لا أخفي عنكم معشر القراء شعورا قاتلا بالرعب يكتم الأنفاس ويجمد الأطراف، وأنا أطالع الأرقام والحالات الرهيبة لفتيات ونسوة يتعرضن يوميا للاختطاف والاغتصاب، ثم للتعذيب فالقتل بكل لذة وبرودة دم من لدن المجرمين الكبار. وما أن خطوت بضع خطوات في قراءة أخبارهن حتى أطبق على فضاء نفسي ليل كثيف بارد حد القساوة الشديدة. تحولت الكلمات المقروءة إلى صور بشعة أتخيلها وأستبطن من خلالها شعور الضحايا واستغاثاتهن واستعطافهن المتكرر وصراخهن الطويل المتقطع الممزوج بالدماء والدموع. وتخيلت الذين يأمرون بالاختطاف والاغتصاب والتعذيب وإزهاق الروح، ورأيت الذين يخطفون ويغتصبون ويعذبون ويقتلون. رأيت الزبانية وأصحاب النوادي المغلقة المحصنة. قالت ينار محمد (كردية) التي تشرف على منظمة تعمل من أجل حرية المراة في العراق أن أكثر من 400 امراة عراقية خطفن او اغتصبن او تم بيعهن في العراق منذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في أبريل. وتملكت النساء حالة هلع حقيقية واصبحت الكثيرات منهن يتفادين الخروج الى الشارع. وأظن أنه مهما اجتهدت في التخيل والتصور فلن أفلح في الإحاطة بالحقيقة مثلما لم يحط بها محققون ذهبوا إلى بلدة سيوداد خواريز بالمكسيك للكشف عمن وراء اختطاف واغتصاب وتعذيب وقتل أكثر من 700 امرأة خلال عشر سنوات. والبلدة توجد على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة حيث شيد الأمريكيون آلاف المعامل يعامل فيها المستخدمون كما كان يعامل العبيد في القرون التي خلت من قبل. فقد وصفت سيرجيو غونزاليز رودريغيز الكاتبة والصحافية المكسيكية في تحقيق مطول لها (نشر في لوموند ديبلوماتيك شهر غشت المنصرم) ما شاهدته عن الجرائم المخيفة بأنه أبشع من الخيال، وأن جميع النساء مورست عليهن أشنع الأفعال الجنسية الرهيبة الموصلة إلى الموت، بل إن القتلة ورؤساءهم يمثلون بالجثث أشنع تمثيل وفي الأيام الأخيرة أحرقوا الأجساد بالمواد الكيماوية التي تحيل اللحم والعظم ترابا تذروه الرياح. كما توصلت المحققة إلى أن الحامي يقف مع الحرامي، وذكرت الكاتبة أن نسبة سفك دم الأنثى في تلك المنطقة من المكسيك عالية تصل إلى أربع ضحايا من كل عشرة. في نهاية تحقيقها أكدت الصحافية أن تحالفا قويا يقف وراء تلك الجرائم. تحالف يجمع بين مافيا الجريمة والسلطات الاقتصادية والحزب الحاكم الذي اخترقته مافيا المخدرات والجنس. وانتهت الكاتبة، حسب مصادر فيدرالية، إلى أن مقاولين كبارا هم الآمرون بالاختطاف وهم المنظمون لسهرات الاغتصاب العنيف المنتهي بالموت، وأن السلطات الأمنية والسياسية على علم بذلك منذ أمد بعيد، لكنها كانت رافضة للتدخل. وبطبيعة الحال، فإن المنظمات الدولية المهتمة بأوضاع النساء رفعن أصواتهن ضد هذا المنكر العظيم وطالبن السلطات المكسيكية بالكشف عن حقيقة المجرمين وإيقاف النزيف المستمر كما فعلت منظمة أمنستي أنتيرناسيونال التي شغلت الرأي العام الدولي برسالتها للسلطات المكسيكية يوم 12 غشت الماضي . كما أن نسوة المكسيك نهضن للاستنكار والتظاهر ضد ما أصاب أخوات لهن في الجنس والوطنية والإنسانية. وبذلك لم تعد هذه قضية خاصة بالمكسيك، بل بالدنيا بأسرها. والإسلام نفسه يعتبر قتل نفس واحدة بغير حق بمثابة قتل الناس جميعهم، كما يعتبر الإنقاذ والإحياء بمثابة إحياء لجميع الناس. وعليه أيضا، فإن اختطاف فتاة واحدة فقط واغتصابها وتعذيبها هو بمثابة خطف وغصب وعذاب للنساء جميعا، بل للإنسانية جميعا. فكيف بالاختطاف المتكرر والاغتصاب المتكرر والتعذيب المفضي إلى الموت. ولا يمكن إلا أن يستنكر أي مسلم هذا العدوان الوحشي الهمجي في زمن الحرية المطلقة. ومن دون شك، فإن عولمة الهمجية والوحشية والبهيمية القاتلة عن طريق الإعلام والشبكات السرية والاختراقات السياسية الحزبية والإدارية والأمنية وغيرها سرطان خبيث يهدد الدول والحكومات في مصداقيتها ووجودها. إعلام ومال وسلاح ومخدرات وخمور لا تعد للنساء إلا القتل البشع بعد قضاء الأغراض وانتهاك الأعراض. فهل هناك جاهلية أجهل من هذه الجاهلية؟ أم أن الجاهلية العربية أشرف من جاهلية المحدثين؟ حسن السرات