لو نتصور أن المزاج العام humeur publique يمكن إن نضعه في قدر للطبخ، ونعطي للطباخ وصفة الأكلة، مقدار التوابل والبهارات وبقية التفاصيل. نتصور أن الطباخ يطبق الوصفة بالحرف ليقدم لنا طبقا اسمه: اعرف مزاجك، ولكن عندما نتذوق الطبيخ، نشعر أن الطباخ اخطأ في المقادير. ينقص ماذا؟ تنقص نكهة الفكاهةsens d'humour . كأننا نعطي وقتا كافيا للنوم ، للأكل، للكلام ...وننسى حصة الضحك. 1- لا نضحك بالكافي، ليس لأننا جديين اكثر من اللازم. الضحك هو من علامات الجدية العميقة. قد أقول أن ما ينقصنا بالتحديد هو الجدية. أستحضر قولة لتشرشل يقول فيها: إذا مات العرب ماتت الخيانة. لا يتغير المعنى إذا استعملنا تعبيرات تقترب منه: خائن، غشاش، كذاب، منافق، عديم الثقة، غير جدي...كما لا يتغير المعنى إذا تحدثنا عن سيمة التخلف بدون حمولة أثنية. يمكن أن ينطبق كلامه على كل الشعوب التي استعمرتها الإمبراطورية العجوز، وهي لم تستعمر بالصدفة: انهزمت... وهي نهاية صنعها الاستعمار وتحالف معه التخلف. العرب مثال من تلك الشعوب. والمعنى بالتحديد الذي يقصده الرجل هو أن هذه الشعوب (الشعوب البدائية والمتخلفة) تبدأ من خائنة...إلى أن نصل إلى: غير جدية، إذن، لا يمكنك أن تتوقع ماذا ستفعل؟ لا يمكنك أن تضحك معها لأنك تخاف منها، وأنت لا تضحك معها، لا تتوقع منها أنها ستضحك فجأة، لذلك لا تضحك كثيرا أو تضحك بلا سبب، هل يوجد فارق كبير بين الحالتين؟ النتيجة تبقى هي هي: الخائن لا يعرف كيف يضحك. 2- نخلص إذن إلى أن علاقة الضحك بالأمان وبالثقة ثابتة والى تأثير الضحك من حيث أنه متنفس لتصريف الموت. نزعة الموت عاطفة طبيعية وبدائية لتدمير الذات thanatos أو استعجال النهاية، التي حسب التحليل النفسي، توجد عند كل كائن يتنفس (أي عنده نفس)، بل هي قانون الكون الذي طبعه هو عدم الاستقرار والفوضى. النظام هو تحدي وكلما كان النظام قويا كانت ضريبة الاستمرار مُكَلِّفَةً و فاتورتها تُدْفَعُ أو تُقايَضُ بكمية نادرة هي الطاقة. لا حظوا أننا نستعمل نفس التعبير "نفس" بمعنى: ذات، روح...وكذلك عندما نشير إلى رد فعل قوي، عندما يشعر الواحد منا، بأنه أهين في شرفه، في شخصيته... وكل هذه الاهانات المزعومة نرد عليها بنفس الرد العنيف، ما يفسر كثرة الجرائم في مجتمعنا، أغلبها نسميها جرائم الشرف، الشرف بمعناه العام عندما نتصور أن هذا "الشرف" مهتز و فاقد للتوازن (عْلى سْبَّا )، إذن يسقط بخفة تشبه هبة ريح خفيفة. 3- استمعت إلى برنامج للتبشير (الدعاية للمسيحية) على الهواء: هذه سيدة مغربية تتحدث فتقول (لا شك أنها تتكلم بتأثير حقنة من حب الرب). تقول السيدة فاطمة: أنا لا احقد على من يقتل الحقد قلوبهم (تتحدث عن الإرهابيين المسلمين) بل أشفق على حالهم لأنهم لا يعرفون الحب. من لم يجرب الحب، هل يمكن أن يضحك؟ الحب وحده يعلمنا أن نتعصب أقل وأن نداري خلافاتنا بالضحك عليها، هذا يجعلنا نتقبلها بسهولة اكثر، ونضحك عوض أن نشهر السيوف على بعضنا البعض. 4- التطرف ليس قويا بنفسه، لأنه لا يعطي شيئا ولكنه يأخذ من غيره. يعرف أن نقط الضعف الكبيرة في الإنسان هي المشاعر، قوة المشاعر هي التي تحتضن ضعفه فينشا في أحضانها. التطرف فن (فن التطرف) لأنه يعرف يخلق ويبدع من لا شيء . لا يتحصن الإرهاب خارج أسوارنا الأمنية بل يخترق تلك التحصينات عندما يكتشف نقطها الضعيفة، أو تكشف له من الداخل. نظرية التطرف هي أقرب إلى النظرية الأمنية: عندما يخترق أعداء النظرية التحصينات الأمنية، يجب أن لا نلوم المتطرفين بل أن نراجع تحصيناتنا الأمنية نفسها. هناك ثقب في هذه التحصينات وهو ثقب بالمعنى المقلوب لأنه مثل الصمام الذي يمنع أي شيء من المرور إلا الضحك، هذا الصمام يتحول إلى ثقب بمعنى مقلوب لان الصمام يتصلب ويتحول إلى صمام مقلوب يمنع الضحك من الخروج، ويحتقن الضحك داخل النفس حتى يقع الانفجار من الضحك، ولكن بعد فوات الأوان، لان الانفجار القوي لا تتحمله النفس ولا يتحمله المجال الممنوع من الضحك . 5- مزاج مُعَكَّرْ هوْ...نصف الطريق إلى الإرهاب