المدينة يلفها الضياع للموت مدنه الخاصة ، كما للأشياء الأخرى مدنها أيضا. يقولون : مدينة الثقافة و الفنون ، ومدينة الأنوار ، ومدينة الضباب..أما مدينة دمنات فقد استحوذت على صفة واحدة استحواذا شديدا إنها مدينة الموت. الناس ميتون ولكنهم يسيرون باجتهادهم الخاص ، إنهم ينتظرون في غرف انعاش كبيرة ينتظرون كباقي الكائنات ريثما يتدبر البعض كيفية التخلص منهم . \" با محمد ' كان شاهد عيان عندما حلت اللعنة بالمدينة ، قبل سفره إلى المجهول ، كان كان يمتلك فيها الفرح ، ولا يحب أن تغيب عن خاطره، غادرها ولم يكن بحوزته غير أحلامه وآلامه هي ما تبقى من عالمه الصغير . خرج من دمنات خالي اليدين وقد غابت عنه نوازع العودة والحنين إليها . كلما عثرة على صورة قديمة للمدينة إلا واستحضرت ذاكرتها وناسها ورجالاتها وعلمائها وطرقها الضيقة وحوانيتها الصغيرة وأحيائها الملتوية ؛ استحضارا وكأنه الوداع ، الصور تلك كانت تمثل شاهدا مؤلما لمدينة دمنات . وكأنها بصدد العبور من الحياة إلى الموت . أو كأن تلك الشهادات هي الشهادات الأخيرة. إن التعرف واكتشاف مدينة مغمورة ومهشمة معظم مآثرها التاريخية مشوهة وآخدة في الزوليس أمرا سهلا بالنسبة للزائر . الكل يتوقف على محاولة المسك بما يظهر للبصر هشا وهاربا وعلى إيقاف ذهاب وإياب الكائنات التي تعج بها الأحياء والأزقة والأسواق والدكاكين الممتلئة بضاعة وألوانا وضلالا وروائح تنفذ إلى تجاويف الرئتين . ثم أخيرا تبقى تلك الهندسة المعمارية التي تمتاز بها دمنات . فالحديث ابتلع القديم ، وتهافت الانتهازيون عبر مراحل ، على معالم المدينة واجتثاتها وطمس ذاكرتها ، فبعد إزالة باب العيد وباب القصبة ثم الهجوم على الأسوار ( السور والدور) ومدارها ، كما تم اقتلاع العديد من الأشجار التي كانت تعتبر بحق جزءا من ثراث المدينة وهيبتها.