قال الراوي ثم إن الحارث قال لعنترة يا سادة يا كرام : و إن كنت ما سمعت بهذا الحصان ، فهذا هو الأبجر بن النعامة،و هو الذي عليه الملوك في كل زمان تتحسر مثل كسرى و قيصر….و لم يكن لهم مثل هذا الجواد الذي لم يبعد عليه ميعاد ، و يبلغ راكبه كل المراد … ثم انه أشار و قال و أنشد هذه الأبيات صلوا على النبي سيد السادات: إن كنت تطلب هذا المهر تركبه .. دع الغنيمة أولا عنه و انصرف لأنه نعم مركوب إذا اشتبكت … زرق الرماح و نار النقع كالسجف فلما انتهى الحارث بن ناشد من كلامه و سمع عنترة حسن شعره و نظامه قال لعنترة : أنتم الذين تعديتم علينا بالشر و سفك الدماء و صرتم لنا أعداء ..فإن كنت توافقني في العدل و المروءة ، فقل للعبيد تسلمني المال و النساء و العيال ، و أعود بهم الى الأوطان ، و تأخذ أنت المهر الذي هو أعجوبة الزمان ، و الله لو لم أكن قد أكلت من رزقهم و أنا لهم حام مصالح ، ما كنت في جوادي هذا مسامح .. فلما سمع عنترة من الحارث ذلك الكلام، بقي و كأنه في حلم المنام ، و علم أن الحارث هو من الناس الكرام، فأراد أن يساويه في المروءة و حسن الشيم ، فقال له : يا فتى لقد اشتريت منك المهر بهذه الغنيمة .. وتعاهدا على ذلك فلما استوثق الحارث منه نزل عن المهر و سلمه إليه، و نزل عنترة عن جواده ووهبه إليه ، و سلمه العبيد و النساء و العيال فأمر العبيد ان يعودوا في الحال بهم الى الديار .. فعادوا في الحال و عنتر يرعاهم الى أن غابوا عن الأبصار، و سار عنتر، و قد نال بالأبجر غاية المنى و حصل على ما كان عليه يتحسر ….. أما ما كان من أمر فرسان بني عبس بقيادة عياض بن ناشد ، فإنه لما طلعوا يبحثون عن الغنائم و الأموال التي تركوها في عهدة عنترة .. رأوه سائرا و حده و الغنيمة ليست عنده ، فوصل بهم الغضب حدا لا يوصف ، و لم يعلموا شيئا عن السبب في ذلك ، و صاحوا به : ويلك يا ابن زبيبة اين رحلت بالغنيمة؟ قال : يا بني عمي بعتها بهذا المهر و ربحت بها الغنيمة الكبيرة .. فلما سمع عياض بن ناشد صار يغمغم و يدمدم ويقول : و يلك يا عبد السوء ، نحن أعطيناك ما يأخذ الواحد منا فأخذت الكل .. فقال عنترة : الآن كان ما كان ،و أنا أخلفها لكم في غير هذا المكان .. قال الراوي ياسادة يا كرام فزاد بعياض بن ناشد الغضب و قال لأصحابه : دونكم و هذا الولد نسل الحرام ، قوموا واسقوه كأس الحمام .. فعندها هاجت فرسان بني عبس و تهيأت للقتال ، فخرج عليهم عنترة بجواده الأبجر و نزل عنه و شد حزامه ثم إنه عاد الى ظهره أسرع من البرق ، و صال و جال وأوسع المجال . ..ثم وقف و أنشد هذه الأبيات : أعاتب دهرا لا يستجيب لناصح .. و أخفي الجوى في القلب و الدمع فاضحي و قومي مع الأيام عون على دمي … و قد طلبوني بالقنا و الصفائح و قد أبعدوني عن حبيب أحبه ….و أصبحت في بر من الارض نازح و قد هان عندي بدل نفسي عزيزة … و لو فارقتني ما بكته جوارحي فلما سمعت بني عبس مقاله و فهموا قصده و مرامه ، توقفوا عن نزاله و تأخروا عن قتاله و صار بعضهم يحرض عليه و يتأخر .. قال عياض بن ناشد لقومه من بني عبس : و الله ما تأخرت عن قتال هذا العبد ما رأيت من صدق مقاله و روعة إنشاده و شدة بأسه و شجاعته، و ما سمعت عنه من أخبار مشهورة فإنه ابو الفوارس عنترة حامية بني عبس .. ثم تقدم اليه و قال له : اما تستحي أن تقاتل أبناء عمك و تشهر في وجههم السلاح ، و دمهم هو دمك . قال عنترة : و الله اعتذر منكم يا أبناء العم ، و سيفي هو سيفكم والدم .. فقالوا له كلهم : نحن وهبناك الغنيمة و لم نعد نطالبك بشيء من ذلك .. هكذا انطفأت النار حسب الظاهر و بقيت متوقدة في بعض الضمائر ، و عاد عنتر و هو فرحان بمهره الأبجر الذي ما حاز مثله كسرى و لا قيصر ، و كيف لا يكون كذلك و ذلك الحصان هو الأبجر بن نعامة التى تحسرت عليه و على أمه أهل اليمامة .. في الغد ترقبوا حكاية جيدة من حكايات أبي الفوارس عنترة