وأنا في عزلتي، تذكرت قبيلتي الأمازيغية التي تسكن وجداني، وحتى لا أنسى كنت بين الحين والآخر أستحضرها من الذاكرة. افتقدتها، وكتبت ما كتبت. وإليكم النص الحادي عشر من كتاب "سفر ابزو". 12 حنجرة الأسلاف أغوص فيك إلى أمد التوحد، أذوب في صمتك، صمت لا يريد أن ينتهي، صمت تأصَّل في تجاويف الفؤاد. الصمت هو اللغة الوحيدة التي أسمعها. الصَّدى هو ما تبقى منذ مئات السنين، ضاع الصوت ولم يبق منه سوى أسماء تنجرف ببطء مع توالي الأعوام، وتتشوه على ألسنة جاءت من جهة الجنوب، وتبخرت فيها المقاطع، والفواصل. أجل ما تبقى مجرد أسماء، ملقاة هنا وهناك، على تلَّة أو جبل، في سهل أو وادي..تعاند النسيان، وتعيد كتابة ذاتها في الخلاء معلنة هوية انتمائها الأزلي. وإذ تتعرى، تتوهج تحت أشعة شمس بارة، وتلمع على نغمات ضوء قمر يبقى على الدوام الشاهد الغائب على من أعلنوا ولادة الأسماء في هذا الفضاء الغارق في رموز لا يفك طلاسمها إلا من اعتلى عرش حنجرة الأسلاف، وامتطى صهوة عشقهم. للنغمة الحزينة الرقيقة حينما تتجلى له تقاسيم وجوه تخرج من العتمة، ونبرات حُلُوق رَوَّضت ذات تاريخ غربة أمكنة، وآنست وحشتها الرهيبة، ودَجَّنتها بأسماء لاحقت خطاها في رحلة بعيدة بدأت ذات حزن من نقطة اللاعودة، وانتهت في مرفأ الميناء المغترب، وكان الأسلاف! كانوا مناجم للكلمات، ومعاجم شفهية، كرماء على الأمكنة الصامتة، حين يكلمونها بأصوات تعزف على وقع أجمل النغمات، تنزلق من الحنجرة محدثة صليلا أشبه بصليل انسياب الماء على الحجر الصقيل، فتميد الأرض فيما يشبه رقصة صوفية. لما أنُصت لحنجرة أسلافي، فكأني ألج معبدا أجراسه ونواقيسه نبر الكلمات، أمازيغية تندلق حرة ترسم على وجهنا أرقّ النسمات، وإذ رحل الأمل ظلت زخات روائحها تعلو على الفناء، وتهزأ بالنسيان.