراع الذي عرفه حزب الاستقلال أواخر الخمسينيات تموقع في جناحه التقدمي الذي أسس الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال في يناير 1959 ثم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في شتنبر 1959 والذي شارك في مؤتمره التأسيسي. وفي غمرة نشاطه المعارض وغير المهادن أعد جهاز القمع البوليسي لائحة بأسماء ثمانية مناضلين بإقليميبني ملال وأزيلال يوجد على رأسها اسم محمد بوكرين تروج وتهيئ لإعدامهم خارج نطاق أي قانون أو محاكمة، فاعتقل إثر اندلاع انتفاضة 17 مارس 1960 بتهمة "المس بأمن الدولة" ليقضى مدة الاعتقال موزعة على سجون: بني ملال واغبيلة بالدار البيضاء فسجن لعلو بالرباط ثم السجن المركزي بالقنيطرة ليطلق سراحه يوم 30 دجنبر 1966، حيث تمت تبرئته بعد قضائه سبع سنوات. على إثر اندلاع انتفاضة 03 مارس 1973 قام بوكرين إلى جانب عدد من رفاقه بتوفير الدعم اللوجيستيكي بإيواء المناضلين الملاحقين بالاعتقال وتقديم خرائط عسكرية لهم وأشكال من الدعم المادي، فاعتقل في 08 مارس 1973 حيث نقل إلى المعتقل السري ب"ضيعة مازيلا" سبع كيلومترات عن قصبة-تادلة في الطريق الرابطة مع بني ملال والتي قضى بها 37 يوما مورست عليه كافة أساليب التعذيب المادي والنفسي اللاأخلاقي -(عرضت عليه حماته وهي عارية مجردة من ثيابها...)- لينقل إلى المعتقل السري الرهيب (Ateliers Industriels de l'Air) «A.I.A» المعروف باسم "الكربيس" بالدار البيضاء، حيث كان يضم 750 معتقلا أزهقت أرواح 26 منهم تحت التعذيب والتجويع في ظرف ثلاثة أشهر. كما تجدد اعتقال بوكرين في مارس 1981 فيما عرف بقضية مقر حزب (ا.ش.ق.ش) بالفقيه بن صالح، حيث أقدمت السلطات المحلية على إغلاق وتشميع بابه دون مسوغ قانوني. مما حذا بالرفيق بوكرين ككاتب إقليمي للحزب للقيام بالإجراءات القانونية والطعن في هذا الإجراء فانتقل عون قضائي لإنجاز محضر بعين المكان، بعدها نفذ بمعية مجموعة من المناضلين قرار إزالة الشمع ودخول المقر، غير أن السلطات ترصدتهم واعتقلتهم لتدينهم نفس المحكمة التي أقرت في محضر سابق بوجود شطط في استعمال السلطة بشأن تشميع المقر بسنة سجنا نافذا !! بعد المؤتمر الوطني الثالث ل(ا.ش.ق.ش) المنعقد في نونبر 1978 الذي انتخب فيه المناضل محمد بوكرين عضوا في لجنته الإدارية الوطنية، وبعد أن أخذ التناقض والصراع السياسي والإيديولوجي والتنظيمي يتخذ فرزا حادا بين جناحي الحزب، كان بوكرين ورفاقه من المتشبثين بالخط الثوري للحزب وبهويته الطبقية والإيديولوجية الاشتراكية العلمية، في طليعة المتصدين للتوجه اليميني الانتهازي للمكتب السياسي. هذا الأخير أصدر يوم 16-06-1981 قرارا ب"طرد" بوكرين وثلاثة من رفاقه الأعضاء بالكتابة الإقليميةلبني ملال وأزيلال من الحزب، ومنهم اثنان لهم عضوية اللجنة الإدارية الوطنية كما يتحملون مسؤوليات بمكاتب الفروع مثل بوكرين الذي كان حينها عضوا في مكتب فرع سوق السبت. وهو ما جعل الكتابة الإقليمية في اجتماع طارئ بمقر الحزب تصدر بيانا جاء فيه: "إن قرار الطرد لا يمكن اعتباره سوى قرارا سياسيا الهدف من ورائه توفير الشروط لتطبيع العلاقة بالكامل مع الطبقة الحاكمة(أي مع القصر) وإسقاط الاتحاد بكل رصيده التاريخي في أحضانها..." ويضيف "إن هذا القرار لا يخرج عن إطار (...) تصفية الخط الثوري للحزب وفرض الخط ألتحريفي الانتخابي داخله"، ويختم البيان الصادر بتاريخ 26-06-1982 بدعوة "كافة المناضلين الاتحاديين إلى التصدي بكل حزم وصرامة للاتجاه ألتحريفي الذي يحيك المؤامرات الخفية والعلنية ضد المناضلين المتشبثين بالرصيد التاريخي للحزب وخطه الثوري". هذا الصراع سيتخذ أبعادا دراماتيكية عندما استنجد "المكتب السياسي" بعامل إقليمبني ملال(المهندس محمد العروسي) وعميد الشرطة بالإقليم لفرض مكتب صوري على فرع الحزب ببني ملال وتدخل السلطات لإخراج المناضلين بالعنف من المقر الحزبي واعتقال 26 منهم على رأسهم المناضل محمد بوكرين وذلك يوم 24 أكتوبر 1982 حيث حكم عليه بستة أشهر نافذة. ولم يمض سوى أسبوعين على إطلاق سراح بوكرين ليتوجه إلى مدينة الرباط لحضور اجتماع اللجنة المركزية يوم 08 ماي 1983، إلا أن ميليشيا مسلحة بالعصي مستقدمة من طرف "المكتب السياسي" منعته ورفاقه من أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية من دخول مقر الحزب حيث الاجتماع. فتعرضوا للضرب ثم للاعتقال من طرف الشرطة التي زجت ب34 مناضلا بالسجن، وحكم على بوكرين بثلاثة سنوات سجنا نافذا في أغرب مهزلة قضائية. لقد جاء هذا الاعتقال الذي استهدف بوكرين وقيادة الجناح اليساري لحزب (ا.ش.ق.ش) في سياق تمرير انتخابات يونيو 1983. ثم واصل مهامه كعضو قيادي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية -اللجنة الإدارية الذي سيتم تغيير إسمه إلى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي يوم 06 أكتوبر 1991، ليصبح عضو كتابته الوطنية في المؤتمر الوطني الرابع في دجنبر 1993. في يوم 06 يونيو 2007 تعرض المقاوم محمد بوكرين من جديد للاعتقال بتهمة "المس بالمقدسات" وزج به في السجن عن عمر يناهز 73 سنة بعد مشاركته في وقفة ببني ملال يوم 05 يونيو 2007 تضامنا مع معتقلي فاتح ماي. وقد جاء الاعتقال نتيجة الدور الكبير الذي قام به في معارضته القوية للنظام الذي وظف أدواته: "المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان" و"هيأة الإنصاف والمصالحة" للعمل على تمرير "طي صفحة الماضي" بإقبار الحقيقة وطمس الذاكرة الجماعية للشعب المغربي وفرضه لمصالحة مغشوشة على حساب حقوق وكرامة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. فكان بوكرين بحق الصوت الأصيل المدوي الرافض لهذا الزيف والضمير الحي الذي أفشل حسابات كل المهرولين، وهو ما عكسته العروض الجماهيرية التي أطرها ومقابلاته الصحفية والمواقف التي عبر عنها في إطار المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف من موقعه كعضو في مجلسه الوطني وكرئيس لفرع جهة تادلة -أزيلال. وقد قضى في هذا الاعتقال عشرة شهور ليطلق سراحه بعد انتزاع عفو شمل 17 معتقلا ومحكوما لأسباب سياسية بفعل حركة التضامن داخل الوطن وخارجه. - مناضل بصيغة الجمع : بالإضافة إلى نضاله السياسي والحزبي عرف عن الرفيق بوكرين إسهامه الكبير في تأسيس العديد من الإطارات الجماهيرية التي اتسمت بالكفاحية. وتعود أولى محاولاته في النضال الجماهيري ألمطلبي إلى أواخر خمسينيات القرن الماضي عندما اشتغل في سلك التعليم بقصبة تادلة ثم بامزيريك نواحي مدينة خريبكة حيث عمل على تأطير وتنظيم تحرك اجتماعي للفلاحين الصغار فتعرض للتوقيف من العمل، ثم اشتغل ككاتب مترجم بقيادة تاكلفت إقليم أزيلال في 1959 غير أن عمله هذا لم يدم طويلا بفعل تعرضه للاعتقال في 1960. بعد خروجه من السجن اشتغل بمعمل السكر بسوق السبت في 1968 وسنة بعدها 1969 سيتحمل مسؤولية عضو بالمكتب المحلي للسكريين في إطار الاتحاد المغربي للشغل (UMT) إلى أن اصطدم ببروقراطية الأرستقراطية النقابية المناهضة لتسييس الطبقة العاملة، فاحتدم الصراع داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بين خط تحرري وخط بورجوازي يحكم سيطرته على الكتابة العامة لنقابة (ا.م.ش) التي أريد لها أن تبقى خبزية. وقد توج ذلك الصراع بقرارات يوليوز 1972 التاريخية والتي شارك في صنعها الفقيد عندما تم الحسم مع الجناح النقابي داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وأكدت تلك القرارات على ضرورة القيام بالواجب نحو الطبقة العاملة في إطار الربط الجدلي بين النقابي والسياسي. ولقطع الطريق على أعداء الطبقة العاملة ساهم في تأسيس اللجنة العمالية التي كان منسقها الشهيد عمر بن جلون، والتي كان من بين أهدافها تحقيق الربط الجدلي بين النضال النقابي والنضال السياسي ذي الأفق الاشتراكي، غير أن حملات القمع الشرس التي شنها النظام في مارس 1973 ثم اغتيال الشهيد عمر بن جلون في دجنبر 1975 حال دون إنجاز اللجنة العمالية لمهامها. وبعد إطلاق سراحه في 1976 ظل تنظيم الطبقة العاملة وتسليحها بفكرها هاجسه الأول، فكان في طليعة المناضلين المكلفين بإحياء اللجنة العمالية المتوقفة بفعل القمع، فتبلورت قناعة تأسيس بديل نقابي آنذاك، وبذلك كان بوكرين من أبرز مؤسسي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. ومع توالي حملات القمع وارتفاع عدد الضحايا من مختطفين ومغتالين ومعتقلين سياسيين و موقوفين مطرودين من عملهم، وبفعل تنامي حركة التضامن مع الضحايا عبر العالم تشكلت لجنة حقوقية حزبية لدعم المعتقلين السياسيين وإطلاق سراحهم وكشف مصير المختطفين. وفي هذا الإطار كان لبوكرين دور بارز في كشف عدد من المعتقلات السرية أشهرها معتقل تازمامارت الذي أُعلن عن وجوده لأول مرة في ندوة حزبية بالرباط جمعته برفيقه المناضل عبد الرحمان بن عمرو في دجنبر 1977.وأمام جسامة المهام الملقاة على عاتق اللجنة الحقوقية أصبح تأسيس جمعية حقوقية ضرورة نضالية ملحة فكان ميلاد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في يونيو 1979 التي كان الراحل بوكرين أحد أبرز مؤسسيها. أما بالنسبة للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف فإن بوكرين لم يكن متحمسا للمشاركة في تأسيسه نظرا لعدم وضوح الرؤية الإستراتيجية للمنتدى في حينه، ولم يتم انخراطه إلا بعد إلحاح حزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي بضرورة المساهمة في نضال المنتدى وتحصينه، وما حصل في المؤتمر الوطني الأول يؤكد صحة تحليله لواقع وآفاق انطلاقة المنتدى حينما تشبثت مجموعة (بنزكري) بتفويضها صلاحية تشكيل "قيادة منسجمة" للمنتدى. غير أن أغلبية المجلس الوطني المنبثق عن المؤتمر الوطني الأول وفي طليعتهم بوكرين أحبطوا مؤامرة تحويل المنتدى إلى ملحقة ل"المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان"، وبذلك وضع بنزكري ومجموعته أنفسهم خارج المنتدى بعد فشلهم في تنفيذ خطة النظام. وخرج المنتدى منتصرا موحدا محافظا على إستراتيجية النضال من أجل الحقيقة... - وضوح وثبات في الموقف : في 25 دجنبر 1998 أجري حوار مع الرفيق محمد بوكرين نشر بالنشرة الداخلية "الإصرار" التي صدر العدد الأول منها في 1999 تحت إشراف الكتابة الإقليمية ل(ح.ط.د.ش) ببني ملال أزيلال وخنيفرة والتي كان هو حينها كاتبها الإقليمي. فحول ظاهرة العولمة التي تعددت فيها الرؤى والتعريفات والتنبؤات..الخ مع العلم -يقول السؤال- أنكم لامستموها دون تسميتها في نقاشات سابقة خاصة نقاشكم حول "التحولات الكبرى في العالم" سنة 96، كيف تنظرون إليها حاليا؟ يجيب الرفيق: في العروض السابقة التي كنت ألقيها في المناسبات منذ 1993، قلت أن العولمة (أو النظام العالمي الجديد) ستمر بمرحلتين: الأولى تتميز بسيادة الأحادية القطبية، والثانية تتميز بتعدد القطبية. والمرحلة الثانية تؤرخ لها الهجمة الأمريكية -البريطانية الأخيرة على العراق، كبداية. العولمة هي تعميم الرأسمالية، فهي نظام وإيديولوجيا. ظهرت مع الخصخصة كظاهرة عابرة، والتي بدورها كانت نتيجة للديون التي أثقلت كاهل الدول وجعلتها تقدم تنازلات للرأسمال الأجنبي في إطار ما يسمى ب"الخصخصة". العولمة إذن تنمي الفوارق الطبقية وتعمم الفقر، إذ أن القاعدة الاقتصادية التي تحكم اقتصادها هي إنتاج أكثر ما يمكن من السلع بأقل ما يمكن من العمال. وستكون لها انعكاسات سلبية على جماهير دول الشمال وعلى أمم الجنوب، على المدى القريب والمتوسط. العولمة في الحقيقة ليست إلا جزئية تمس الجنوب دون الشمال، فأسواقنا ستبقى مفتوحة في وجه السلع الغربية بصفة دائمة، بينما أسواقه (الغرب) لن تفتح إلا في 2010، والتكنولوجيا لن يصدر إلينا منها إلا الفتات، وهذا ما يكذب أطروحة المنافسة، لأن هذه الأخيرة تتطلب البحث العلمي لتطوير التكنولوجيا، وهذا ما نفتقر إليه بفعل الديون التي بذمتنا. باختصار، فالعولمة ظاهرة عابرة ستعرف الفشل لأنها لم تأخذ بالحسبان العولمة الاجتماعية والثقافية. وقد تأسست بهذا الصدد جمعية بفرنسا وكندا ولها فروع عبر العالم، جمعية لمقاومة العولمة تسمى "العمل من أجل فرض ضريبة توبين لمساعدة المواطنين" (ATTAC) التي اقترح جيمس توبين، الأمريكي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد في 1970، فرضها على جميع المعاملات التي يتعاطى لها المضاربون في أسواق التبادل لعرقلة المضاربات وتسهيل الاستثمار الإنتاجي على المدى البعيد. (...) وخلاصة القول: العولمة هي نمط إنتاج مبني على بورصة القيم التي تخلق اقتصادا داخليا منافيا للواقع. وقد ظهر بظهورها بورجوازية تسمى Hyper-bourgeoisie التي يمكن أن نترجمها إلى البورجوازية القصوى أو المفرطة أو المتضخمة أو البورجوازية المتعددة الأبعاد أو ذات التبر جز الزائد. وفي معرض جوابه على الأسئلة المكتوبة لجريدة المشعل عندما كان ما يزال رهن الاعتقال والمنشور في عددها 138 من 18 إلى 24 أكتوبر 2007. فحول سؤال: ما الذي جعلك ترفض التوصل بتعويضات هيئة الإنصاف والمصالحة، مع أنك في أمس الحاجة إليها بالنظر إلى وضعك الاجتماعي غير المريح؟ يجيب الرفيق: لم أتقدم بطلب أصلا من أجل جبر الأضرار إلى ما يسمونه "هيئة الإنصاف والمصالحة"، لأنه ليست هناك مصالحة حقيقية. فالدولة المغربية ما زالت ترفض الاعتذار الرسمي والعلني للشعب المغربي رغم مرور سنة وتسعة أشهر على تقرير الهيئة المذكورة. الدولة ليست لها إرادة التصالح، وإنما فعلت الخطوة الأولى نتيجة الإكراه المفروضة عليها من دول الغرب، وهذا ما جعلها تؤسس هذه الهيئة وتمنح بعض الفتات للضحايا لشراء صمتهم، هكذا يحل المغرب المشكل نقدا دون أن يكون بحاجة إلى بناء دولة الحق والقانون. أنا فعلا أعيش وضعا صعبا كما أني في أمس الحاجة إلى "الفلوس"، غير أن الجانب الأخلاقي يمنعني عن ذلك، أولا أعتبر الوصول إلى الحقيقة أسبق من التعويض. ويجب أن يتم رد الاعتبار لشهدائنا بإطلاق أسمائهم عل المرافق العمومية من مدارس ومستشفيات وشوارع وساحات، ولنا كضحايا، قبل أن نفكر في جبر الأضرار المادية. المصالحة عند الدول التي سبقتنا كانت تقتضي تنازل النظام للشعب عن السلطة، ليقوم ببناء دولة الحق والقانون التي تعطي الدور الحقيقي للمؤسسات (حكومة تستطيع أن تنفذ البرنامج الذي وعدت به الشعب وبرلمان يكون له الحق في التشريع وتأسيس لجن تقصي الحقائق ومحاسبة الحكومة ثم القضاء المستقل على شكل سلطة قائمة بذاتها لا تخضع لأي سلطة أخرى، وتُخضع الجميع إلى احترام القانون وتطبيقه ولا تترك أحدا فوق القانون، وأخيرا يكون رئيس الدولة كحكم ورمز للدولة). أما في المغرب فكل شيء معكوس: الضحايا بدلا من إنصافهم يتابعون بتهمة المس بالمقدسات، وبدلا من أن تكون الدولة في خدمة الشعب، أصبح الشعب في خدمة الدولة، الحكم عندنا يحتقر الشعب. - محمد بوكرين لن يموت : رغم الشعور بفداحة الخسارة في رحيل الفقيد بوكرين لاسيما والجماهير ما تزال تئن تحت شراسة القمع، إلا أن مثله وأحلامه وتطلعاته لن تموت ستبقى خالدة. فقد ظل في نضاله الدؤوب وكفاحه المرير واضحا في اختياره الأيديولوجي الاشتراكي العلمي وحاسما في الخط السياسي ذي الإستراتيجية الثورية. وكان يؤكد دوما على خوض الصراع الطبقي في أبعاده الاقتصادية -الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية، تلك الأبعاد المرتبطة ارتباطا وثيقا والتي كان دوما يقول بشأنها: أن التفريط في أحدها يفقد المناضل الوضوح في الرؤية. وتبقى السيرة الثورية للمناضل محمد بوكرين مفتوحة للقراءة لاستلهام الدروس وأخذ العبر ومن يكرمه يتبع خطاه. و إننا على نهجه لسائرون... رفاق بوكرين ببني ملال