لسان الحال: لغة العيون عندما يحط قطار حياتك عرباته على سكة الزمن ، تترك القيادة للقدر ، على ثقة تامة في المقدر ، ثم تمضي العربات في طريقها رتيبة مملة ، و قد يحدث أن تشد إلى عرباتك عربات أخرى ، طوعا أو كرها. و يسير الكل في نفس المنحى ... ثم ذات يوم ، و بدون سابق إنذار يضيء نور قوي، تتكشف معه معالم الطريق ، بقبحها و جمالها ، تنبهر بالنور بداية ، ثم تسري رعشة الخوف في جسدك ، فتتمنى للحظة لو بقيت في عتمة الظلام لا تعرف وجهة و لا مآلا ، و تقاوم ثم تقاوم ، فتضعف و تضعف أمام سحر النور ، فتستسلم و تتحول اللاءات إلى نعم . و تحاول فرملة القطار و الرجوع إلى منبع الضوء ، لكن تتعالا أصوات الركاب ناقمين ساخطين ، فترق لدمع الأطفال ... لتجد نفسك في حيرة ما بعدها من حيرة ، صراع القلب و العقل ، قلب يريد الرجوع و عقل يصر على الاستمرار ، و بينهما لذة الأمل و مرارة الألم ، و شوكة الضمير تخز هنا و هناك... تستشير و تستغيث و تفكر ، ثم تفتي لنفسك بنفسك ، فتدخل باب أخف الأضرار ، و تقرر منح العقل لمن يريده ، و تستودع القلب عند من يريده ، و هي لعمرك أقسى من التشريح... تبتسم من الشفاه ، و تضحك من الشفاه ، و تخترع كلمات لم تقلها ، و نكات لم تستطبها ، و مراسيل لم تكتبها ، و حركات لم تفعلها ، فتغدو و تروح جسدا بلا روح ، في شرود دائم ، و تتحسس صدرك من حين لآخر فتكتشف أن رئتك تنبض أكثر من ماكينة قلبك ... و عند غلق الجفن يفتح ستار الذكريات ، لحظات قصيرة و مركزة في السعادة، فتسقط منك ، سهوا ، ابتسامة صادقة و ضحكة صادقة و تنهيدة صادقة ...ثم يفتح الجفن و يغلق الستار ، و تعود ممثلا كما كنت ... إلى متى؟؟؟ سيفضحك بريق عينيك ، و قطرة دمع تفلت من بحر حزنك ، لا يلحظها إلا من أتقن لغة العيون ، و تفرس الجفون ، و سبر أغوار المكنون ... و في خلوات النفس تقرر الانتفاضة ، و فك أسر القلب ، فلا المكان مكانك و لا الثوب ثوبك و لا الدور دورك، و تؤمن يقينا أن ما أصابك هو القدر و الاحتفاظ به هو القرار... يونس حماد [email protected]