تطرق العديد من الملاحظين التربويين، السنة المنصرمة، إلى بعض تمظهرات أزمة التعليم بالمغرب، كالمرتبة المتأخرة في التقرير الدولي ونواقص عشرية الإصلاح ثم قلة الموارد البشرية، إضافة إلى الاكتظاظ وضعف التجهيزات والمردودية. الشيء الذي حدا بالوزارة الوصية إلى الخروج بخطة استعجالية للإنقاذ ونحن في هذا المقال، نود التركيز في المقابل على \"الأهمية الاستعجالية\" لرفع الحظر على التعميم الشامل لتدريس الفلسفة في مختلف مؤسسات التعليم عوض حرمان التلاميذ من دراسة هذه المادة الحية، كما هو الشأن بثانوية الزرقطوني بتنانت – التي نوردها هنا على سبيل الأنموذج والمثال- حيث لم يلتحق بها قط أستاذ مادة الفلسفة، زد على ذلك أن تلامذة الجدع المشترك بثانوية فم الجمعة التأهيلية حرموا من هذه المادة طيلة الموسم الدراسي 2007/2008 أمام هذه الظاهرة المتكررة، نطرح تساؤلات عدة : كيف للتعليم ببلادنا أن يتمكن من تأصيل قيم الحق والعقل والخير والجمال والمحبة والسلام والتسامح والحوار الحضاري بتغييبه للفلسفة؟ كيف لمجتمع يغيب الفلسفة أن ينشر ثقافة المقاهي الأدبية والصالونات والنوادي الفلسفية والجامعات الشعبية كفضاءات عمومية لتطارح فلسفي نقدي للمشكلات والقضايا والهموم والاهتمامات المتعلقة بأوضاع الإنسان في المجتمع المعاصر، مجتمع العولمة بكل تفاعلاتها وتحدياتها؟ ألا يعلم أصحاب الخطة الاستعجالية أن الفلسفة قد أنيطت بها خلال تاريخها الكوني مهام معرفية واجتماعية ساهمت في شرعنة وتوجيه الفكر والممارسة لمقاومة الرداءة الفكرية والخرافة والمعتقدات الرجعية؟ أيعد هذا الحرمان امتدادا لحدة تهميش الفلسفة بالتعليم المغربي بسبب التصورات الإنتقاصية التي ما تزال تهيمن على الوعي الشعبي والممتدة جذورها إلى عصور المدارس العتيقة والجوامع والزوايا، عملا بمقولة \"من تمنطق تزندق\"؟ ألا نحرم التلاميذ كمراهقين من الحسم إلى حد كبير في توجههم الفكري والعملي بحسب ما سيتلقونه من إجابات حيال العديد من القضايا التي يطرحون بشأنها أسئلة كبرى في الدرس الفلسفي باعتباره مصدرا مهما من مصادر هذه الإجابات؟ ألا يمكن الدرس الفلسفي في هذه المرحلة، التلاميذ من إدراك مفاهيم الفكر الفلسفي العام والفكر الإسلامي في غناه وتنوعه ماضيا وحاضر؟ ألا نحرم التلاميذ من الفكر العقلاني المرتكز على السؤال والتساؤل والتشكك والتشكيك والنقد والذي يمكنهم من القدرة على اجتراح الأسئلة واقتحام التفكير في تفاصيل الواقع الطبيعي والاجتماعي؟ إن الفلسفة أضحت ضرورية في هذا الزمن المعولم بالذات، لتفنيد كل فكر محتضن للتقليد في مضمونه السلبي، وقبول كل فكر يروم الحداثة والتنمية والتنوير والتركيب الجديد... وفي خضم هذه التساؤلات المنطقية والموضوعية يبقى تلامذة مؤسسة الزرقطوني بتنانت كباقي نظرائهم في المؤسسات التعليمية الأخرى على أمل عدم حرمانهم مرة أخرى هذه السنة من الفلسفة ودروسها، ولسان حالهم يقول متسائلا: \" أينك يا أم العلوم ؟\" المسلك سعيد