من النادر جدا أن تقع عين المشاهد المغربي على مادة جيدة ضمن سلسلة المواد الفنية التي تعرضها القناة الثانية، ومن المسلم به جدا أن يعثر هذا المشاهد على مادة تستبلد حسه وتقتل روح مقاومته لكل دنيء، وتخرب جهاز مناعته ضد مظاهرالقبح والنذالة التي تكرسها المسلسلات المكسيكية وبعض الأفلام العربية والدولية ومعظم الأغاني والمسلسلات الهزلية. فقبح القناة ولغطها كثير، فيما نفعها ونبلها قليل. وضمن خانة وما ينفع الناس فقليل أعادت هذه القناة، مشكورة، بث فيلم مغربي قيم بداية الأسبوع تحت عنوان النية تغلب من توقيع المخرجة المقتدرة فريدة بليزيد. وقد حمل سيناريو هذا الفيلم، الذي صورت جل مشاهده بمدينة طنجة، للمشاهد العديد من الرسائل التربوية، واستبطن الكثير من القيم الإسلامية النبيلة، من قبيل طاعة الوالدين والإحسان إليهما، والتوبة، وصفاء السريرة أوالنية بالتعبير الدارجي المغربي، والحرص على تيسير الزواج من ذوي الأخلاق النبيلة بصرف النظرعن حجم الأموال التي يملكونها أو الجاه الذي يحوزونه، والنصح للآخر والحشمة. ومن أجمل لحظات فيلم النية تغلب، حوار عكس صورة طالبة جامعية محجبة( ترتدي سترة الرأس)، وهي تسدي النصيحة لصديقة لها، أشرفت على الزواج، بوجوب أداء الصلاة وارتداء الزي الإسلامي. هذه المعاني النبيلة التي اختزلتها نصيحة الطالبة الجامعية، وجدت طريقها إلى قلب صديقتها التي سرها أن يكون المولى عز وجل أكرم الطالبة الجامعية بالهداية، فتمنت أن يكتب لها الهداية هي أيضا، برغم الإعراض الذي أبدته في مستهل الحوار الثنائي، بزعم يكاد يكون عاما لدى جل المغربيات، هو أن بعضا من اللواتي يرتدين الزي الإسلامي لا يؤدين حقه، وأن هذا الزي يقف عائقا أمام الكثير من الفتيات في الظفر بشريك للحياة، وهي شبهة أزاحتها الطالبة بالتأكيد على أن الحجاب يترجم ارتباط الفتاة بربها ويعكس تجردها من تأثيرات المقصرين والمتربصين. ومن اللقطات المؤثرة في الفيلم حوار آخر اختزن جملة من الوصايا اختارت أم الطالبة أن تهمس بها في أذن ابنتها، ويتعلق الأمر بطاعة الوالدين، برغم الأخطاء التي قد تصدر منهم في حق أبنائهم، أو صدرت من أحد الوالدين في حق الثاني. وصايا جليلة وعتها الطالبة الجامعية فراحت تقبل يد والدها الذي كانت قاطعته بعدما علمت أنه يريد الزواج من فتاة، ظهر في ما تقدم من مشاهد الفيلم أنها تمتهن الجلوس في قارعة الطريق لتصيد الغافلين. وبشكل عام، نقل فيلم النية تغلب للمشاهد صورة مصغرة عن المجتمع المغربي المحافظ، ومشاهد من عمق الأسرة المغربية الأصيلة التي تحرص على تثبيت معاني المحبة والألفة والحشمة وتحريرالقلوب من الغلو والأحقاد (قصة النية تغلب قلة النية)، كما آثرالفيلم ألا يعرض لقطات خليعة، أو مشاهد مخلة بالآداب العامة، وهو برأينا اختيار بمثابة رسالة من المخرجة المقتدرة إلى كل من يزعم أن الإبداع السينمائي لا يتم إلا من خلال عرض الأجساد العارية، وإثارة الغريزة الجنسية لدى المتلقي. نتمنى مزيدا من التوفيق للمخرجة فريدة بليزيد في مشوارها السينمائي، وندعو كل المخرجين المغاربة وكتاب السيناريوهات إلى أن يجتهدوا في تقديم مواد فنية راقية تحترم ذوق المشاهد المغربي، وتخدم قضاياه الجوهرية الوطنية، وتغني رصيده المعرفي، بعيدا عن الإسفاف والنذالة، كما نهيب بالقناة الثانية ومعها القناة الأولى بأن تكفا عن بث كل ما يصادم القيم الأصيلة للمجتمع، ويستخف بمشاعر أبنائه، ويفسد أذواقهم الفنية والجمالية، وأن تحرصا بالمقابل على إمتاع المشاهد بكل ما هو نبيل وجميل ورفيع.