بقلم: ذ. بدران محمد/بروكسيل تعدّ أوروبا القبلة الأولى قبل مثيلتها أمريكا لنشر الإسلام، لعدة عوامل تاريخية واجتماعية وثقافية وسياسية وغيرها.. كانت بمثابة اللبنة الأولى لهجرة الشعوب الإسلامية إليها وتكاثرها مع مرور الزمن مما بدأ يبشر بأسلمة العالم. وما أكّدته آخر دراسة أمريكية على وصول عدد المسلمين ربع سكان العالم في عشرين سنة المطلّة ،ما هو إلا تصديق لمعجزة ديننا وتنبّؤ لمزاعم غير المسلمين. وهذا تصديق لحديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم (ليدركن المسيح من هذه الأمة أقوام أنهم لمثلكم أو خير ثلاث مرات، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها). فعالمية الإسلام هي جوهر هذا الدين وغايته ،نظرا لتشريعاته القويمة الصالحة لكل بني البشر في كل مكان وزمان،وميزته بمقوّمات البقاء التي لا تتوفّر في أي دين أو حضارة أمم. فالمتتبع والمهتم بشؤون الهجرة يعرف أن بلجيكا بلد متنوّع الثقافات،يضمن للأقليات والعرقيات حقوقها الثقافية واللغوية والدينية ،فالجاليات الأجنبية تقدّر بنسبة 71,6% نصيب الجالية المسلمة منها 22% ونسبة 28,4% المتبقية للسكان الأصليين. كما تعيش بالعاصمة بروكسيل وحدها 45 جنسية مختلفة،على رأسهم الفرنسيون ثم المغاربة، والإيطاليون وغيرهم ،ومعظمهم أتى قبل توسيع الاتحاد الأوروبي من 15 بلدا أوروبيا. كما أن الدين الإسلامي يعد ثاني دين في البلاد.وفي بروكسيل وحدها يبلغ عدد المسلمين 350.000 نسمة أكثر من نصفهم متعبّد.فمنذ اعتراف المملكة البلجيكية بصفة رسمية بالإسلام سنة 1974 ،سُمح برفع الآذان بسماء العاصمة البلجيكية والأوروبية داخل قبّة المسجد الأعظم الذي دعمته المملكة العربية السعودية وقتها.ورُخّص لإدماج مادة الدين الإسلامي في المناهج الدراسية وبناء المساجد في كل أقطاب البلاد. تحكي تقديرات الأرقام عن 600.000 مغربي و200.000 تركي في كل أنحاء بلجيكا.والمرشّح أن يصل عدد المجموع بعد خمسة سنوات فقط إلى مليونين تقريبا. وهذا النموّ الديمغرافي السريع يعود حسب المحقّقين لتنامي التجمع العائلي وخصوبة المرأة المسلمة وتأثير الوازع الديني في تشجيع النسل. قبل أربعة سنوات دقّ ناقوس الخطر الخبير في علم الاجتماع وتاريخ الشعوب الدكتور البلجيكي أوليفيي سيرفي من خطورة وصول المسلمين إلى صنع القرار بفوزهم في الإنتخابات المستقبلية وهو فعلا الشيء الذي وقع في الانتخابات الأخيرة في الشهر المنصرم،بحيث فاز مرشحان من "حزب الإسلام" الجديد بمقعدين في مقاطعتين بالعاصمة بروكسيل،في حين أثارت تصريحات أحدهم بإقامة الشريعة الإسلامية حفيظة العديد من العلمانيين واليهود والكنيسة وأحزاب اليمين وغيرهم .. عملت عوامل كثيرة منها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على تكتل الجالية المسلمة في قلب بروكسيل ،العاصمة البلجيكية والأوروبية وتميّزها بالقيمة التاريخية والمكانة المرموقة الحديثة رغم صغر حجمها وتمتعها بحساسيتها الخاصة في نفوس كل دول العالم. فالتقديرات الأولية تتنبّأ بأن بروكسيل ستصبح بعد 20 سنة فقط أغلبية مسلمة،فالمسلمون اليوم يقدّرون بثلث السكان .عدد الحاصلين منهم على الجنسية البلجيكية يتجاوز 350.000 شخص (منها 150.000 مغربي و85.000 تركي والبقية ألبانا وإيرانيين وباكستانيين وسنغال)كما أن 75% منهم ملتزما بشعائره الدينية بما فيهم الشباب ،في حين اسم "محمد" على رأس لائحة المواليد منذ سنة 2001 إلى حد الساعة. كما تتحدث دراسة ثانية أجراها عالم الاجتماع جان هيطوجن على أن بروكسيل تحوي 22% من المسلمين،وفي سنة 2030 مرشّحة للوصول إلى 30% من عدد السكان.أما على الصعيد الوطني فنموّ السكان المسلمين سيعرف هو الآخر تزايدا كبيرا ليصل إلى 10% من مجموع السكان في العقدين القادمين.فأعدادهم في سنة 2010 كانت لا تتجاوز 627.000(5,8% من المجموع)،وقد يصبحون في سنة 2030 ب1,17 مليون ما يعادل 9,3% .بينما هناك توقعات ثالثة تشير بأن عددهم سيصل عام 2030 حوالي 1296871 نسمة، وستكون بنسبة 29.7%. أما دراسة حديثة لهذه السنة تهتم بنموّ الشعوب الإسلامية في العالم حول "الدين والحياة العمومية" أوضحت أن الجالية المسلمة في بلجيكا ستصل عام 2030 (10,2% من عدد السكان) بزيادة 80,1% مقارنة مع سنة 2010 حيث كانت تمثل 638.000 مسلم فقط. نتخطى ملف التقديرات والدراسات هذه،لنضع القراء الأعزاء ببعض صور الوقائع على الأرض بالعاصمة بروكسيل:تحتوي بروكسيل وحدها على أكثر من 86 مركزا ثقافيا لخدمة الجالية المسلمة وتنظيم الحفلات بالمناسبات الوطنية والدينية على طول السنة.وما يفوق 200 جمعية إسلامية منها من تنشط في الحقل الاجتماعي والمساعدة واستغاثة المسلمين والدفاع عن حقوقهم الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ،ومنها من يختصّ بالأنشطة المتنوّعة من تربية وتعليم ورياضة و مسرح وفنون وغيرها.كما تنتشر العشرات من المدارس المختلفة، والعديد من المقاولات الكبيرة والصغيرة والشركات وشبكات الإعلام والمواقع والجرائد الإلكترونية،الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخاصة تحت حماية الحركات النقابية البلجيكية موقف القوة. كما أن إبراز الإسلام السياسي على الساحة الوطنية والدولية وتقبّل ظهور المرأة المسلمة بالحجاب على مسرح الحكومة في البرلمان ووسائل الإعلام ، وتدريس التربية الإسلامية في المدارس الحكومية لأبناء الجاليات المسلمة مع ضمان تقديم وجبات الطعام الحلال ،والتغيّب عن حصص الدروس في مناسبات الأعياد الدينية وغيرها. شيء يفسّر حقيقة الأمر على أرض الواقع كما يتطلّب الإعتراف به والتأقلم معه. فمنذ سنة 2010 وبناء على هذه النتائج والتقديرات تمّت عملية جمع فئات من الخبراء في علوم الاجتماع والديموغرافيا و أعدادا لا بأس بها من الشخصيات السياسية والمثقفة ومن رجال الدين وبتغطية واسعة من رجال الإعلام ،لإجراء دراسات حول مصير بروكسيل (الجمهورية الإسلامية المفترضة ) بعد عشرين سنة حسب تصريحات بعضهم.للبحث عن سبل العيش المشترك مع أغلبية مسلمة في بروكسل عام 2030 من جهة ،والتباحث من جهة أخرى مع الهيئات والمنظمات والشخصيات العلمية والسياسية والفنية والدينية التي تجمع التحالف العالمي الأمني لمراقبة تحركات المسلمين ورصد تنامي المدّ الإسلامي وتحديدا الملتزمين و الحركيين منهم للحدّ من هذه الظاهرة.مما يستدعي الوقوف عندها، وفحصها بالأشعة ما فوق الحمراء لتحديد أبعادها الضاربة في أعماق تعاليمها وقيّمها المبشّرة بالعالمية،وكيفية التقليل من مفعولها أو اتخاذ سياسة الهجمات الاستباقية بالتبشير والتضليل والتنكيل،سعيا وراء إصلاح إسلام ينحصر في الروحانيات، خال من أي أحكام أو نصوص تشريعية حتى يتناغم مع مفاهيم الديمقراطية الغربية.لكن الواقع المعاش يقدّم صورة عكسية لتلك الآمال الواهية والمخططات اللاّشية ،مما أجبرهم على تحمّلها على مضض بعد ما نالهم من غيض وضيم لم يقدروا على التساكن معه والرضوخ له. في حين مازالوا يرقصون على سيمفونية النصر واجتياز مراحل الحروب الضارة ودفن معتقداتهم داخل الكنائس المقفرة من معمّريها، للانتقال إلى العالم الافتراضي الذي كان يسكن أذهانهم والذي اصطلحوا عليه كل الأسماء التي تتوخى الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة التي حرم منها الشعب طوال حياته. على حين غفلة تبرز ظاهرة اكتضاض مساجد المهاجرين المسلمين التي لم تمت إلا في ضمائر من يجهل هذا الدين العملاق.الصدمة غير عادية ولا تبشّر بخير في اعتقادهم أمام مشهد ديني متكامل لما يفوق 350 مسجدا في بلجيكا ، 77 منها في بروكسيل وحدها، والطلبات متزايدة على بناء مساجد أخرى لاستيعاب الأعداد الهائلة من المصلّين.لم يصدّق الغرب برمّته أسرار هذا الدين بعد، أو ربما يجهل أو يتجاهل دين عدل ومحبة يؤلّف بين الأمة في الوجدان والوجود، والباطن والظاهر، والإيمان والعمل.والحقيقة الثانية على الأرض هي اعتناق 30.000 بلجيكي الإسلام بقناعة وتحقّق وهذا في حدّ ذاته يبشّر بألف خير،والعملية لا تتوقّف والحمد لله ،ففي كل سنة يدخل الإسلام أكثر من 1200 معتنقا .وقد سجلت في العشر سنوات الأخيرة 8000 حالة ممّا يشير أن هذا التسابق على الدين الإسلامي لم يكن بمحض الصدفة أو عن طريق الافتراء أو الخطأ. فكلما يتناقص عِرق الأوروبيين وتتفاقم ظاهرة الشيخوخة في أوساطهم ،تتزايد الفئات المسلمة الشابة الحاصلة على الجنسيات الأوروبية ، لتحلّ مكانها وتباشر أعمالها وتلك سنة الكون ولله في خلقه شؤون.