1 – حول الرحلة المدرسية و إيجابياتها : الرحلة أو الزيارة من أهم الأنشطة المدرسية إثراء لخبرات المتعلم التربوية و الاجتماعية . فهي من الأساليب التي تساعد على الترويج و اكتساب المعارف . فالمتعلم يتعرف من خلالها على المجتمع و البيئة المحيطة و مختلف البنيات الأخرى و معالمها الجغرافية و التاريخية و العلمية ، كما يطلع على معالم النهضة و التقدم في أنحاء الوطن و منشآته العمرانية و الحضارية ، كما تدعم الرحلة و الزيارة الجوانب التربوية لدى التلميذ خصوصا إذا تم ربط المادة الدراسية من الناحية النظرية بالواقع العملي المشاهد و المحسوس . ناهيك عما تحققه الرحلة من متعة نفسية لدى المتعلم من خلال الترفيه عن النفس بعيدا عن روتينية حجرات الدرس المغلقة . و كم يزداد التلميذ ارتباطا بوطنه عندما يتعرف على مناطق مختلفة و ما تتضمنه من آثار و مواقع سياحية ! و ما أعظم أهمية البعد التربوي للرحلة ! لما لها من دور في صقل المهارات و تعزيز المسؤولية الاجتماعية على المدى البعيد ، و كذا في تنمية الاتجاهات المستقبلية و الميولات خاصة في المراحل العمرية الأولى التي تتحدد فيها معالم الطالب المرتبطة بالشخصية ... سألت مؤخرا أحد التلاميذ ( م ش) من مستوى الثالثة إعدادي : " هل سبق لك أن قمت برحلة مدرسية ؟" أجابني : " لم أزر أي مكان تاريخي أو متحف أثري قط ... زرت فقط شلالات أزود في إطار رحلة جماعية و لم يتم اختياري في رحلة أكادير السنة المنصرمة من طرف لجنة الرحلات لأني " مشاغب..." . إجابة هذا التلميذ تحيلني على فكرة أساسية أيضا في الرحلة و هي تفادي حصر الرحلة المدرسية في نطاق ضيق أو أماكن معينة تكون محدودة الفوائد و تفادي اقتصارها على المتفوقين أو على فئة معينة دون أخرى بشكل عام كما يلاحظ في الكثير من المؤسسات التعليمية ، إذ أن الفئة غير المتفوقة قد تكون أكثر حاجة من غيرها لمثل هذه الزيارات و الرحلات فتساعدها على الطموح و التعلم بأساليب مبتكرة . إذ أن العدل بين التلاميذ ضرورة حتمية لتعميم الفائدة التربوية منها . إذن ، تبقى الرحلة المدرسية جزءا لا يتجزأ من التربية الشاملة و التي من المهم أن تهتم بها المدرسة وفق برنامج محكم و دقيق يعده الطاقم المسؤول ، لأنها تبني معالم الشخصية السوية باعتبارها قاعدة أساسية من قواعد التربية القويمة . و الرحلات أنواع ، فقد تكون خارج نطاق المدينة كزيارة بعض المدن التاريخية أو السياحية الجبلية ، و رحلات داخل المدينة تقتصر على محيط المنطقة أو ضواحيها تخول للتلميذ زيارة بعض معالم البيئة المحلية : تفقد المحطة الكهرومائية لأحد السدود و الوقوف على كيفية اشتغالها ، أو بعض المواقع الأثرية الطبيعية أو حتى مقرات بعض الصحف أو الإذاعات المحلية أو الجهوية و زيارة المدارس لبعضها البعض ...الخ. و تبقى الرحلة الناجحة بامتياز هي التي يتفوق خلالها الطاقم المشرف في الجمع بين مختلف الأنشطة : الثقافية ، الرياضية ، الاجتماعية ، الفنية و الترفيهية في توازن يحقق الحصول على المتعة و الفائدة المرجوتين من الرحلة المدرسية . 2 – مديريات وزارة الثقافة و خطاب النفاق و السخافة . نظمت ثانوية أحمد الحنصالي الإعدادية على غرار باقي المؤسسات بالمغرب رحلة مدرسية إلى مدينة الجديدة يومه الأحد 17 ماي 2015 . و قد قام رئيس المؤسسة بإرسال طلب إلى المسؤولين بالمديرية الجهوية لوزارة الثقافة ( دكالة عبدة ) يلتمس من خلاله مساعدة تلاميذ المؤسسة على زيارة الآثارات البرتغالية ( انظر نص المراسلة ) ، فكان جوابهم أن المكان سيكون مفتوحا أمام التلاميذ بأثمنة رمزية ، و رحبوا بتلاميذ المؤسسة ترحابا ، و قد اطمأن الطاقم المشرف على الرحلة بعد سماع هذه الأجوبة المعسولة من أحد المسؤولين بالمديرية المذكورة . لكن و بعد وصول التلاميذ إلى عين المكان ، فوجئوا بصد أبواب الآثار البرتغالية في وجوههم ، حيث طلب منهم المشرفون عليها مبلغ عشرة دراهم عن كل شخص لولوج المأثر التاريخي المقصود ، و أكدوا أن لا علم لهم بقدوم أية رحلة مدرسية إليه و نفوا بالبث و المطلق تلقيهم لأي إشعار فوقي بخصوص تسهيل زيارة التلاميذ للمآثر المعنية !. هذه الحادثة ، ليست فريدة من نوعها بطبيعة الحال ، فقد أعادت إلى ذهني عشرات الصدامات التي خضتها شخصيا رفقة بعض الزملاء المشرفين على رحلات مدرسية متعددة بمؤسسات سابقة ضد العديد من المسؤولين عن ولوج بعض المآثر سواء بفاس ، مكناس أو حتى الرباط التي كانت يوما "عاصمة للثقافة العربية " . فحتى عند حصولك على تصريح مكتوب ، تتم مضايقتك بشكل أو بآخر لحملك على أداء الفاتورة الكاملة لزيارة بعض المآثر التي من المفروض أن يزورها التلميذ مجانا تجسيدا للبعد السوسيو تنموي في السياسة المعتمدة في قوانين وزارتي السياحة و الثقافة . و بالتالي نطرح هنا الأسئلة التالية : • أين هي الحكامة الجيدة المبنية على الانسجام البيقطاعي بين مختلف المؤسسات الرسمية : ثقافة ، سياحة ، تربية و تعليم ...؟ • كيف ستنجح هذه الدولة في ترسيخ الثقافة السياحية لدى المواطن المغربي ( أسرة و مدرسة ) بنهجها هكذا ممارسات مجحفة لا تخدم قط المردود الاقتصادي المأمول ؟ • لقد اقترح الطاقم المشرف على الرحلة مبلغ ثلاثة دراهم عن كل تلميذ لزيارة المآثر ، فتم رفض المقترح . ألا يعلم المشرفون عن هذه المآثر أن السياحة المغربية على علتها أصبحت خيارا اقتصاديا و اجتماعيا مهما لا يسمح بتضييع مبلغ 150 درهما الذي تم اقتراحه ؟ أبهذا الأسلوب الوقح سنساهم في إنجاح المشروع السياحي و تطويره في بلد تحيط به معوقات نشر الثقافة السياحية المأمولة من كل جانب ؟ • هل يدرك المسؤولون بالمديرية الجهوية للثقافة أن خطاب النفاق المتكرر هذا ، مع جل المؤسسات التعليمية لن يساعد حتما على إعداد الجيل الحامل للمفاهيم الايجابية عن السياحة و لن يعمق المفاهيم الصحيحة للثقافة السياحية في المجتمع المدرسي ؟ ألا يحطمون بهذه السلوكيات السلبية تعزيز الانتماء الوطني لدى المتعلمين و الذي يفترض أن ترسخه مختلف المديريات الجهوية ضمانا لاعتزاز التلاميذ و الطلبة بالمقومات السياحية التي يزورونها كمظهر من مظاهر الحضارة بالمملكة ؟ . • أليس ما وقع أمام أبواب الآثار البرتغالية تجسيدا لواقع غياب استراتيجية موازية بين ممثلي وزارتي السياحة و الثقافة و ممثلي تسيير الشأن المحلي بالمدينة من مجلس إقليمي و جهوي للسياحة و مجلس بلدي لتشجيع السياحة الداخلية التي ستدخل حتما مرحلة الموت السريري بفعل هذه السلوكات المنحرفة التي لا تخدم في شيء استراتيجية الترويج للمنتوج السياحي المحلي و الوطني ؟ . • كيف سنرقى بسياحتنا و نحن نرفض مداخيل مالية و لو بسيطة من طرف عدد هائل من التلاميذ ( حافلات مدرسية كثيرة تزور الجديدة و غيرها ) ، نعزز بها بكل تأكيد ميزان المدفوعات بالمدينة ، و ندعم من خلالها – أي المداخيل – المستوى المعيشي و الاجتماعي للعاملين بالقطاع محليا ، في وقت يتحدث فيه تلفازنا و مذياعنا عن رغبة المغرب في أن تقترب مداخيل سياحته السنوية من مستويات دول متقدمة سياحيا كاليونان و النمسا ؟ ؟! و تستمر الأسئلة إلى ما لا نهاية . لكن الأهم يبقى هو أن الكذب و المراوغة لا يخدمان البلد ، تعلق الأمر بالسياحة أو بغيرها . دول العالم تخطو اليوم بسرعة نحو تطوير اقتصادياتها ، سياحتها ، نحو تعزيز الشعور بانتماء مواطنيها إلى وطنهم ، نحو تأهيل كوادرها بمختلف المجالات ، نحو تأمين تطور قطاعاتها السياحية ، التعليمية ، الثقافية ... عن طريق الإشراف الكفء على تحقيق التعاون بين كافة مؤسسات الدولة لتطوير كل الأنشطة السياحية و الارتقاء بها نحو الإرضاء و المتعة التي يتوقعها السائح الداخلي ، و التلميذ جزء منه . فهذا الأخير عندما يزور منطقة من مناطق بلده ، يترسخ لديه الوعي الوطني و الاعتزاز بالوطن من خلال الاحتكاك المباشر الذي يساعده على بناء شخصيته بشكل أو بآخر ، كما أنه يرسم في مخيلته صورة معينة عن طبيعة التماسك الاجتماعي من خلال الزيارة التي تتيح له شكلا من أشكال التآلف و التعارف . كفانا استهتارا ! . و لنشجع التلميذ المغربي ، و لنشجع الرحلة المدرسية التي يتهددها الزوال و الانقراض بفعل هكذا ممارسات سلبية و غيرها ، و التي لا تخدم مدرستنا و لا سمعة سياحتنا الداخلية و لا حتى المبادئ الأخلاقية للسياحة و الرحلة المدرسية التي تسعى إلى تحقيق رسالة تربوية و إنسانية عظيمة . * نسخة من المقال موجهة إلى المديرية الجهوية لوزارة الثقافة دكالة عبدة عبر الفاكس .