حميد رزقي : ينظم أساتذة الفلسفة بالمنطقة التربوية سوق السبت ،إقليم الفقيه بن صالح ، بشراكة مع الإدارة التربوية وجمعية أباء وأمهات وأولياء التلاميذ يوما دراسيا في ثانوية الخوارزمي التأهيلية تحت شعار :"هل نحن في حاجة إلى الفلسفة؟" وذلك يوم السبت 12 مارس 2016 . اللقاء الدراسي، الذي سيعلو فيه صوت العقل والصوفيا على باقي الأصوات على حد تعبير الزاهيد مصطفى، ذ. الفلسفة وعضو اللجنة التنظيمية، ستتابعه نخبة من المفكرين والباحثين والأساتذة والطلبة والطالبات والأطر التربوية والهيئات المدنية والسياسية والفعاليات الثقافية بالمدينة، بالإضافة إلى الصحافة الرقمية والمكتوبة والمسموعة. وقد جاء تنظيمه، يقول ذات المتحدث، في سياق وطني ودولي خاص تهيمن عليه روح العنف والتعصب والتدمير. وانطلاقا من وعي تام بأن الحاجة إلى الفلسفة أصبحت مطلبا وجوديا، في ظل الإشكالات السياسية والدينية والثقافية والكوسموبولتيكية، التي يعاني منها الإنسان في عالمنا اليوم. وسيعرف إلى جانب ذلك، مناقشة إشكالات وجودية كبرى من قبيل الإرهاب والعنف والتسامح، والحق في الاختلاف والحق في المعتقد، والحق في الحفاظ على التعددية الثقافية.... وهي في مجملها قضايا محايثة لوجود الإنسان المعاصر، مهما كانت وظيفته أو درجة مسؤوليته...، أرضية الندوة هل نحن في حاجة إلى الفلسفة؟ قد يُطرح هذا السؤال بصيغة استنكارية، بحيثُ يتوهم قارئه وجود تخمة في الفلسفة، تقتضي التوقف عن طلبها ونشدان الحاجة إليها. وقد يُفهَم منه من جهة ثانية نوع من "الاستنجاد والطلب" الذي تفرضه الضرورات والأزمات التي يعرفها عالمنا، والتي تقتضي استحضار هذا النمط من الفكر لكي يساعدنا في حل مشكلاتنا الفلسفية والوجودية. نحن في هذا اليوم الدراسي، على وعي تام بأن الحاجة إلى الفلسفة أصبحت مطلبا وجوديا، في ظل الإشكالات السياسية والدينية والثقافية والكوسموبولتيكية، التي يعاني منها الإنسان في عالمنا اليوم. ولهذا، فإننا نؤسس هذا المطلب، ليس على نوع من النكران الذاتي أو الجماعي لحضور الفلسفة في المؤسسات التعليمية والجامعية، بل إننا نؤسسه على الاعتراف الصريح بأن هذا الحضور اليوم للفلسفة يجب العمل على تعزيزه، بحيث كان حضورا باهتا في مقابل أشكال وأنماط تعبيرية وثقافية أخرى،ليست بالقيمة التي يجب أن يحظى بها الفكر الفلسفي أمام حجم الصعوبات والإشكالات التي نواجهها. وهكذا فالمطالبة بالحاجة إلى الفلسفة، هي مطالبة بالحق الكوني للإنسان في نمط من المعرفة يُتيح له اكتشاف أهم ما يميزه بوصفه كائنا يملك كينونة تُتيح له تأسيس نوع من التواجد المشترك بينه وبين الآخرين، ليس بوصفهم مطابقين ومتشابهين، بل بوصفهم مُغايرين ومُختلفين، ولهم الحق في أن يكونوا كذلك. ونؤسس مطلب الحاجة إلى الفلسفة كذلك، انطلاقا من الوعي بأن الإشكالات الوجودية الكبرى، والتي سنعالجها على مدار هذا اليوم الدراسي، من قبيل الإرهاب والعنف والتسامح، وأيضا الحق في الاختلاف والحق في المعتقد، والحق في الحفاظ على التعددية الثقافية .... هي إذن قضايا محايثة لوجود الإنسان المعاصر، مهما كانت وظيفته أو درجة مسؤوليته، فإنه يواجه هذه القضايا المصيرية، بحيث لا تتيح له الموارد الثقافية السائدة ،من مثل، الإعلام السمعي البصري والورقي ومختلف الأجهزة الإيديولوجية، النظر إلى تلك القضايا بعمق. وحينما يكون الفهم مشوها ،لا ننتظر إلا ممارسة أو سلوكا مشوّها، فيصير البحث عن الاختلاف والتعدد والإيمان بالآخر، بحثا حثيتا، تتطلبه الحاجة إلى الفلسفة من أجل الانعتاق من زعم التطابق والمشابهة. ومن هذا المنطلق تتيح لنا الفلسفة باعتبارها معرفة تتأسس على النقد والتفكير المزدوج في الذات وفي الآخر وفي والمحيط ، القدرة على نسج الجسور بيننا وبين الآخرين، سواء كانوا أولائك الذين ننتمي إليهم (النحن) أو أولائك الغرباء عنّا (الغير)، ( بدل الهم on) وهي في العرف الفلسفي "المبني للمجهول" كما عند هيدجر في عالم يزداد فيه دعاة التشابه والإنغلاق والقتل والتدمير للإنسان والبيئة. وهكذا تكون الفلسفة، والعودة إلى الفلسفة، هي عودة إلى فكر يؤمن بأن الإلتزام "بواجب ما" تجاه هذا الوجود بكل ما يتضمنه، مسألة ضرورية من أجل إنقاذ عالمنا من جميع النزعات التدميرية. فالفلسفة هي العلاج لأعطاب المجتمع كما كان يرى نيتشه ، وليست هذه العودة نوعا من النزوع الأخلاقوي، بل هي عودة تفرضها حاجات أخلاقية ومعرفية تتمثل في تمكين ناشئتنا ومجتمعنا من القدرة على تفكيك كل الخطابات، التي تقدم نفسها كونها حقائق خالدة ومتعالية على واقعهم ومواطنتهم وكرامتهم وأمنهم واختياراتهم وحريتهم. ما يجب تأكيده، وما لايجب فهمه، وهو أن هذا اليوم الدراسي لا يؤسس مطلبه "الحاجة إلى الفلسفة" على حساب الإقصاء لحقول معرفية أخرى تحمل وتتقاسم مع الفلسفة هذا الهم الجماعي في التفكير في أفضل الطرق التي تتيح للجميع العيش بكرامة، بل يعتبر حضور الفلسفة وتعزيز وجودها بوصفها ضرورة يومية سيساهم إلى جانب أنماط أخرى من المعرفة النقدية في تحقيق هذا المطلب. يمكن صياغة بعضا من الإشكالات من خلال المفارقات العميقة التالية:هل مطلب الحاجة إلى الفلسفة القصد منه تجديد ذاتها أم هذه الحاجة هي من أجل توظيف الفلسفة في معركة الصراعات الإجتماعية؟ بمعنى هل خلفية السؤال فلسفية أم سياسية؟ وهل يمكن الفصل بين الفلسفي والسياسي؟ حتى وإن رجعنا إلى بدايات تأسيس الفلسفة، سنجد أن أفلاطون وقبله سقراط مارسوا الفلسفة من خلال صراع سياسي غير مُعلن مع السفسطائيين، أي حاجتهم إلى فلسفة مُضادة لما يُشيعه خصومهم على أنه فلسفة،واعتقاد الخصم السوفسطائي أن ما يؤسس له هو الفلسفة كحاجة ضرورية رافقت تطور المجتمع اليوناني.إن الحاجة إلى الفلسفة بالنسبة للطرفين تختلف باختلاف المواقع الطبقية والرهانات السياسية. وأفلاطون نفسه لم يخف حاجته إلى الفلسفة من أجل الدفاع عن المصالح السياسية لطبقته الأرستقراطية. نفس القضية تتكرر مع الكندي في علاقته بالخلفاء "محبي الحكمة" في مواجهته للفقهاء الرافضين للفلسفة، وكذلك أبي حامد الغزالي في علاقته أو توظيفه من قبل الدولة السلجوقية والتي كانت في حاجة إلى فلسفة تُقوّض الخلفية الفلسفية للحركة الباطنية. بالمحصلة الحاجة إلى الفلسفة قضية معقدة وتتداخل فيها عدة اعتبارات، علما أن إشكالية العلاقة بين الفكر والواقع دائما تعيد طرح إشكالية الحاجة إلى الفلسفة. من قبيل ما حاجة مجتمع متأخر إلى الفلسفة، علما أن الفلسفة موجودة وتحيا في المؤسسة التعليمية ولكن لأيّ غاية ومن يحدد هذه الغاية؟ لا يفوتنا في هذا الصدد، أن نذكر بالرغبة النبيلة التي تحدوا هؤلاء الشباب/الأساتذة، الذين فكروا في هذا اليوم الدراسي، حالمين منذ سنتين في إرسائه كتقليد سنوي، من داخل المؤسسة العمومية، وجعله فضاء مفتوحا لجميع الأساتذة من داخل المادة أو من خارجها ،من أجل اللقاء وتبادل الأفكار والمعارف. وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على الإستيعاب العميق والفلسفي "لشعار ربط المدرسة بمحيطها". فهذا الربط لا يتحقق بفتح أبوابها وإلغاء أسوارها، بل ما نفهمه من هذا الربط هو أن تكون المدرسة والمؤسسة عموما محتضنة للنقاش العمومي، ومتدخلة وحاضرة فيه بأطرها وكفاءاتها، وذلك من أجل تنوير تلامذتنا ومحيطنا ومجتمعنا، لأن المدرسة هاهنا لم تعد بالنسبة لنا ممرا أو جسرا وظيفيا يعبر منه التلميذ نحو مؤسسات أخرى، الجامعة مثلا، بل هي مجال القطائع القيمية، بحيث أن القضايا التي تهم التلميذ، وتمس مصيره ومستقبله يجب أن تكون حاضرة داخل المدرسة، ويجب أن تسهم كل الأطر في إيجاد وتقديم الإجابات عنها عوض أن نترك تلامذتنا ضحية التمثلاث والحس المشترك والأفكار الجاهزة. وتكريسا لثقافة الإعتراف لا يفوتنا توجيه الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذا اليوم الدراسي، وتوفير الشروط له من الإدارة التربوية لمؤسسة ثانوية الخوارزمي، ونخص بالذكر الداعم الرئيسي لهذا اليوم الدراسي، المكتب الجديد لجمعية أباء وأمهات وأولياء التلاميذ على بذله كل الجهد في توفير جميع الحاجيات اللوجستيكية، من أجل إنجاح هذا اليوم الدراسي، ولا ننسى كذلك السيد المراقب التربوي لمادة الفلسفة الأستاذ رشيد العلوي على كل الجهود التي يبدلها منذ التحاقه بالجهة، في سبيل تعزيز حضور الفلسفة والتقاليد الفلسفية بهذه الجهة انطلاقا من تجربة الأولمبياد إلى هذا اليوم. اللجنة المنظمة حسن تزوضى/الحسين المعطاوي/عبد الإله الحلوي/الزاهيد مصطفى تنسيق : الأستاذ والمراقب التربوي رشيد العلوي