التصحيف رقم 1 عندما ألّف ابن السّكّيت كتابه "إصلاح المنطق" ، وابن قتيبة الدينوري "أدب الكاتب" ، و القاسم بن علي الحريري "درة الغواص في أوهام الخواص" ومؤلفون آخرون في مجال التصحيفات اللغوية ، أرادوا وهُمُ الذين سهروا الليالي وواصلوا الليل بالنهار حتى لا يدركهمُ الموت دون بلوغ الغاية ، أرادوا بذلك حماية وتخليص اللغة العربية مما قد يعلق بها من شوائب تفقدها جماليتها. إن ما دفعني إلى تحرير هذا الموضوع هو إحدى الردود على واحد من التعليقات . تقول صاحبة الرد :"خطأ شائع أبلغ من حقيقة ضائعة". نعم ، لا ينبغي للحقيقة أن تضيع ، ولكن لا ينبغي أيضاً للخطإ أن يشيع. وهكذا اعتزمت أن أدرج في هذا العمود نماذج لأخطاء شائعة متى سمح الوقت لذلك ، وهي كثيرة ، وأتمنى أن يستفيد منها القارئ ويعممها حتى نكون عند حسن ظن الأوائل ، ونكون لُغويين لا لَغويين. ولفظ اليوم : مائة / مئة ، وهي عشر عشرات وجمعها مئات ومئون . فما هو الأصوب؟ أتذكر أنني سألت أحد أساتذتي السوريين عندما قال لنا نحن تلامذته في مستوى دروس الملاحظة بداية سبعينات القرن الماضي :"السوريون أفصح من المغاربة لغة" ، قلت له :"أستاذي ، ماذا نكتب مائة أم مئة؟" ، سكت الرجل قليلاً وأجاب :"يصح فيها الوجهان" . وصرنا نكتبها بوجهيها صغاراً ، ثم كباراً لزمن طويل. إلا أن لهذه الكلمة قصة في اللغة العربية ، فعندما كان العرب يكتبون الحروف غير منقوطة ، أرادوا أن يميزوا ويفرقوا بين كلمتي مِئة(100) و مِنة(الإنعام والإحسان) فأضافوا للأولى ألفاً ، وعندما ظهرت النقط صارت الألف زائدة وغيرَ ذاتِ محلّ في اللفظ . فالأصوب أن نكتب مئة (مثل رئة - فئة) وليس مائة التي ينطقها البعض بفتح الميم كأنها مؤنت كلمة ماء (نطقاً) ، وقد أقر مجمع اللغة العربية في القاهرة حذف الألف الزائدة سنة 1963 ، وفي هذا الباب لا يوجد في اللغة العربية اسم فيه ألف قبله حرف صحيح مكسور . سيقول البعض : لماذا كتبت مائة لا مئة في القرءان الكريم ؟ الجواب : القرءان الكريم كُتب بالرسم العثماني في زمن خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، لذا علينا جميعنا انتفاء حرف الألف من لفظ "مائة" ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. مع تحيات العقيد. [email protected]