من المؤكد عبر كل التحاليل المؤرخة للنخب وقدرتها على الهيمنة على دواليب الحكم وتدبير الشأن العام,تكاد تجمع على أن النخب بنية صلبة يستحيل في حقها الضعف والفقر والتقوقع والتراخي... نعم هي خلاصة رؤية عميقة إلى فئة تشكلت بعيدا عن كل القواعد المتداولة والمعروفة,لن أقول إن الأمر يلفه الغموض ولكن على الأقل هناك ما يعطي نوعا من الكاريزمية لهاته الفئة,يعطيها كل الحق في تدبير الاستقرار والاستمرار للتجمع البشري المرتبط عبر قواعد العيش المشترك,النخبة العميقة والبنية الصلبة في الدولة لا يمكنها أن تتشكل دون سفك الدماء ودون الحديد والزيت ,والأمر طبيعي في إطار التداول وفي إطار الحفاظ على الكيانات عبر التاريخ البشري,وبعد النخبة المنشأ والتي تتحمل كل الهزات الممكنة كي لا يعصف بكيانها وكيان الدولة لاعتبار أنها هي الفكر والبناء النظري للدولة,بعدها كل ما يأتي هو محاولة انخراط في تدعيم البناء القائم عبر المؤسسات الحديثة والفكر السياسي والاقتصادي ونمط العيش , بعد النخبة المنشأ والتسليم بقدرتها الكاملة على تدبير الشأن العام للدولة عبر هيكلة قادرة على احتواء كل الطاقات التي ستساهم في بناء الدولة والمؤسسات,الآمر بديهي جدا والتحليل من خلال هاته الرؤية آمر واقعي يراعي أولا أصول الدولة ورجالاتها الذين تحملوا عبء التأسيس والتشكيل ورسم معالم الهوية الخاصة للدولة والفكر الموحد للبناء النظري للدولة.وهنا يطرح السؤال :هل الأنظمة السياسية تحترم المرجع النظري للدولة التي تشكلت من اجله,أم سرعان ما تتحول إلى فئة تدبر الحال اليومي للدولة لا غير؟ فنصبح أمام حالة انقلاب الدولة على الدولة,وهل هذا الوضع يضعف من مصداقية النخبة أم يزيدها قوة ؟خاصة عندما تتحول الدولة إلى نمط تعاقدي كي تتوازن في علاقتها الدولية و تدخل في إطار الموضة الجديدة:أن تصبح دولة لها مشروع سياسي وفكري. النخبة المنشأ أو الدولة العميقة كما يحلو للبعض أن يتكلم عنها,أو مع بعض الاحترام هناك من يتكلم عن النخبة بشكل مطلق .هي النخبة المؤسسة للدولة والضامنة لاستقرارها ووحدتها وهويتها... نعم هو المفهوم التقليدي للدولة لاعتبار أن التعاقد لا يأتي إلا بعد أن تتشكل النواة الرئيسة والمنسجمة كي تمكن من التحكم بشكل جيد في امن الدولة وفي سير مؤسساتها,وإعطاء دور للشعوب ككيان له تأثيره وفعله وأداؤه على مستوى بناء الدولة ومؤسساتها. التعاقد لا يمكن أن يكون إلا بعد تشكل الدولة,وهنا يطرح السؤال عن مفهوم التعاقد وطبيعة النخب الملتحقة عبر التعاقد,هل هو التحاق طبيعي أم هو التحاق مصالح إن لم نقل أنه التحاق إكراه,كل إمكانيات التحليل ممكنة,ومن خلاله سنكشف عن نوع النخب القادرة على الاندماج والأخرى التي لم تكن في موعدها مع الفرص المتاحة والتي تبنت مسالك لا تنسجم مع النسق العام للنخبة المنشأ. النخبة المنشأ هو مركز الدولة ونواته الصلبة ووحدة التحكم والتحكيم ووحدة تصنيع النخب القادرة على الانخراط بشكل جيد في تسير الدولة وشؤونها العامة,صحيح لا يمكن للنخبة المنشأ أن تسير البلاد وحدها ولكن تحتاج إلى توزيع بعض سلطها عبر التراب الوطني كي تتمكن من ضبط الدولة بشكل جيد وعبر أشخاص تثق فيهم ولهم قدرة على استيعاب تصور الدولة والقيام بمهامها على الشكل الجيد,الذي يدعم الاستقرار وتثبيت أركان الدولة. ما بعد النخبة المؤسسة للدولة أو ما يمكن أن نتكلم عليه كي تتضح الأمور للقارئ,ما بعد المركز وتشكل المحيط ,وقوة الجذب آو الدفع المحتملة بين النخبة السائدة والنخب المرشحة لخدمة الشأن العام في اطار عقيدة الدولة والاستقرار السياسي,وهنا يطرح السؤال في عمقه,ما هي مواصفات النخبة الواعدة كي تنسجم مع أطروحة الدولة وبنائها التصوري؟ كيف يمكن للنخبة المنشأ أن تنتج نخبة قادرة على فهم التصور والانخراط فيه بشكل ايجابي؟ وهذا سيكون موضوع مقالات مقيلة كي نفصل في مواصفات النخبة الواعدة وقدرتها على الانسجام مع النخبة المنشأ.نعم الموضوع ليس بالبساطة المحتملة لكن نعرف جيدا أن الأمر يتطلب تحليلا دقيقا واتزانا في الطرح,حتى نعطي للتحليل قيمة علمية في التحليل السياسي للنخبة. صحيح, الأمر من البداية يحيلنا إلى المنهج الجدلي, لكن واقع الأمور يتطلب التمحيص والاختبار والتكوين والاختيار..... هنا يطرح الكلام عن صناعة النخبة بمفهومها العلمي والسياسي والمفاهيمي,لا يمكن أن نتكلم عن النخبة المنشأ لاعتبار هي المصدر والعمق ومن خلال منهجها وتصورها وفكرها يتم التكوين وإعداد النخب الواعدة,هكذا يمكن أن نفهم جيدا وبشكل مضبوط متى يمكن أن نتكلم عن النخبة الملتحقة وقدرتها على خلق الانسجام وإعطاء إضافة نوعية في الأداء السياسي والمساهمة في تطوير الفكر ألتشاركي ومقاربة القرب والفعل التنموي ,والأمر لا يمكن أن يحدث مادام هناك شكوك وتوجس بين النخبة الأصلية والملتحقة, النخبة الملتحقة أو الواعدة هي نخب حسب الفكر التقليدي لابد أن تمر من حالة المعيار الانتخابي,يعني أن تكون لها دعامة جماهيرية مريحة وتعطيها قدرة على تمثيل الفئة وقدرة أيضا على حمل همومها و في نفس الوقت القدرة على إقحامها في إطار التدافع السياسي المساهم في بناء المؤسسات وتجويد أدائها.إضافة إلى انخراطها في إطار مؤسسات انتخابية لها صفة فاعل سياسي ,النخبة الواعدة هي نخب محلية لها القدرة على التوافق على برنامج وتصور يمكنه أن يستجيب إلى فئة واسعة من الشعب وينسجم مع التصور العام للنخبة المنشأ,يعني أن الفاعلين القادرين على التأطير بشكل فاعل وجاد لهم القدرة على الالتحاق بالنخبة المسيرة والاستفادة بشكل صريح بامتيازات تعطيها صلاحيات الاشتغال بشكل مريح ,المركز والمحيط والعلاقة التفاعلية بين الشكلين,يوضح لنا بشكل جلي مسار تشكل النخبة الداعمة,صحيح لا يمكن أن يظهر الأمر بوضوح حين نتكلم عن المركز والمحيط من خلال الشكل الدائري,لكن حين نتكلم عن الأمر باعتبار القرص هو الشكل الأقرب إلى واقع التحليل وواقعية الأمور وسنفهم حين نتصور القرص بجزيئات متحركة نحو المركز مرة ونحو المحيط مرة. يعني عملية الجذب والدفع ,كعملية ميكانيكية تماما كما يحدث في حالة تحرك موج البحر عبر المد والجزر, ما يجعل النخب الواعدة قادرة على الاستمرار في أدائها التنموي وعملها السياسي المفضي إلى الاستقرار واستمرار المؤسسات هو قدرتها على تمثيل فئة واسعة من الشعب,مما يخول لها مجال التحرك بالأريحية الممكنة ,نعم الأحزاب السياسية كأحدث التشكيلات الممكنة والمساهمة عبر تأطير شريحة واسعة من المجتمع,هي المسئولة عن أي أزمة اجتماعية يمكن أن تحدث,ربما سيعتقد القارئ أني احمل المسؤولية للأحزاب السياسية أكثر مما يمكن أن تتحمله,لكن برأيي أنخرطها في عملية التأطير,يحملها مسؤولية الفشل كما يعطيها شرف النجاح,وهنا النخبة الصلبة عليها دائما إن تتابع عملية التأطير وقدرة الأحزاب على خلق تيارات سياسية قادرة على العمل والاشتغال,إن أي أزمة حزبية يمكنها أن تعصف بالوظيفة التأطيرية ,يمكن أن تفتح الأبواب أمام معارضات خارج المؤسسات ,مما يمكن أن يعيدنا إلى حال أللاستقرار والريب بين النخب والشعوب. الاشتغال على إعطاء مصداقية للأحزاب السياسية عبر إلزامها بديمقراطية حقيقية وفتح المجال إلى كل الطاقات للانخراط بشكل صريح في تأهيل المشهد السياسي ,وإعطاء مصداقية لآلية التنخيب الطبيعي أو توفير مادة صناعة النخبة,صحيح أن العملية لا تتم عبر الأحزاب السياسية فقط ,لكن إعطاء لكل من يشتغل في ظل التصور العام للدولة ويساهم في بناء المؤسسات بشكل نزيه ومتفاني في خدمة البلد ,له كل الحق في أن يتحول الى نخبة بانية للدولة. أن النخب الملتحقة لا يمكن أن تحمل صفة النخب الوطنية حتى تبدي عن نيتها الصادقة في بناء الدولة عبر المؤسسات القائمة,وأن تتوفر فيها بعض المواصفات التي يمكن أن تعطيها شرف حمل شارة نخب مواطنة ,نعم هذا ما سنحاول طرحة عبر تحليل النخب الملتحقة وطريقة صناعتها كي لا تنفلت عن المسار العام. سعيد لعريفي