انتشرت في الآونة الأخيرة تجارة الأقراص المدمجة أو " السيديات "، ظاهرة لا يكاد يخلو منها سوق أو شارع أو محطة... و ما زاد من انتشارها هو إغراق السوق المغربية بالاقراص الصينية أو التايوانية الرخيصة الثمن ، و انتشار آلات" الفيسيدي " و "الديفيدي"، بالإضافة إلى انتشار آلات "الكرافور" في ظل رقابة قانونية ضعيفة عموما . و لا ننسى شبكة الانترنيت التي سهلت الحصول على المادة المقرصنة من أغاني و أفلام ... و تبقى الأغاني الشعبية في مقدمة المبيعات. الشاب فلان، و الشابة فلانة، وفلان ولد فلان، و فلان الفلاني.... أسماء سطعت ببين عشية و ضحاها في سماء الأغنية الشعبية المغربية. يحفظها الشباب عن ظهر قلب، فترى الواحد منهم يضع سماعة في أذنيه في الشارع و في الحافلة و في سيارة الأجرة ، بل و حتى على ظهر دابته .أو يطلق صوت جواله عاليا مستمتعا بهذه الموسيقى ، فتراه يدندن و يترنم و يتمايل برأسه الصغير ذات اليمين و ذات الشمال ، في قمة النشوة و التذوق و الاستمتاع. و في بعض الأحيان يفرض عليك سائق الحافلة أو سيارة الأجرة أن تشاركه استمتاعه، فتفتح أذنيك على مضض لما هب و دب من الكلمات. ما هذا؟؟ جمل منفصلة غير ذات معنى، لا توحدها إلا قافية مصطنعة: فأس....كأس....رأس....بأس.... و طنطنة آلات إيقاعية غريبة يشبه صوتها صوت قرع علب حليب الأطفال الفارغة . ومطرب أو مطربة أعجبته نفسه فراح يمد و يتأوه و يليل و يعين و صوته يتموج و يتداخل ، و قد استفاد ، لحسن حظه ، من هذا الحاسوب الذي يغني عن كثرة الموسيقيين ، و يحول أنكر الأصوات إلى زقزقة بلابل. و يبدأ صاحبنا سنفونيته بإهداء طويل إلى أبيه و أمه و صاحبته و بنيه و فصيلته التي تأويه.... و كم كانت دهشتي كبيرة حينما أخبرني أحد الشباب أنه ينصت إلى إحدى المغنيات و صوت التلفاز مقطوع ؟؟؟؟؟ لأنه ببساطة يتفرج على ذاك الجسد المتمايل، و المهم عنده هو الفيديو و ليس الأوديو... تتناسل هذه الأغاني و مغنوها بشكل سرطاني مخيف ، و لربما تنتج الأغنية الواحدة كلمة و لحنا في يوم أو يومين . و رحم الله محمد عبد الوهاب الذي حصل على كلمات أغنية " إنت عمري " سنة 1958 و لم تغنيها أم كلثوم التي لحنها لها إلا في سنة 1964 ، و لا زالت هذه الأغنية خالدة إلى يومنا هذا. نعم تختلف الأذواق ، ولا يمكن أن ننمط أو نوحد الحس الجمالي ، و لكن هناك حد أدنى من المعايير الجمالية و الأخلاقية التي لا يختلف عليها اثنان : كلمة هادفة بصوت جميل و بشكل لا يخدش الحياء و لا يتمرد على القيم. يونس حماد [email protected]