بعد الخطاب الملكي المعلن للإستفتاء الشعبي حول الدستور ظهر على الساحة المغربية فريقان: فريق حركة20 فبراير ومن معها من نقابة الأموي والعدل والإحسان والنهج الديموقراطي والطليعةوبعض اللامنتمين هنا وهناك..وهوفريق يدعو الى مقاطعة الإستفتاء.و يحمل شعار التغيير وسلمية ، وحضارية ، وشبابية.. وفريق المؤيدين للإستفتاء :وهو فريق يتكون من الأحزاب السياسية المعارضة أو التي في الحكومة، والزاوية البودشيشية،ومواطنون لامنتمين وبعض الشماكرية أيضاهنا وهناك ،وهذا الفريق يدعمه المخزن وترسانته الإعلامية بما أوتي من قوة وبيان.. وباسثتناء الصراع الذي شغل الفريقين حول من سيصوت ب"لا" أو "نعم" وهو صراع من وجهة نظري المتواضعة لايجدي نفعا، لأن الذي يهم كثيرا قد نسيه الجميع. فالقضية التى ينبغى أن تستحوذ على معظم تفكيرنا هي أي النماذج الاقتصادية سوف تسود فى المغرب الجديد مغرب الحراك الإجتماعي الجديد؟،وكيف يمكن أن نتجاوز الأزمة الحالية وأن نستفيد مما يحدث اليوم في العالم العربي؟.. نتيجة التصويت حسمت لصالح "نعم"، وهذه النتيجة حسمت حتى قبل الذهاب الى صناديق الإقتراع،والمشكلة في نظري المتواضع ليست في الدستور الجديد بل في العقليات وطبيعة النظام الأقتصادي السائد في البلاد وما يرتبط به من فساد وتحجر.. وهنا مربط الفرس. ثمة من أراد أن يحول لحظة الاستفتاء على الدستور في المغرب ، إلى "لحظة تاريخية" لاتنسى لإيهام الناس بأن المغرب مقبل على تحول كبيرلامثيل له، مع أن كل المؤشرات التي طبعت فترة الحملة الانتخابية في إطار التعامل مع حركة 20 فبراير ومن معها تدل على أن عقلية السلطة الحاكمة ما زالت هي نفسها لم تتغير. تخيلوا لو وضعنا للبلادأفضل دستور عصرى تقدمي في العالم، لكن القوى السياسية التى ستهيمن على السلطة المقبلة في مغرب مابعد التصويت على الدستور الجديد ستعيد إنتاج نفس النموذج الاقتصادي ونفس البنية العتيقة من العقليات والعلاقات السياسية والقبلية والعشائريةوالإجتماعية والحزبيةالفاسدةالتي سئم منها الناس والتي كانت سببا في خروج الناس الى الشارع يوم 20فبراير مع بعض التحسينات الشكليةبتغيير كل أو بعض الوجوه والشكليات والمكياجات الخادعة هنا وهناك.. لو حدث ذلك هل سيشعر غالبية المغاربة أن التغيير فعلا قد حدث ؟ أعرف الكثير من الناس البسطاء العاديين وما أكثرهم في مغربنا الحبيب صوتوا لصالح نعم وهم يعتقدون بتصويهم ذاك أنهم سيجدون بعد أيام معدودة شغلا وسكنا لائقا وسعيشون " فوق فكيك"كما يقول المثل الشعبي المغربي بدون فساد ولا رشوة و لاحكرة و لا محسوبية.. مثل هذه الفئات وأظن أنها كثيرة تزيد على نصف المجتمع وهي التي ساهمت بشكل كبيرفي الدفع بالتصويت بنعم، ورحبت بالدستور و هي لاتعرف حتى ما معنى الدستور..صوتت على الدستور نظرا لأنها هى التى دفعت أثمان العهد البائد وهي تنتظر الآن بفارغ الصبر بعد التصويت كيف سيساهم تصويتهم فى تغيير حياتهم..إن سبب خروج الكثير من الناس الى الشارع كل يوم ليس هو الدستورالجديد والدعاية للتصويت بنعم أو لا ،إن سبب خروجهم ببساطة يرجع الى كون أنهم ليس عندهم "شغل"، وبصيغة أخرى وبلغة العامة"ماكاين ما إتدار". وبما أنهم في فراغ قاتل ودائم وبدون "شغل"جاءت المناسبة لملء الفراغ، وسيستمر الخروج إلى الشارع والى ميادين كرة القدم والمهرجانات بمناسبة وبدون مناسبة مادام الناس في البلد بلا "شغل"، والبطالة أم الشرور كما تعلمون.. أغلب هذه الفئات لا يشغلها من هوالدستور ولاماهي الملكية الدستورية ولا البرلمانية ولا الفرق بينهما. ولا يشغلها حتى الديموقراطية نفسها ماذا تعني؟، لا يشغلها أيضا من هو الأصح: الإسلاميون أم اليسار؟! وهل السلفيون متطرفون أم معتدلون؟، ومن هو اليمين ولا اليسار؟ كل هذه المعارك لا تشغل بال كثير من هؤلاء المغاربة البسطاء.. الذى يشغل بال الإنسان المغربي هو كيف ستكون حياته وحياة أسرته بعد التصويت على الدستور، وهل سيجد شغلا وكم سيبلغ مرتبه، وهل يستطيع أن يحصل على سكن لائق، وأن يضمن لأبنائه تعليما جيدا، ومستشفى مؤهلا بالمجان، وبنية أساسية سليمة أم لا؟ ،والذي يشغل بال المواطن البسيط أيضا هوتلك الوعود المعسولةالتي يطبل ويغيط لها بعض المسؤولين الحزبيين هل ستتحقق؟،أولائك المسؤولون الذين منهم من يعد الناس بعد التصويت على الدستور بدخول المغرب نادي الكبار.ومنهم من قال بأن أوروبا ستستيقض يوم مابعد التصويت وستجد في جنوبها دولة ديموقراطية كبيرة تنافسها.ومنهم من قال بان التصويت بنعم سيبلور تغييرا ملموسا عاجلالاآجلا سيكون لصالح الشعب مباشرةبعد التصويت..وهذاكل ما يتمناه كل مغربي.لكن ما هو مؤكد وسبق أن جربه المواطن المغربي هو أن بعض الوجوه التي اطلقت تلك الوعود هي نفس الوجوه القديمة التي تطلق في كل مرة مع الحملات الإنتخابية السابقة وعودا معسولة كثيرة وبراقة،وما ان ينجحوا حتى يقلبوا المعطف ويختفوا عن الأنظار،وهي نفس الوجوه التي سئمها الناس ويسعون الى تغييرهالأنهم سبب كل ما يجري في البلاد من مأساة ورشوة وأكاذيب وانعدام الثقة.. إذا كان الهدف هو تعديل الدستور..ومن دون القضاء فعلاعلى الفساد والفقر والبطالة والرشوة والمحسوبية وتحقيق التوزيع العادل للثروة، وإعطاء فقراء هذا الوطن الأمل فى غد مشرق، فأكيد جداسيذهب الدستور أدراج الرياح حتى لو كان أرقى الدساتير في العالم..وإذا فشل جمل الإصلاحات في الوقوف على قدميه في البلاد بعد التصويت على الدستور الجديد سيكتشف البسطاء زيف شعارات المخزن ومن ولاه من أحزاب كارتونية ونقابات انتهازية التي تطبل وتزمر للتغيير والإصلاحات الورقية الوهمية.. وسيكتشفون بأنهم مجرد مواطنون يسكنون في دار غفلون، وربما هذا سيكرس أجواء الإحتقان بشكل أكبروسيعزز جيش الساخطين في الشارع. وسيعيد إلى الأذهان إيجابيات مطالب وشعارات تحملها حركة 20 فبراير ومن معها لأن كل المخططات التي قامت بها الدولة وأقدمت عليهالم تقدم إجابات شافية وحقيقية على مطالب الناس..وهنا ستكون الكرة من جديد في ملعب السلطة هل ستفتح صدرها لمعارضيهالمواصلة احتجاجهم في الشارع بعد التصويت ، خاصة وأن أصحاب مطالب التغيير يعتبرون أن ما جاء به مشروع الدستور الجديد منذ البدايةلا يستجيب لمطالبهم والمعارضة كما تعلمون هي المرآة الحقيقية التي تعكس بشكل واضح الاختلالات المحتملة لأي مشروع سياسي مما يضمن إمكانية إعادة تشخيصها والسعي لعلاجها،أم أن السلطة ستتدخل لتكميم الأفواه والضرب بيد من حديد على من تجرأ أن يخرج الى التظاهر في الشارع ولو كان لإحتجاجاته ما يبررها في الواقع المغربي؟ محمد حدوي