(وما تدري نفس بأي أرض تموت) صدق الله العظيم بعد سنوات قضاها الشهيد مصطفى الأحرش، مدافعا عن جنوب وطنه ضمن فعاليات المجهود المقدس لقواتنا المسلحة الملكية المرابطة في ثغور الصحراء... يشاء القدر أن يرحل نحو الشمال في طلب الرزق ليعيل أطفاله الستة وأمهم التي تمرست على قبول غيابه المحارب جنوبا وشمالا... في جنوب الوطن كان الشهيد يمتشق سلاحه ويصوب رصاصه نحو مرتزقة الحرب الباردة ودروع حماية سلاطين الانفصال، المنعمين في فنادق الجزائر وإسبانيا وأمريكا اللاتينية... وفي شمال الوطن كان الشهيد يمشي في الأسواق تاجرا، يحوم، كما آلاف المغاربة، حول مدنهم السليبة (سبتة ومليلية) يفيدون من أجواء الانحلال الاقتصادي المميز لهذه المنطقة... في كل الأحوال لم يكن الشهيد مصطفى الأحرش يفكر في أن الرصاص الذي تركه جنوبا وأخطأه آلاف المرات، يمكن أن يضع حدا لحياته في شمال وطنه، حيث للاستعمار استمرار بليد من نوع آخر... صحيح إن المغاربة قد يفهمون ويفتخرون في الآن ذاته بارتفاع شهدائهم إلى عليين في امتدادات القساوة الصحراوية اللامتناهية والمنفتحة على كل معاني البطولة والصبر وعلياء الوطن... لكن هل يمكن أن يفهموا أو يقبلوا أن يسقط رجالهم المدنيون برصاص قناصة جبناء يتسكعون على أرض مغربية سليبة تذكر بالتاريخ الغابر/الحاضر للحروب الصليبية؟! إن حدث استشهاد مصطفى الأحرش، المواطن المدني عنوان على استمرار عقلية تصويب المدافع نحو كبرياء الوطن من قبل من لا يمكن أن يظفر بغير لقب المستعمر... مهما تزيا بأثواب التحضر والمدنية... هي عنوان على استمرار اشتغال منطق القوة والكراهية في نفوس من لا يدركون أنهم يحتلون أرضا مغربية ويوجهون من فوقها رصاصا لمغاربة مسالمين...! إن الرصاصة التي اخترقت جسد الشهيد مصطفى، اخترقت جسد الوطن برمته... ضرجته بالدماء... أعلنت أن ساعة الانتفاضة قد دقت من أجل أن يهتز هذا الوطن ويرتفع صوت رجاله ونسائه لوقف هذا العبث بشرف وكرامة المغرب... وحتى لا يموت أبناؤه على مشارف مدنهم المستباحة... قطعا لو اطلع مصطفى الشهيد على الغيب، وعلم أنه سيموت شهيدا على تراب وطنه بالطريقة الجبانة التي أطلق بها خوسي كارسيا رصاصته الغادرة... لجاءه شرسا محاربا متسللا في ظلمة الليل أو مواجها في واضحة النهار ليعلمه درسا من دروس المقاومة التي يعبق بها شمال الوطن وتتلأ معانيها في ذاكرة النفوس الشهمة لأبنائه... إنه لمن الواجب أن نتساءل اليوم.. ما الفرق بين سبتة ومليلية وبين بغداد والقدس...؟ ولماذا تأخرت المقاومة في شمال المغرب؟! لعل رصاصة خوسي كارسيا الغادرة ودماء الشهيد مصطفى الأحرش الزكية... تقربنا أكثر من ساعة الإجابة... الحبيب الشوباني