ستتكون لدى قارئ الأحاديث النبوية التي تتحدث عن آخر الزمان رؤية مأساوية لهذا المشهد النهائي. مشهد أقل ما يمكن أن يوصف به أنه ارتداد إلى الأخلاق البهيمية، أخلاق تنبع من الحرية المطلقة التي سيتمتع بها الإنسان نتيجة الدعوات المتلاحقة لتبني منظومة حقوق الإنسان الكونية التي لا تقبل التجزيء. وسنحاول أن نقدم صورة بسيطة استباقية لما سيكون عليه الوضع محاولين رسمها انطلاقا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. 1- عدم إنكار المنكر: أول ما سيبدأ به هذا العصر الجديد عدم قدرة الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد يكون هذا ناتجا عن تسلط الفكر العلماني ودعاة الحرية المطلقة( جعل الدين مقتصرا على المسجد، واقرأ نظرية محمد الشرفي في كتابه " الإسلام والحرية"، حيث دعاإلى ضرورة بناء كهنوت إسلامي على شاكلة الكهنوت المسيحي، وذلك قصد خلق بيئة ملائمة لنمو الفكر العلماني). كما قد تكون عدم القدرة على الأمر بالمعروف نابعة من قلة الناس الذين ستكون لهم القدرة العلمية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما نراه اليوم من نشر للأفكار والنظريات كلها إلا الفكر الديني، والناظر إلى مقرر التربية الإسلامية مثلا يعرف كيف تم تغيير المضامين من مضامين إسلامية محضة إلى مضامين علمانية يبحثون لها في النصوص عن مؤكدات. عندما سيخبو صوت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيصبح المنكر أمرا بدهيا ناتجا عن الحاجة الإنسانية والرغبة البشرية التي لا يستطيع أحد أن ينتزعها من أحد، لأن الأمر كله ببساطة قائم على احترام الحرية الفردية، هذا الأمر الذي سيؤدي إلى كوارث لا يعلمها إلا الله عز وجل. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأيُّ قلب أشربها نُكت فيه نُكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نُكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض، وعلى أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه"(صحيح مسلم، رقم 144). 2- إسناد الأمر إلى غير أهله: تعتمد الفكرة العلمانية على المساواة التامة وبعدم التمييز، وإن بدتا في ظاهريهما قشيبتين فهما تنبئان عن الوضع غير المنطقي الذي ستكون عليه الأمور. سأحاول تصور الأمر على هذا الشكل: - لن أستغرب إذا تم إسناد إمامة الصلاة للمرأة. - لن أستغرب إذا تم غرس جنين في بطن رجل مِثْلِيِّ الجنس. - لن أستغرب إذا حُرم الورثة من الإرث بدعوى حرية الموصي بالتصرف في ملكه. - لن أستغرب إذا تم توظيف مرشدين دينيين غير مسلمين يزورون المساجد لتوعية الناس بأهمية حوار الأديان... سأحاول إلجام خيالي الذي يسبح الآن في هذه اللحظة التاريخية المهمة في تاريخ البشرية. سأكتفي بهذه الأمور التي تظهر أن العقل العلماني عندما سيتحكم في مقاليد الأمور قادر على تغييرها وقلبها أيضا. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه، وفي لفظ: الرجل السفيه يتكلم في أمر العامة( رواه أحمد في مسنده، ج2، ص291). 3- كثرة القتل: انبثقت عن الفكر العالمي الجديد مواثيق وقوانين تحاول فرض تصورها على كافة شعوب الأرض في إطار سياسة شاملة لمحو الخصوصيات الوطنية أيا كان نوعها، وهذا يخدم فكرة العولمة الغربية التي تسعى إلى إقبار كل ما له علاقة بالتاريخ والحضارة الخاصة بكل بلد لمصلحة إعلاء القيم الاستهلاكية المادية الحداثوية الأمريكية. في هذا السياق تأتي الضغوط التي تمارسها منظمات عالمية تابعة للنظام العالمي الجديد والحكومة العالمية الأممالمتحدة، ضغوط تمارس بالأساس على الحكومات لهدف تغيير الترسانة القانونية لبلدانها و ملاءمتها مع القانون الدولي. في هذا الصدد تظهر مسألة الإعدام كقضية أصبحت حديث الساعة في مجالس وندوات الجمعيات " الحقوقية "، والتي تدعو بكل وضوح إلى إلغاء هذه العقوبة بعذرين غير منطقيين: - إنها عقوبة سالبة لحق من حقوق الإنسان وهو: الحياة. - إنها تُستعمل من طرف الأنظمة لتصفية خصومها السياسيين. أما العذر الأول فيكفي التذكير أن أغلب الحالات التي يتم فيها الحكم بالإعدام تكون متعلقة بجرائم القتل، فإذا كانت الجمعيات ترأف لحالة القاتل فإن وراءه مقتولا ، ولابد للعدالة أن تأخذ مجراها الطبيعي لاسترداد حقه. و أما العذر الثاني فيكفي ممارسة الضغط الإعلامي على الأنظمة كي تعدل عن ممارساتها، خصوصا وأن الإعلام الآن أصبح سلطة فاعلة محركة للرأي العام المحلي والدولي. ولأن الأمور لا تجري بهذه الطريقة فإن إلغاء عقوبة الإعدام ماضية لا تراجع عنها، مما سيعطل نصا من النصوص الصريحة في القرآن الكريم، هذا النص الذي يتحدث عن القصاص، حيث يقول الله عز وجل: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ "، (سورة البقرة، الآية: 178)). تخبرنا لأحاديث النبوية عن مشهد خطير ستعرفه البشرية في آخر الزمان، وهو مشهد يكاد يشبه الأفلام البوليسية وأفلام الرعب الأمريكية. إن العالم سيعرف موجة قتل لا سابق لها، حتى إن القتيل لا يدري لم قُتل. اسمعوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قَتل، ولا المقتول فيم قُتل"( مسلم، ص56، رقم 2908). ألن يكون إلغاء عقوبة الإعدام حافزا على القتل مرة أخرى؟ إن قراءة الآية القرآنية الآتية بتدبر تبين أمرا خطيرا:" مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" (سورة المائدة، الآية32): إن الذي يقتل نفسا واحدة ولا يُقتص منه قادر على أن يقتل مرة أخرى، بل قادر على أن يقتل البشرية كلها وأن يؤدي بها إلى الفناء. إن الحياة إذن على هذه الأرض لا تستقيم إلا بالقصاص من القاتل، يقول عز وجل: " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ( سورة البقرة، الآية:179). إن الجريمة أمر بشري وإن القصاص حق للمقتول و وضمان لاستمرار الحياة البشرية الآمنة؛ فإذا ما فرطنا فيه وتركناه سقطنا في الفتنة، وما هي منا ببعيدة. فالمتتبع للقضايا المعروضة على المحاكم- المصرية مثلا - يكتشف أن حكم المحكمة لا يسمن ولا يغني من جوع، فبمجرد ما يخرج المتهم بعد قضاء عشرين سنة أو أزيد في السجن يبادره أهل الضحية بأن يردوه قتيلا، هذا إن لم "يأخذوا بثأرهم" من أحد أقرباء القاتل. هل يريد الداعون إلى ترك القصاص والإعدام إعادتنا إلى زمن الاقتتال وأخذ الثأر دون محاكمة؟ ألا يهتمون ببناء قضاء مؤسسي؟ هل هم فعلا يسعون إلى بناء دولة العدالة والقانون؟ إن هذا الأمر سيجعل القضايا غير معروضة أمام المحاكم والقضاة بل أمام العائلات وطالبي الثأر.