إن الإسلام دين كرم الإنسان تكريما عظيما, و جعله طاهرا من كل الجوانب, و فرض عليه تحري الطهارة في كل شيء حتى في الأمور التي تبدو لنا تافهة, و قد جعل الطهارة بمفهومها الواسع سمة المؤمنين و صفة الأخيار و خلق الأبرار, فجعل الطهارة في الملبس و البدن شرطا من شروط الصلاة الصحيحة إن لم نقل واجبا, و جعلها واجبة في المأكل و المشرب و العمل و سائر مناحي الحياة, و لم يقيدها عز و جل بمكان و لا زمان و إنما فرضها إلى حد المستطاع. و من بين أنواع الطهارة التي أمر بها الإسلام كل مؤمن تلكم الطهارة المادية الصرفة و المتمثلة بالخصوص في الكسب الحلال, و قد أوصانا بها الرسول صلى الله عليه و سلم في غير موضع و حثنا على تحري الحلال و جعله شرطا أساسا لقبول الدعاء, لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا, فأنى يستجاب لآكل الحرام و أي ضمانات لنجاته و قد أعلن الحرب على مولاه بالإعراض عن أوامره جل و علا و الخضوع لنزوات نفسه و طاعة الشيطان. لكن للأسف في عصرنا الحاضر أصبحت المظاهر مُنى الشباب المسلم و غاية الشياب من الرجال و النساء و أصبحت دائرة الكسب الحلال ضيقة عليهم رغم فساحتها بعنصر القناعة التي تجعل المرء أغنى الناس على الإطلاق, و تسمو به إلى أعلى الدرجات و ترفعه إلى منزلة الأتقياء و الأخيار و الأنقياء, فصار تحري الحرام وسيلة سهلة المنال و في متناول الشباب الغافل عن ربه و البعيد عن دينه و نهج السلف الصالح, لتحقيق أرباح مادية خيالية في فترات قياسية, خاصة بعد ظهور تقنيات جديدة تحايلية في مجال التسويق و التجارة أردت الشباب الطموح وسيلة لنفث سموم الكسل و عدم التركيز على الواجب في الأمة الإسلامية حتى صرنا عاجزين عن مقاومة إغراءاتهم و لو كان ذلك على حساب المبادئ و القيم. و من تلك الوسائل الخبيثة التي تغري الشباب بالربح المادي السريع وسيلة التسويق الشبكي التي أضحت وسيلة إضافية للربح و تحقيق عمولات تزيد عما يتخيله العقل البشري في فترة زمنية قياسية, و هو تسويق إعتمدته بعض الشركات بقصد تكريس العجز و الكسل في نفوس الشباب و نشر ثقافة القمار مقابل ربح مادي حرام سرعان ما سيتلاشى أثره خاصة و أن معظم تلك الشركات تعتمد في دخلها على مشاركة العنصر البشري و عائداته في حين تعتمد باقي الشركات بالبيع الحلال لِعَيْن المنتوج. و يقصد بذلك التسويق تسويق وهمي يُغْرى به الشباب مع تعويضهم عن كل مشترك جديد يتم إدخاله في ذات الشركة و يسمون ذلك سمسرة و ما هي بسمسرة في شيء, و شتان بينها و بين السمسرة الحلال, كما يزعمون أن الأرباح التي تضاف إلى المنتوج ناتجة عن إقتصاد ثمن الشحن و الإشهار و زيادات أصحاب الجملة و الوسطاء الذين يتم إقصاؤهم من العملية حتى يستفيد منها المشترك , و كل ذلك عبارة عن دجل في دجل, حيث نقصد بذلك حسب ما يتم تلقينه من تكوين لأي شخص مبتدئ, أن الدخول إلى الشركة يتطلب مبلغا معينا على أن يتسلم المشترك سلعة من الشركة لقاء مبلغ دخوله, و هذه السلعة ستباع لتدر أرباحا للمشترك زائدة عن المبلغ الذي دفعه إبتداءا, و عليه فإن هامش خسارة المشتركين ضئيل و لا يكان يظهر, حتى هنا فالأمور تظهر عادية و لا إلتباس فيها. لكن بعد الإشتراك يتعين على المشترك إحضار مشتركين جدد حتى يستفيد من عمولاتهم و أرباحهم أيضا, و بقدر ما يأتي بالمشتركين بقدر ما يزيد هامش ربحه كما أنه ينال عمولات أخرى إضافية عن كل شخص جديد داخل شبكته التي تبتدئ منه و لا تنتهي في الطرف الآخر بل تزيد بقدر ما يزيد المشتركون في شبكته سواء دخل المشترك الجديد على يده أم على يد أحد ممن تفرّعوا منه, و هكذا تزداد الأرباح و يزداد دخل المشترك دون أن يقوم بأي نشاط يذكر. و قد حرم جل العلماء هذا النمط التسويقي التحايلي الدخيل علينا كمسلمين, و حذروا منه و أوصوا اشباب المسلم بالإعراض عنه لأنه يقتل فيهم روح العمل و يزرع بذور الكسل و ينشر البخل و الجبن, و له أضرار جمة على الإقتصاد و على الفرد و على المجتمع ككل, و قد ترك معظم الشباب وظائفهم المنتجة في المصانع و الضيعات و اتجهوا إلى هذا السم القاتل و ترك بعضهم متابعة الدراسة و البعض الآخر امتنع عن التدريس لقاء هذه العمولات المحرمة, و لم يسأل أحدهم يوما: ما العمل لو أن كل موظف أُغري بزيف هذه الصفقة و تدليس أصحابها؟ أسنجد إدارات تخدم مصالحنا؟ ما العمل لو أن كل الطلاب إتجهوا صوب التسويق الشبكي؟ كيف سيكون مستقبل أبنائنا؟ أترانا سيكون لنا مستقبل أصلا. بالله عليكم يا شباب هذا تبليس و تدليس أدخلوه في عقولكم عن طريق الإغراء بالعمولات المحرمة بقصد قتل روحكم أنتم أولا و دينكم ثانيا واغتصاب وطنكم ثاليا و الإستفادة من ثرواته رابعا, فو الذي نفسي بيده فكأني أرى خطتهم بادية أمامي و أرى طلاسمها تكشف أمام عيني, و ما تلك الإغراءات إلا وسيلة لسد مجال التعقّل و موطن التمييز لديكم, فدعوا عنكم هذه الخزعبلات و قفوا على مبادئكم و لا تكونوا مهملي الأوزان متى جاءت ريح أخذتكم و نقلتكم من مكان إلى مكان, فاثبتوا و اغتنوا بالقناعة فما رأيت أنفع لكم منها. إن من يحضر لتكويناتهم يجد أنهم يركزون بالأساس على الأرباح و ما من أحد منهم تحدث عن مبدإٍ قطّ, بل يتحايلون على الناس لطمس الحق بالإغراءات المادية, لقد حضرت لقاءاتهم بدعوة من أصدقاء لي من ديانات مختلفة و آخرها كان الأحد الماضي بفندق بلاص أنفا بالدار البيضاء, فو الله أن غالبية الأصدقاء تراجعوا عن ذلك بعد نقاشٍ معهم حتى أن بعضهم خرج من تلك الشركات ليس لأن التسويق الشبكي محرم -لأنهم ليسوا مسلمين- بل بسبب أنها تشجع على الكسل و النوم و انتظار العمولات, و تجعل المرء بلا عمل الأمر الذي يصيب أغلبهم بالإكتئاب المزمن, فكيف بأبناء الإسلام الذين ترعرعوا في كنف عائلات محافظة إلى أبعد الحدود. من فضلك أيها المسلم راجع دينك و راجع فطرتك, و اعلم أنك رجل الغد و بك ستستمر قافلة التنمية و بدونك فالوطن سيقف يوما ما و لن يجد إلا الذئاب لتنهش ما تبقى منه, و قف وقفة المسلم الطموح بالقناعة و القانع بالحلال و قل لهذه الشركات: أنتم يا بائعي الوهم, ليس لكم مكان في بلاد الإسلام, أنتم يا أكلة الطموح لا مكان لكم بيننا, أنتم يا قاتلي النجاح إرحلوا عنا فنحن أمة المصطفى و لن يثنينا عن ديننا مال و لا بنون إلا أن نهلك دونه, هكذا تنصرون دينكم و تنقذون وطنكم من الضياع و تحافظون على مبادئكم و هويتكم.