إن المتتبع لطبيعة الأخبار التي تنشرها ما يسمى ب"وكالة الأنباء الصحراوية "واص" يلفيها قد بَدَّلَتْ في مضمونها قبل وبعد صدور تقرير الأمين العام بان كيمون حول الصحراء لسنة 2012. ذلك أنها قبل المؤتمر كانت تركز مضامينها على المواد الداعمة لتوسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء لتشمل مراقبة الوضع الحقوقي، لكنها بعد صدور التقرير دون تحقيق مأمولها لجأت "وكالة واص" إلى المسألة الثقافية (الثقافة الحسانية)، عبر تكثيف التغطية الإعلامية لأنشطة ثقافية كتنظيم مهرجانات سنيمائية وثقافية ورياضية، وتنظيم معارض في مدن أوربية وأمريكية. وإذا كان هذا التغيير عادي في إطار ما تقتضيه المواكبة الإعلامية، إلا أن غير الطبيعي فيه هو اختفاء المواد الإعلامية ذات المضامين المؤيدة لمسألة توسيع صلاحيات بعثة "المينورسو" في الصحراء، مباشرة بعد مصادقة مجلس الأمن الدولي بالإجماع على تمديد مهمة بعثة المينورسو إلى الصحراء لمدة سنة إضافية أخرى تنتهي إلى غاية 30 أبريل من سنة 2013. والحق أن هذا التطور قد عكس خيبة أمل الجبهة من عدم حصول أي تغيير على مهمة بعثة الأممالمتحدة، تلك الخيبة عبرت عنها البوليساريو حينما كالت الاتهامات لفرنسا بأنها تتبنى معايير مزدوجة. ويثير تطور الخط التحريري للدعاية الإعلامية لجبهة البوليساريو الكثير من التساؤلات، لاسيما وأنها تزامنت مع استقبال وزير الاتصال الجزائري بالجزائر العاصمة وفدا عن وسائل إعلام البوليساريو، واستعرض معه معالم استراتيجية العمل الجديد في إطار ما أسموه ل "دعم القضية الصحراوية". إن دراسة الخط التحريري لوسائل إعلام البوليساريو تكاد يتشابه كلية فيما يخص المنحى الإعلامي لمسألة النزاع في الصحراء بإضفاء اللاشرعية على ممارسة المغرب لسيادته الترابية على الأقاليم الجنوبية. هذا التماثل الإعلامي وإن على هشاشة أدائه إلا أنه قد يصبح مؤثرا وإن بصورة جد محدودة. إن مشروع الدعاية الإعلامية لجبهة البوليساريو، وحينما استوعبت فشل الدبلوماسية السياسية للجبهة والجزائر في توسيع صلاحيات "المينورسو" بدعاية إعلامية مركزة، تضع المواد الحقوقية على رأس أخبارها. إلا أنها بعد صدور تقرير بان كيمون سارعت إلى تجديد أسلوبها الإعلامي، جاعلة من المسألة الثقافية (الحسانية) محور مضامينها الإعلامية المبثوثة عبر وكالة "واص". ولاسيما بالتوافق مع مضمون الفقرة (68) من تقرير كيمون حول اتفاق الطرفين على ضرورة عقد حلقات دراسية بشأن الثقافة الحسّانية والتراث التقليدي الحسّاني والعادات الحسّانية بعد حلقة أخرى في البرتغال. وإذا كانت القضية الثقافية جزء من مبادئ حقوق الإنسان أو بالأحرى فإنها تعد جيلا جديدا منها، فإن الحافز الأساسي لتعديل النسق الإعلامي لوكالة جبهة البوليساريو نحو الحقوق الثقافية ليس وعيا بأهمية إثارة هذا الجيل الجديد من حقوق الإنسان، لكنه تعبير عن فشل البوليساريو في إعادة الروح إلى موقفها التفاوضي من خلال الورقة الحقوقية، التي جعلتها أساس الصراع ضد المغرب. إن عدم تنصيص تقرير كيمون على إحداث آلية مستقلة لرصد حقوق الإنسان في الصحراء يعد نكسة لمشروع سياسي ودبلوماسي للبوليساريو والجزائر، وتأكيد على أن الدبلوماسية المغربية لا تزال تحتفظ لنفسها بهامش كبيرة من المناورة، كالاستفادة من تجديد الترسانة الحقوقية، ومن الإصلاحات الدستورية ومشروع الجهوية الموسعة، والتي ستجعل القضية الحقوقية مرهونة بتدبير أبناء الصحراويين لشؤونهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية محليا وبشكل ذاتي. وعلى الرغم من ذلك يبقى أمام المغرب تحدي حقوق الإنسان خطرا والتي تستدعي المزيد من اليقظة. وذلك عبر مزيد من الترويج للإصلاحات السياسية والاقتصادية، ولاسيما دسترة الجهوية الموسعة كخيار أمثل نحو احتواء كل الصحراويين في مجتمع هم أسياد الأمر فيه. ومعلوم أن البوليساريو حديثا تنبهت إلى استثمار المسألة الثقافية لخلق التمييز الفكري والثقافي الاجتماعي للمجتمع الصحراوي في سياق تقويض معالم الاندماج المجتمعية التي يؤسس لها المغرب في الأقاليم الجنوبية. وإن يكن المغرب يستوعب هذا المخطط إلا أنه لا يمتلك استراتيجية ثقافية مناضلة تواجه مشروع الجبهة الانفصالية. ذلك أن المغرب بات يلخص مشروعه الثقافي في الصحراء على أساس تنظيم مواسم دينية وموسيمية وسهرات استعراضية، لا ترقى إلى مستوى رؤية ثقافية مؤطرة لوحدة المغرب في إطار تعدد مكوناته الثقافية. عبد الفتاح الفاتحي* *محلل سياسي مختص بقضايا الصحراء والشأن المغاربي [email protected]