سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في خطاب أمام الدورة العاشرة لقمة المؤتمر الإسلامي..جلالة الملك محمد السادس يدعو إلى التفعيل الأمثل للعمل الإسلامي المشترك ويؤكد أن قضية الشعب الفلسطيني الشقيق ستظل أهم انشغالات المنظمة
ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس ورئيس مجموعة 77 زائد الصين أمس (الخميس) خطابا هاما أمام الدورة العاشرة لقمة المؤتمر الإسلامي التي انطلقت أشغالها أمس ببوتراجايا العاصمة الإدارية لماليزيا، وفي ما يلي نص الخطاب الملكي السامي: >الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه، معالي السيد مهاتير محمد، الوزير الأول لمملكة ماليزيا، ورئيس القمة العاشرة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي، حضرات السيدات والسادة، يطيب لي أن أعرب لكم، أخي العزيز، معالي الوزير الأول، عن خالص الشكر، على استضافتكم هذه القمة، وعلى ما وفرته الحكومة الماليزية الشقيقة من ظروف لإنجاحها. كما أهنئكم على تولي رئاستها، موقنا بأن ما تتحلون به من حكمة وبعد نظر سيمكن منظمتنا من النهوض بمسؤولياتها على الوجه الأكمل. ولا يفوتني في هذا السياق، أن أعرب لأخينا المبجل، صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر الشقيقة، عن كامل التقدير لما بذله من جهود موفقة، خلال رئاسته للقمة السابقة. إننا نلتقي مجددا في رحاب هذا البلد الأصيل، عاقدين العزم على بذل المزيد من الجهود لتحديد رؤية إسلامية واقعية، تمكننا من مجابهة التحديات التي تفرضها الظرفية الدقيقة الراهنة، والتحولات الدولية المتسارعة لعالم ما بعد الحادي عشر من شتنبر 1002، من خلال تفعيل التضامن الإسلامي، وتعبئة طاقاتنا، لخدمة القضايا العادلة لأمتنا، والحضور الفاعل لنشر السلام والوئام في كل مناطق التوتر، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، فإننا ما فتئنا، نقوم بكل المساعي الهادفة إلى تحقيق السلام في هذه المنطقة، وتغليب منطق الحق على منطق القوة، برغم ما اتخذته الأحداث من منحى له عواقب وخيمة. وستظل قضية الشعب الفلسطيني الشقيق أهم انشغالات منظمتنا، مواصلين التزامنا بالشرعية الدولية، ونهج التفاوض، مجددين تمسكنا القوي بالسلام العادل والشامل، وبضرورة الانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة، بدل تصعيد إسرائيل للتوتر في المنطقة بالاعتداء الآثم على سيادة سوريا الشقيقة. وهو ما يتعارض مع الإجماع الدولي على تهدئة الأوضاع بالمنطقة، لاستعادة مناخ الثقة والحوار وبناء السلام. ولن يتحقق ذلك إلا بتمكين أشقائنا الفلسطينيين من استرجاع حقوقهم المشروعة، بإقامة دولة مستقلة، عاصمتها القدس الشريف تعيش في سلام ووئام جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل. وإذا كانت خارطة الطريق التي حظيت بالتأييد الدولي، وقبلتها جميع الأطراف، قد حملت معها وميضا من الأمل في حل القضية الفلسطينية، فهل توفرت لها أسباب التنفيذ الناجع لجعل حد للصراع في المنطقة؟. وبالرغم من أن دوامة العنف ما تزال تحصد أرواح الأبرياء كل يوم، مما يعكس تغلب منطق العنف والتصلب، ويضع العراقيل في طريق السلام، فإننا أشد ما نكون تشبثا بنهج التفاوض السلمي، باعتباره السبيل الذي لا محيد عنه لتحقيق السلام المنشود. وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، فإننا لم ندخر أي جهد في تحسيس الأطراف المعنية، بخطورة الأوضاع وبضرورة التدخل لإقناع الحكومة الإسرائيلية بالالتزام بمقررات الشرعية الدولية وصيانة الهوية الحضارية لهذه المدينة، التي تآخت فيها الأديان السماوية الثلاثة. كما أننا ندعو إلى تمكين الشعب العراقي الشقيق من ممارسة سيادته وصيانة أمنه واستقراره، ووحدته الوطنية والترابية، من خلال مؤسساته الديمقراطية، والإسراع بإنجاز عملية إعماره، بمشاركة فاعلة لمنظمة الأممالمتحدة. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي.. لقد كان الإرهاب وما يزال، أحد التحديات التي تواجهنا، إذ امتدت أياديه الإجرامية إلى عدد من دولنا الإسلامية، بهدف زعزعة استقرارها. إلا أن الإرادة الراسخة للمغرب، ملكا وشعبا، في توفير الأمن والطمأنينة لمجتمعنا، جعلتنا نتصدى لآفة الإرهاب بما يستوجبه الظرف من جدية وحزم، متشبثين بالخيار الديموقراطي ومسلحين بإجماع شعبنا على إدانة هذه الظاهرة الخارجة عن ثقافتنا، وقيم ديننا السمح التي تحرم سفك الدماء وتدعو إلى السلم والتعارف، وتتنافى مع كل الادعاءات التي تنسب لديننا الحنيف، المبني على تكريم الإنسان. إن بناء الإنسان كان دائما ضرورة ملحة، وهو اليوم أكثر إلحاحا. لذا فإنه يجب علينا أن نولي الأهمية اللازمة للتربية والتعليم السليم، انطلاقا من الوعي بمتطلبات العصر ومقتضيات المستقبل. وذلك بغية إعداد النشء الصالح المتشبث بروح المواطنة، القادر على التمييز والاختيار، والمدرك لمسؤولياته تجاه مجتمعه، بفهم صحيح لحقائق الإسلام الثابتة، وما توفره من أسباب الحصانة والمناعة، التي تحمي كياننا الإسلامي من الانحراف والجهل والتطرف. إن الخروج بمجتمعاتنا من آفات الأمية والفقر، التي تقود إلى اليأس وفقدان الثقة في المستقبل، هو من أكبر التحديات التي تواجهنا اليوم، وتفرض علينا تركيز جهودنا من أجل تحسين الأوضاع الاجتماعية لشعوبنا، وتسخير كل الإمكانات المتاحة للحد من هذه الآفات، وتحقيق التنمية المستديمة، باعتماد مقاربة شمولية، تتكامل فيها الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والتضامن الاجتماعي، التي هي قوام الأمن والاستقرار. ولبناء شخصية المواطن المسلم، الوفي لهويته، والمنفتح على عصره، فإني أقترح عليكم إعداد خطة محددة، في الآماد، ووسائل الإنجاز والتقويم لمحو الأمية، التي هي وصمة عار في جبين أمة كان أول ما نزل من كتابها العزيز إقرأ باسم ربك الذي خلق. وفي زمن العولمة الشمولية الكاسحة، فإنه لن يسمع لنا صوت، أو تحترم كلمتنا بين الأمم، ما لم نعمل جاهدين على وضع أسس صلبة، لتضامن اقتصادي قائم على ما رزقنا الله من ثروات مادية وطاقات بشرية، تؤهلنا لأن نكون حاضرين بفعالية في الاقتصاد العالمي، ولا سيما والإمكانات لا تعوزنا. وإنما ينقصنا التخطيط المحكم لسياسة اقتصادية منفتحة ذات أهداف مشتركة، وتوافر إرادة جادة. ولنا في التاريخ القريب بعض التجارب التي علينا أن نسترشد بها لبناء منظومة اقتصادية متكاملة تراعي مصالح الجميع. ولن يكون بوسعنا كدول منفردة أن نواجه تحديات العولمة، أو ننتظر من غيرنا النهوض باقتصادياتنا، إذ لابد من أن نعتمد على ذاتنا، وأن نجعل من العنصر البشري الوسيلة والهدف في معادلة التنمية، واعتماد ديمقراطية القرب والمشاركة، للقضاء على البطالة والفقر والأمية لتحقيق ما نتطلع إليه من تقدم وازدهار لبلداننا، ولا سيما منها الشعوب الإفريقية التي يجب أن نرقى بتضامننا الإسلامي الفعال معها إلى مستوى ما تعانيه من ضعف الوسائل بالنسبة لطموحاتها الواعدة مثل مبادرة النيباد. وذلكم هو النهج القويم لإزالة كل أسباب الإحباط والكراهية واليأس التي تتحول من خلال العنف والإرهاب إلى حقد ونزوع إلى الإضرار بالغير. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي إن إيماننا الراسخ بأن للأمة الإسلامية كل مقومات التضامن الذي هو عماد مكانتها الدولية في الدفاع عن قضاياها العادلة، يجعلنا ندعو إلى التفعيل الأمثل للعمل الإسلامي المشترك، في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، التي كان للمغرب شرف انبثاقها على أرضه، واستضافة قممها الحاسمة. لقد آن الأوان لإعادة النظر في هياكل ومناهج عملها، وتأهيل أجهزتها لتكون أداة فاعلة للتنسيق والاندماج الاقتصادي والتفاعل مع المجتمع المدني والدفاع عن الإشعاع الحضاري للإسلام. فالإرث الحضاري المشترك لأمتنا يلقي على عاتقنا جميعا أمانة عظمى، تدعونا إلى مضاعفة الجهود للحفاظ على المصالح العليا لبلداننا، وتحصين مناعتها ضد التفكك والتمزق. كما تفرض علينا انتهاج التفاعل الإيجابي مع الحضارة الكونية، لنؤكد حضورنا كتجمع دولي فاعل، في عالم لامكان فيه للكيانات الضعيفة، أو المنغلقة أو المصطنعة. كما حان الوقت للتمييز الضروري بين المعوقات الذاتية والموضوعية، والأسباب الحقيقية والمفتعلة، والعوامل الظرفية والهيكلية، المعيقة لتقدم أمتنا الإسلامية. هذه الأسباب التي يعتبر أخطر ما فيها أنها تصرفنا عن مواجهة الواقع، وعن مكاشفة أنفسنا بالنقد الذاتي، الذي هو المنطلق الصحيح لتقويم ما يعتري مجتمعاتنا من خلل، مصداقا لقوله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وإني لواثق مثلكم إخواني قادة الدول الإسلامية، من أن قمتنا هاته، ستكون فرصة ثمينة لتدارك ما فاتنا لتجسيد الأخوة الإسلامية في أسمى معانيها، باعتبارها أبلغ رسالة نعبر بها عن تشبثنا بقيم التسامح والتضامن ونشر السلام في العالم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته