الزنا يطلق على كل علاقة جنسية خارج إطار الشرعية الزوجية، وله تعريف أدق في المصطلح الشرعي، سنعود إليه عند الحديث عن حكمه وعقوبته في الإسلام في حلقة أخرى. تناولنا لهذا الموضوع الهام يأتي بمناسبة ارتفاع أصوات من داخل الجبهة الحداثية هذه الأيام، تطالب بشرعنة العلاقات الجنسية بين رجل وامرأة راشدين غير متزوجين بشرط التراضي بينهما، وهو النقاش الذي أطلقته إحدى الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان مؤخرا حول ضمان الحرية الجنسية للأفراد. النقاش الدائر حول العلاقات الجنسية ينطلق اليوم بمقاربتين مختلفتين، المقاربة الدينية التي تعتمد النص الديني كحكم نهائي في الموضوع والذي لا يجيز هذه العلاقة إلا تحت مظلة الزواج بشروطه المعروفة، والمقاربة العلمانية التي تنظر للزنا باعتباره حق من حقوق الإنسان، اكتسبته البشرية بعد الثورة الجنسية التي واكبت الثورة الصناعية وحاجة المعامل لليد العاملة حيث استغلت المرأة استغلالا فاحشا، وشغلت بثمن زهيد اضطرت معه لبيع جسدها من أجل تغطية نفقات الكراء وضرورات العيش. في ظل هذا الحيف نشأت حركات نسوية تحررية تطالب بالمساواة في الأجر بين الجنسين وبالحق في المتعة الجنسية دون استغلال رأسمالي يهين كرامة المرأة ويغتصب أنوثتها، وبالطبع نشأت فلسفات ونظريات تؤسس لهذا الحق في المتعة خارج القيود التي يضعها الدين أو التقاليد والأعراف، ولعل أشهرها نظرية الكبت الجنسي التي وضعها عالم النفس سيجموند فرويد وطورها بناء على دراسات ومشاهدات وتحاليل دامت نصف قرن. لا جدال في أن الجنس من ضروريات الحياة، والله تبارك وتعالى لم يخلق هذه الجاذبية القوية بين الذكر والأنثى عبثا، وقد اتفق علماء الإسلام على أن استمرار النوع من الضروريات الخمس التي يجب حفظها لتحقيق مقاصد الشريعة القائمة على جلب المصالح ودفع المفاسد؛ ومن أجل ذلك رغب الإسلام في الزواج وحث عليه، ونهى عن الترهّب، ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعض أصحابه يسرد الصوم ويقوم الليل ويعتزل النساء، قام في الناس خطيبا فقال: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». لكن الظروف الاقتصادية الصعبة اليوم، وتأخر الشباب في الدراسة من أجل الحصول على شهادة تؤهله لولوج سوق الشغل، وبالتالي تأسيس بيت وأسرة، كلها عوامل أدت إلى تأخر سن الزواج، بالإضافة إلى العراقيل التي وضعتها الأسر في وجه المقبلين عليه من غلاء في المهور وبذخ في وليمة العرس..إلخ ؛ فإذا انضمّ إلى هذا كله حرية الاختلاط بين الجنسين في الفضاءات العامة والخاصة، واللباس الذي يثير الغرائز، والإعلام الماجن، والإباحية الجنسية الميسّرة على الإنترنيت وعلى العديد من القنوات الإباحية،وضعف الوازع الديني وغياب الرقابة الأسرية، يمكن فهم الأرقام المهولة لأطفال الشوارع والأمهات العازبات وعمليات الإجهاض السري وما تلتهمه سوق الدعارة يوميا من ضحايا الفقر والجهل والطلاق. إن إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي الذي يعاقب على إقامة علاقة جنسية بين رجل وامرأة خارج إطار الزوجية، وتوعية الشباب بوجوب اتخاذ الاحتياطات اللازمة قبل الشروع في أي عملية جنسية اتقاء لتداعياتها الخطيرة على مستقبلهم، سواء كانت بحمل غير مرغوب فيه أو مرض مزمن ناتج عن هذه العلاقات غير الشرعية أو نبذ من الأسرة وتعريض فتاة للشارع أو متابعات قضائية، كل هذا لن يحد من مفاسد الزنا التي تطال مستقبل الزناة الدنيوي والأخروي.