يجمع الكثيرون على أن حكومتي ما بعد “الربيع العربي”، سواء المنتهية ولايتها بقيادة عبد الإله ابن كيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، أو الحالية برئاسة خلفه سعد الدين العثماني، هما الأسوأ في تاريخ المغرب من حيث إخفاقهما في إحداث ما وعدا به من تغيير وإصلاح وتحسين عيش المواطنين، ورهن مستقبل الأجيال لدى المؤسسات المالية، رغم ما توفر لهما من ظروف مميزة وتحقق من إصلاحات دستورية. إذ لم تقوما عدا بمراكمة الفشل وتعميق جراح الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتوسيع الفوارق الاجتماعية والمجالية، بدل الحد من معدلات الفقر والبطالة، وتجويد الخدمات العمومية في التعليم والصحة… والمثير للاستغراب أن العثماني الذي يرى بعض الخبراء أنه صار عبئا ثقيلا حتى على التوجيهات الملكية التي عجزت حكومته المهلهلة عن تطبيقها بالدقة والسرعة المطلوبين، لا يستحيي من الادعاء بكونها تمكنت في مدة وجيزة من إنجاز ما لم تستطع تحقيقه عشرات الحكومات قبلها. وأن سلفه ابن كيران دعاه في لقاء مفتوح مع شبيبة الحزب بالرباط يوم الأحد فاتح مارس 2020، إلى مغادرة الحكومة لاعتماده القانون الإطار، وكان قد تبرأ من حكومته في لقاء سابق نظمته “مبادرة تيزي” بجامعة محمد السادس للصحة بالدار البيضاء إبان نهاية الأسبوع الأول من شهر دجنبر 2019، رافضا اعتبار الحكومتين حكومة واحدة حتى وإن كان من قاد الأولى ويقود الثانية هو نفس الحزب، مشددا على عدم الخلط بينهما ومحاسبة كل واحدة على حدة. وزاد متباهيا بأنه بعد نهاية ولايته، عاد الشعب المغربي ليجدد الثقة في حزبه ويمنحه الصدارة في تشريعيات 2016 ب”125″ مقعدا، وأن ملك البلاد أشاد بعمله عند إعفائه من مهمة تشكيل الحكومة. ولابن كيران بعد كل هذه السنوات العجاف من قيادة حزبه للحكومة، أن يستمر في هذيانه ومواصلة الرقص مع أحفاده، مادام ظفر بما يضمن لنفسه ولهم حياة كريمة، إثر استفادته من معاش استثنائي بقيمة سبعة ملايين سنتيما. لكن عليه ألا ينسى أنه مهما حاول ومعه العثماني وقياديو حزبه من المستوزرين، التنصل من مسؤولياتهم في تأزم الأوضاع وارتفاع منسوب الاحتقان الشعبي، ولن يستطيع إخفاء آثار جرائمهم الشنعاء في حق البلاد والعباد من خلال ما اتخذوه من قرارات مجحفة منها: إلغاء صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات ورفع الضرائب وخطة التقاعد المشؤومة ومنع الحق في الإضراب. وإذا كانت ذاكرته مثقوبة، فهي ليست كذلك لدى المغاربة المتضررين من سياسة التخبط والارتجال والخيارات العشوائية وسوء التدبير. وإلا فليفسر لنا دواعي هذا المد الجماهيري المتصاعد في السنوات الأخيرة بمختلف مناطق البلاد للاحتجاج على الظلم التهميش والإقصاء وتدهور الأوضاع، وحملة المقاطعة الواسعة لثلاثة منتجات تجارية والتي دامت عدة شهور ؟ فالحكومتان فشلتا لعدة أسباب، نكتفي هنا بذكر البعض منها لعله ينعش ذاكرة البيجيديين ومن يدور في فلكهم، منها أنهما ولدتا مشوهتين بتحالفات هجينة ومتنافرة في البرامج والتوجهات، واعتماد ربانيهما في انتقاء أعضائهما على منطق الترضيات بدل معايير الكفاءة والاستحقاق، وظهر ذلك واضحا في غياب الانسجام والديمقراطية التشاركية والتوافق حول مجموعة من القضايا، مما ساهم في تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وأدى إلى عدة “بلوكاجات” وتعثر إنجاز مشاريع تنموية هامة وحدوث ركود اقتصادي وتعطيل سير المؤسسات. واختلالات أخرى استدعى بعضها إجراء تحقيقات وتدخل الملك محمد السادس في إطار صلاحياته الدستورية لإقالة بعض الوزراء أو الدعوة إلى إجراء تعديلات حكومية، رغبة منه في إحداث دينامية جديدة والرفع من وتيرة وجودة الأداء الحكومي. وهو ما فوت على المغرب زمنا سياسيا مهما. وفشلتا لتنازل قائديهما عما منحهما الدستور من صلاحيات غير مسبوقة وعدم تفعيل مقتضياته، لاسيما منها الحكامة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وافتقارهما إلى القدرة على ابتكار الحلول للمشاكل المطروحة والحكمة في تدبير الخلاف، وانفرادهما بالقرارات الحاسمة دون إشراك الفعاليات السياسية والمدنية والثقافية والمنظمات النسائية، وإغلاق قنوات الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية. كما أن الحكومتين أخفقتا في تسقيف المحروقات وتحقيق ما رفعه الحزب الأغلبي من شعارات عن مكافحة الفساد والاستبداد والإصلاح والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. إذ خلافا لذلك لم تقوما بما يلزم من إصلاحات على مستوى البنيات التحتية والتعليم والصحة، وعوض الاستجابة لمطالب المواطنين الملحة والتخفيف من معاناتهم، سارعتا إلى سرقة خبز الفقراء لإطعام الأغنياء وخوصصة التعليم والصحة وفرض نظام التعاقد والزيادة في الأسعار والضرائب والتطبيع مع الفساد، مما ساعد على استشراء الرشوة والابتزاز واختلاس المال العام والتملص الضريبي. فضلا عن تراجعهما عن فرض ضريبة على الثروة وإعفاء الأغنياء والوزراء والبرلمانيين من الضريبة التضامنية، وتوجيه القروض الدولية التي أغرقت البلاد لتغطية عجز الميزانية في الوقت الذي كان يفترض فيه العمل على توظيفها في الاستثمار العمومي وخلق فرص الشغل ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وغيرها… إن هذين التجربتين المرتين تظهران إلى أي حد مازال “الإخوان” غير مؤهلين لإدارة الشأن العام، وأن أي حكومة غير متسقة ومنسجمة، يقودها أشخاص بأيدي مرتعشة وحس براغماتي خالص، وتعوزهم القدرة على ممارسة صلاحياتهم في التصدي للفساد وحماية المال العام والسهر على تنميته، وتوفير الأمن والأمان والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية للمواطنين، لن يكون مآلها إلا الفشل الذريع.