لما نسمع و نقرأ عن رواتب بعض رؤساء الدول الديمقراطية أو وزرائها ، فإننا نلاحظ بأنها رواتب تنسجم مع قوة البلد الاقتصادية و الصناعية و مع معدل الدخل الفردي و التغطية الاجتماعية و مع معدل النمو الاقتصادي و مع الوقع الدبلوماسي . كما تتجسم تلك الرواتب مع حجم المسؤولية في تدبير أمر الدولة في الداخل و في الخارج و في المخاطر المحدقة بالرئيس أو بأي مسئول حكومي ، مثل الرئيس الأمريكي أو الرئيس الروسي أو المستشارة الألمانية أو الرئيس الصيني أو الفرنسي أو أي رئيس يتحرك من أجل تقوية حضور بلاده عالميا ، اقتصاديا و سياسيا و استراتيجيا إلى آخره ..... ، و لا غرابة في ذلك بالنسبة لوزراء هذه الدول و برلمانييها و هم يتقاضون رواتب تعكس مدى احترامهم لشعوبهم و مدى تقديرهم لظروفها المعيشة . فلما هيمنت الأزمة المالية مثلا على فرنسا كان انشغال الوزراء حاضرا في الجلسة الاستشارية الأولى لوزراء فرانسوا هولاند التي عقدت الشهر الماضي ، حيث تم توقيع كل وزير من حكومة جان مارك إيرولت على ميثاق أخلاقي بموجبه يتم خفض رواتبهم بنسبة 30 بالمئة وتخفيض اعتمادات مكاتب الوزراء بنسبة 10 بالمائة . و نقرأ و نعيش مبادرة وزراء اليونان الذين قرروا تخفيض رواتبهم و الاعتمادات المرتبطة بالتنقل و الإقامة . و في الأيام الأخيرة قرر الرئيس بوتين تخفيض راتبه ب 10 في المائة . و قد حدى حدوه آخرون في طل الأزمة . كما أن رئيس أقوى دولة في العالم أي الرئيس الصيني لا يتقاضى سنويا أكثر من 27 ألف يوان أي حوالي 3262 دولاراً، اضافة الى مكافأة تعادل راتب شهر. إن السوال المطروح هنا هل الراتب مقابل الازدهار الاقتصادي أو العكس يرى ؟، هنا يرى مايكل باكمان عالم الاقتصاد الاسترالي أن هناك علاقة مباشرة بين الادارة المحترفة والازدهار الاقتصادي من جهة وبين ارتفاع مرتبات المسئولين الكبار من جهة أخرى كشرط لازم لمكافحة الفساد , لكن بالمقابل يرى خبير أندونيسي متخصص في مكافحة الفساد في أندونيسيا : إن كثيراً من المسئولين يتقاضون رواتب عالية تجعلهم يعيشون حياة رغد لكن درجة فسادهم لم تتوقف .إذن تبقى الروح الوطنية و احترام الشعب و تقديره هم المحدد الأساسي في الابتعاد عن الفساد و نهب المال العام عبر الرواتب الخيالية و التعويضات المرتفعة دون أي مقياس . كما أن المسألة تتعلق أولاً وأخيراً بوجود دولة المؤسسات والشفافية وحكم القانون. فإذا كنا نحن العرب نصب غضبنا ليل نهار على رؤساء أميركا بفعل سياستهم المناهضة لنا و لقضيتنا العربية ، فلسطين ، فلا يمكن لنا إلا الاشادة بما يفعله اي رئيس أميركي لما يذهب في 15 ابريل من كل عام لتسديد مستحقاته الضريبية، دون أية حركة من التملص الضريبي. فالرئيس الأمريكي السابق بوش على سبيل المثال سدد العام الماضي 241 ألف دولار ضرائب مقابل ما ربحه من عمله الخاص في عامه الأول بالرئاسة هو وزوجته لورا وقدره 895 ألف دولار . فعندما لا يستطيع رئيس أقوى دولة في العالم الإفلات من الذهاب إلى مصلحة الضرائب لسداد ما هو مستحق عليه باعتبار ان الضرائب عندهم مثل «الموت» لا يمكن التملص منها،فإنه في بلادنا يتقن المسئولون فن التهرب من تسديد الضرائب ليتحملها المساكين و الفقراء عبر الزيادة في المواد الأساسية للحياة و عبر تخفيض النفقات المرتبطة بالصحة و التعليم . و إذا كانت المحاسبة و المسائلة هي القاعدة في الدول الديمقراطية ، فإن ذلك في بلادنا يعتبر مستحيلا. و إذا كان في هذه الدول الفساد و نهب المال العام شيء محرم، فإنه في بلادنا مقدس. و إذا كان عمل الرئيس أو الوزير أو البرلماني أو الوالي في هذه الدول مقرونا بالنتائج المحققة سياسيا و دبلوماسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا ، فإنه عندنا مقرونا بالفشل و بالفضائح و بدون محاسبة . و إذا كان في هذه الدول عدم الإفلات من العقاب ، فإنه في بلادنا هناك عفى الله عما سلف . اننا نسوق هذه الأمثلة و هذه المقاربات لنقول لحكومتنا الموقرة و لبرلماننا المسكين بأنكم تنهبون مال الشعب بكل المقاييس و بأنكم تأكلون السحت ليس إلا. كما أننا نقول لهم بان احترام مشاعر الشعب فضيلة و الدوس عن كرامته رذيلة يا سيادة رئيس الحكومة الاستاذ بن كيران . البدالي صافي الدين قلعة السراغنة