الضحك نعمة ميز الله بها البشر عن سائر المخلوقات حيث ينظر إليه على أنه دواء هام لدفع التشاؤم واليأس، والترويح عن النفس، ووسيلة لدفع الملل الناتج عن حياة الجد والصرامة، وتنفيس عن آلام الواقع، ويعد الضحك أحد مناهج الحياة التي يمكن أن نزعم أن الإنسان ينفرد بها عما سواه من المخلوقات من حيوان ونبات وجماد، ويرى البعض أيضاً أن الضحك ظاهرة تجمع بين اللهو والحركة واللعب، حتى لينظر إلية علي أنه تمرين رياضي، وقد يكون وسيلة لإطلاق طاقة نختزنها في داخلنا وندخرها لمواجهة المواقف الجادة في الحياة، ونحن نطلق هذه الطاقة في صورة ضحك حين يتبين لنا أن الحياة ليست بهذه الجدية والخطورة ولا تتطلب كل هذا التحفز والانفعال فنضحك لأننا أخذنا المسائل بكل هذه الصرامة التي لا لزوم لها ! . الطب النفسي يقسم الوظائف العقلية – نظرياً – إلى الوجدان (العواطف)، والإدراك (التفكير)، والنزوع (السلوك) فإننا حين نضحك فإننا نمارس نشاطاً يتعلق بكل هذه الجوانب الثلاثة، أي أن الضحك هو عملية عقلية، ولتوضيح ذلك نفترض أن المرء قد تعرض لموقف فيه دعابة فإنه يحس بالسرور ينبعث في نفسه حين يفهم ما يعنيه الموقف ويدركه ثم يكون التعبير عن ذلك بالضحك تلقائياً. و هناك نظريات تقول أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يضحك ويبكي، لأنه يستطيع أن يرى فرقا بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن فعلا. و نظريات أخرى تقول إن الضحك، كالرياضة التنافسية، من القنوات التي ابتدعها الإنسان لتصريف مادة (ادريلانين) التي تفرز مع الشعور بالخطر، والتي كانت مناسبة مع ظروف عاشها في الماضي. قديماً انتبه الفلاسفة إلى هذه الحقيقة البسيطة، فعرّف الكثير منهم الإنسان بأنه "حيوان ضاحك"، وكان بوسعهم أن يعرفوه كذلك بأنه "حيوان يُضحك". فلئن استطاع ذلك حيوان آخر أو جماد، فلشبه فيه بالإنسان، أو للطابع الذي يضيفه عليه الإنسان، أو للغرض الذي يستعمله فيه الإنسان . ويقول "بوغوميل رانيوف" : "... سمات الخوف والجدة والألم توجد عند الحيوانات أيضاً، أما سمة الابتسام فلا توجد إلا لدى الإنسان، وهي قد تعبر عن الاحتقار أو ضبط النفس، عن التعاطف أو التحدي، عن الطبيعة أو عن شعور التعالي، وفي جميع الحالات يبدو الإنسان الباسم أقل قابلية للحرج في مواجهات الحياة. وهكذا فإن الضحك مرتبط ارتباطاً كلياً بالإنسان، إذاً فالإنسان هو مادة الضحك وموضوعه، وهو كذلك مُوَجِهَهُ وهدفه، فالإنسان هو الذي يضحك وهو الذي ينتج هذا الضحك"، وهو يضحك من وضع ما إنساني، فهو لا يضحك من القرد كقرد، بل لأنه قارن هذا القرد بالإنسان. ولو كان هناك مجموعة من ثلاثة مخلوقات، قردين وإنسان وقام أحد هذين القردين بحركات مضحكة فإن الذي سوف يضحك من بين هذه المخلوقات الثلاثة هو الإنسان، أما القرد الثاني فإنه لن يأبه بهذه الحركات أو أنها ستوحي له ربما بأشياء أخرى، والسبب في ذلك هو أن القرد الأول لم يقم بهذه الحركات بهدف الإضحاك، وإنما كانت تصرفات طبيعية، أما الإنسان فإنه يضحك نتيجة لتشبيهه لهذا القرد بالإنسان، ولذلك ضحك إذ أن قيام إنسان ما بمثل هذه الحركات يعتبر مثيراً للضحك . وكذلك، فإن الإنسان عندما يضحك من كلب، فلأنه كلب يتصرف تصرفات الإنسان، ويرى بعض الفلاسفة القدامى ومنهم ارسطو (Aristotle): "اننا نضحك على من هم أقل منا وعلى القبحاء من الأشخاص، والفرح يأتينا من الشعور بأننا طبقة أعلى منهم". ويرى سقراط (Socrates) أن: " السخرية تنبع من تجاهل الذات". أما هيجل (Hegel) فيقرر أن :" الضحك ينشأ نتيجة لوجود التناقض بين المفهوم والمعنى الحقيقي الدفين الذي يقدمه هذا المفهوم". وهو يشير إلى المفهوم ب"المظهر" الشيء الظاهر لنا وبالضحك يُنكر وجوده كلية. اما فرويد(Freud) فيرى أن: " الضحك ظاهرة، وظيفتها إطلاق الطاقة النفسية التي تم تعبئتها بشكل خاطىء أو بتوقعات كاذبة". يقول الفيلسوف جون موريال (John Morreall) أن :" الضحك الإنساني له أصوله البيولوجية كنوع من أنواع التعبير عند المرور بخطر ما". بيتر مارتينسون (Peter Marteinson) : "الضحك هو الاستجابة للإدراك الذي يقر بأن الكينونة الاجتماعية ليست شيئاً حقيقياً". قد يكون الباعث للضحك داخلي المنشأ كأن يتذكر الإنسان حادثة ما ، أو خارجي المنشأ سمعياً كسماع قصة ما أو بصريا كرؤية ما يسر العين أو لمسياً كمداعبة طفل أو شمياً كشم رائحة عبقة تجعلك تنتشي وتبتسم أو شم بعض أنواع الغازات الصنعية التي تؤدي لضحك إجباري وبلا سبب . كالغاز المضحك الذي اكتشفه " بريستلي " عام 1772م وهو عديم اللون ، له رائحة مقبولة وطعمه حلو خفيف ،وله تأثير مخدر عند استنشاقه بكميات صغيرة.. عندئذ يسبب ضحكاً هستيرياً ولهذا سمي بهذا الاسم أما إذا أستمر إستنشاقه فترة طويلة فإنه يؤدي إلى الموت ،إنه غاز أوكسيد النيتروز..أستعمل في الماضي نقياً للتخدير ولكن نظراً لأثارة الضارة والتي تمثل في نوبات الضحك الهيسترية فقد قل استخدامه في هذا المجال، أو استنشاق مسحوق شجرة الضحك ولهذه الشجرة ثمار صغيرة تحتوي كل منها على ثلاث حبات ذات اللون الاسود صغيرة الحجم، عند الاشتناق مسحوق هذه الحبات عدة مرات.. يصاب الانسان بنوبة شديدة من الضحك تتحول إلى الرقص يستمر لمدة نصف ساعة ثم ينام بعدها الانسان نوما عميقا. في بعض الحالات لا يكون الضحك تعبيراً عن السرور، فهناك الضحك الاجتماعي لمجاملة الآخرين، ففي اليابان مثلاً ينظر للضحك علي أنه واجب اجتماعي، وعلي الإنسان الذي ألمت به كارثة أن يرسم علي وجهة ابتسامة وهو يتلقى مواساة الآخرين، وهذا ما يطلق عليه أحياناً "قناع السعادة" أو كما في عنوان الرواية الشهيرة لإحسان عبد القدوس "العذاب فوق شفاه تبتسم"، أو كما ورد في تراث العرب "شر البالية ما يضحك"، وهناك تعبير المتنبي عن بعض المضحكات بقوله: "ولكنه ضحك كالبكاء"، وكل هذه المواقف وغيرها لا يمكن أن يكون الضحك فيها وليداً لمناسبة سارة. ليس ذلك فحسب فهناك حالات ومواقف مرضية نجد رد الفعل بالضحك نتيجة لبعض الاضطراب النفسي المؤقت مثل الضحك الهستيري، ونوبات الضحك البديلة للتشنج والتي لا تكون خلالها سيطرة العقل كاملة علي السلوك، ومنها الضحك نتيجة لمواد خارجية تؤثر علي الأعصاب مثل غاز أكسيد النتريك المعروف بغاز الأعصاب والمستخدم في الحروب الكيماوية، وعند تعاطي الكحول الذي يعطل آلية الكف أو المنع فنتج عن ذلك حالة انشراح عامة، وهناك الكثير من المواقف والملابسات التي تسبب الاستجابة لدى الناس بالضحك وقد حاول بعض الباحثين حصرها، ومنها الضحك للدهشة عند حدوث مفاجأة ما، والضحك عند مشاهدة الفشل البسيط الذي يمنى به الآخرون، وقد نضحك أيضاً لحدوث بعض المفاجآت غير المتوقعة أو المصادفات العارضة في بعض المواقف، وكذلك نضحك لدى مشاهدة أو سماع مفارقة جديدة أو نكته مثلاً. ومن المناسبات الأخرى التي تجعلنا نضحك – بخلاف التعبير عن البهجة والسرور – الاستجابة لضحك أو ابتسامة شخص آخر، أو أثناء الاشتراك في لعبة جماعية، وقد يكون الضحك أيضاً استجابة للمس الموضعي لبعض مناطق الجسم من جانب شخص آخر علي سبيل الدعابة وهذا ما يطلق علية "الدغدغة". أظهرت بعض الدراسات أن الضحك يوجد فيه اختلاف حسب نوع الإنسان، أي أنه يختلف ما بين الذكور والإناث من حيث تقبل مثيراته أو اختلاف فى طريقة الضحك نفسها. فالمرأة تُصدر أصوات للضحك فيها نغم وصوت حاد، أما الرجل فأصوات ضحكاته غليظة غير منتظمة. وعندما نضحك على موقف أو شخص فهذا يعنى إنكاره (وهذا يتساوى فيه كلا من الرجل والمرأة)، ويعتبر هذا النوع من الضحك الإنكاري وسيلة من وسائل تطهير العقل من جميع الخبرات والأفكار السلبية المحتمل وقوع النفس فيها. ومثال للتوضيح: عندما يرى شخص شخصاً آخر يقع على الأرض ينفجر فى الضحك، لأنه يدرك حقيقة رفضه لوقوعه هو نفسه، وبانطلاق الضحك فهو يحاول أن يبعد الفكرة السلبية للوقوع على الأرض عن ذهنه وتفكيره. وخلاصة القول فإن من اهم وظائف الضحك نذكر : • فضح المستور من ثقافة المجتمع. • ترسيخ صور نمطية تصل الى حد السخرية لشخص ما او منطقة ما. • التخفيف من وطأة القيود الاجتماعية. • ترسيخ عضوية الفرد في المجتمع. • اسلوب لمواجهة الخوف والقلق والخجل. • تحرير العقل من التراكمات والضغوطات النفسية اليومية