إلى يابسة وماء بل الكون ،من الذكريات معك ،تفيض عيني دموعا ،يوم أصل إلى التاريخ ،يوم كنت في سكرات الموت ،وأنت كلك نشاط وحيوية ،تعطي فيها وصاياك الأبدية ،لمسار جزء من الذات المتبقية ،والتي ترفض الرحيل ،بحيث أعطت وعدا أنها لن ترحل ،لأنها متشبعة بالقاعدة التي تعتبر العلم أكبر إرث يمكن للإنسان أن يملكه ،وهذا ما دفعت الإنسانية تبحث عنه في أي مكان ،متحدية التاريخ والجغرافيا ؟ وكيف لا،وأنك أول من وطأت قدماه أوروبا في المنطقة ،لاستكمال دراستك وتكوينك في المجال الجوي في القاعدة التي لن أنسها من مخيلتي ،حفظت حروفها الفرنسية ،رغم أنني لم أصل إلى المستوى الدراسي لنطقها إنها " روشفور " تلك المدينة الفرنسية التي تعرفنا عليها أكثرمنذ الطفولة ، من خلال الصور الكبيرة الحجم التي حملتها معك أثناء عودتك بعد فراق دام سنين ،وأنت مندمج مع الثقافة الفرنسية ،وكم كنت أتلذذ" بفنونونك" الفرنسية، أو بعض الجمل التي كنت تخاطبني بها؟بدأت أولاها من حروف جهاز الراديو القديم الذي أدخلته إلى بيتنا مع بعض الأجهزة الأخرى، التي كانت قليلة الانتشارأنذاك ،راديو " سونولور " الذي كنا نتابع به أخبار الإذاعات الأجنبية ،خاصة التي تبث من لندن أو فرنسا،في الوقت الذي كانت موجات الإعلام العربي لم تصل بعد إلى المناطق النائية ،وقلت الترددات الضعيفة .. كان والدك رحمه الله يقرأ علينا رسالتك ،التي كانت تستغرق شهورا ،ويسرع إلى الرد عليها بخطه المغربي الكوفي ،تحمل معها قبلات العائلة ،وأخبار البلدة ،مصحوبة بالدعوات لك بالصحة والهناء ،مختومة بأننا لم يخصنا اللحظة إلا النظر في وجهك العزيز ،والجلوس معك في أقرب الأوقات ... رغم أننا نتوصل بها كل يوم تقريبا ،من خلال الطائرات العمودية التي تمر فوق رؤوسنا ،تبادرنا أمك الحنونة التي عينها لا تنام، وهي تصب عليك أنهارا من الثنايا والمحبة والحنان ، والدموع تذرفها من خدها، مشفية غليلها ب " إنه عزيزيك "عزيزيك " موجود في هذه الطائرة التي تحوم فوقنا ..افتح تساؤلات كثيرة ...أنتظر الطريقة التي ستهبط بها من السماء بأحر من الجمر ،كي تقاسمنا رغيفناوزيتا زينت بهما المائدة المتواضعة ..بعدها ينقطع فيها الرجاء ،بعد تشويق وإثارة.. وأنا أراقب دخان الطائرة الأبيض الذي يرسم لوحات فنية في الفضاء بانها من جرات قلمك ،عسى أن يتحقق الحلم ،حلم تمنيت ألا أصحو منه ،إلهاما بالحب ،اجتهدت لكسبه ،انتظر العشق من حولنا كبستان ورد متفتح ،توقظ كل مشاعر وجداني ،أضأت الشموع في حياتنا من أعماق القلب .. " عزيزي "صورتك تبقى ذكرى باسم الوطن وتحمل تضحياته ،صورة أعلقها على الجدار كل سنة ،في ذكرى اغتيالك ،وأنت تترك تلك النظرات الجميلة لعائلتك ،والوطن شاهد على قطرات دمائك الطاهرة في رقعتنا الجغرافية الغالية .. ولم يتأخر حزني عليك ،لأنني تمنيت أن تعود إلينا من جديد ،كنت الأب ،والأخ ،والصديق ،طموحك وأعمالك ،لا تسع هذا الزمن المنافق الغدار ،الذي لا يعرف للأخوة والمحبة مكان ،وفي عالم يسوده الظلم والقهر والإستهثار ... هكذا شاءت الأقدار أن تفارقنا ، وأنا على عهدك باق ،لأنك علمتني الصبر ،وعلمتني الشهامة والبسالة ،لأنك لم ولن تهاب الموت ،ولم تأبه بالعواصف وهي تجتاح شواطئك المليئة زبدا.. أحجارا.. وهيجانا ... في يوم ذكرى رحيلك ،من حياتي ومن زماني ،إليك يا من بوجوده بقربي ،ألجأ إليك ،وأندس بين ذراعيك ،ترحل معه معاناتي ،وأحزاني ،أشعر بسعادة لا تقابلها سعادة ... بفراقك عادت لي الأحزان والآلام ،أعاني ،أشتكي ،أتألم ،فراقك أبعد عني الأرض ،بينما أنت في الفردوس في درجة العليين ... صوتك هجم أنفاسي ،قلبي، أوردتي.. الارض قطع من رجلي كل حقل جرح من جسدي وكل شجرة وكل غصن طعنة قاتلة هي آخر قطرة من دمي بين طي صفحة ألامس تسربت على باقي صفحات هذا الزمان تسونامي للذين لم يصلوا وعادوا شهداء ... هوالتاريخ جرح وجرح نم مطمئنا كنت فداء لك وكما قال الشاعر سأعيش رغم الداء والأعداء ...كالنسر فوق القمة الشماء ... أحمد ونناش