يحصي المغرب أزيد من 3000 قابلة تزاول مهنة ولادة النساء، ويعكس واقع هذه المهنة التي كانت قديما تنتقل بالوراثة، أو بالتعلم من خبيرة، قبل أن تأخذ منحى التأهل الأكاديمي في الوقت الحاضر، ( يعكس) بكل تأكيد الحاجة إلى مزيد من الجهد من أجل تفعيل دور «القابلات في تقديم الرعاية للأم والطفل. ف»القابلة» التي يعتبر وجودها ضروري في كل ولادة، أصبحت تمارس وظيفتها في ظروف معادية من قبل المجتمع عموما وأسر الحوامل خصوصا، حيث توجه لها تهما عديدة، كانت سببا في دخول عدد كبير منهن للسجن وتعرضهن للمتابعات القضائية، في حين اضطرت أخريات للتخلي عن المهنة، ليس لصعوبة ممارستها في المغرب فحسب، وإنما تجنبا لاحتمال المتابعات القضائية. حيال هذا الوضع ترتفع مطالب «القابلات» بحماية قانونية توضح الاختصاصات وتحدد المسؤوليات. ◆ «القابلة» تخصص أكاديمي كانت ولادة النساء، حتى سنوات قليلة مضت، تتم داخل البيوت، في ذاك الوقت كانت «القابلة» أو «المولدة» ترث عملها عن والدتها أو إحدى أفراد أسرتها، وتصقل موهبتها بالمران الطويل والعمل مع «قابلات» لهن باع طويل في هذا المجال. وكانت «القابلة» تحضى بميزة نادرة، عندما تبصر عيناها اللحظة، التي يولد فيها «كائن حي» ليعلن عن تاريخ حياة جديدة، وتكن هي بذلك صاحبةُ «السبق» في حمل «البشرى». هذه الصفحة تكاد تطوى الآن، بعد أن تقلص دور «القابلة الشعبية»، واتجه الإهتمام ب»القابلة» المؤهلة وفق قواعد أكاديمية، التي أصبحت تدرس المهنة بدلا من استقائها بالتواتر والوراثة، وهو التكوين الذي اختير له 3 سنوات كاملة من الدراسة بعد الانتقاء في معاهد صحية متخصصة بعد الحصول على البكالوريا. وانحصرت مهمتها في القيام بعملية التوليد العادية والعناية بصحة الحامل قبل الولادة وحين الوضع وبعده وخلال مدة النفاس، وتشرف على صحة المولود، ولكن تحت إشراف طبيب مختص. إحصائيات وزارة الصحة تؤكد على أنه تم توظيف 689 قابلة ما بين (2010-2008)، وتشير إلى زيادة عدد المقبولين في تخصص «القابلة» من 168 سنة 2007 إلى 350 سنة 2010. وبذلك سجل عدد القابلات المغربيات زيادة ملموسة، إذ انتقل من 1400 سنة 2008 إلى حوالي 3000 قابلة حاليا على المستوى الوطني في القطاع الصحي العام والخاص أوالشبه العمومي. ◆ القابلات..."صانعات الرعب" يكفي أن تسأل أية سيدة سبق لها أن دخلت قسم التوليد بمستشفى عمومي عن «القابلات»، لتبدي أسفا وتذمرا من مستوى المعاملة التي لقيتها..النرفزة، العصبية، الغضب، الصراخ وحتى الصفع والضرب، هو ملخص المعاملة التي تتلقاها النساء الوافدات على مستشفيات التوليد، أوهذا هو السيناريو الذي تحمله النساء في أذهانهن عن معاملة القابلات للحوامل. وحتى اللواتي لم يسبق لهن دخول المستشفى للوضع، يحفظن هذه التفاصيل التي سمعنها كثيرا من نساء أخريات. مع إقرار الكثير منهن بأن درجات هذا التعامل تخف وترتفع حسب المقابل المادي، فراحة الحامل بين أيديهن من سخاء عوائلهن وما يدفعنه من «رشوة» على الخدمة. هذه هي الصورة النمطية المرسومة عن القابلات، فهن سليطات اللسان، غاضبات بلا سبب، عنيفات بلا رحمة تضربن الحوامل وتحرجهن بمعايرتهن، ومنذ زمن قريب كانت المرأة التي سبق لها إنجاب عدد كبير من الأطفال تدخل المستشفى ودقات قلبها تتسارع ليس خوفا من عملية الولادة فحسب بل من تعنيف القابلة لها إذا علمت بعدد الأطفال الذين سبق وأن أنجبتهم. تهم عديدة توجه للقابلات من قبل المجتمع عموما وأسر الحوامل خصوصا، منها الاهمال وعدم الاكتراث بصحة النساء الوافدات للمستشفى والتسبب في مضاعفات خطيرة لهن أو لمواليدهن، بل وتتهمن أيضا بالتسبب في وفاتهن في بعض الحالات، وهذا ما يفسر ارتفاع عدد المتابعات القضائية التي تطال القابلات. وهكذا، تمارس القابلات المغربيات وظيفتهن في ظروف معادية، المجتمع يتهمهن بأنهن «صانعات الرعب»، أما الإدارة فغالبا ما ترفع يدها عن ممارسات هذه المهنة، بل تقاضيهن أحيانا لتمتص غضب أهالي الحوامل في حال وقوع مشكل، فتعاقب «القابلات» المتابعات قضائيا بأن تحرمهن من الارتقاء في السلم الوظيفي. ◆ متابعات قضائية إذا كان غياب اللّوجستيك الطبي معطى رائجا ومتعايشا بعدد من المراكز الاستشفائيّة، إلى جوار الخصاص على مستوى الموارد البشرية، فإن حوادث تكرار وضع مجموعة من النساء لمواليدهن على الأرصفة والأزقة والشوارع مؤخرا، وضعت في عمق مأساة الصحة «القابلة» في الواجهة، بعد أن طال الاعتقال بعضهن ارتباطا بنظر القضاء ضمن ملف «ولادة بالشّارع». ليس من الصعب تعداد الأخطاء التي ترتكبها «القابلات»، أو التي تنسب لهن من قبل أهالي النساء الحوامل، خاصة في الحالات التي تكون فيها النتيجة وخيمة، كموت الأم أو المولود أو تعرضه لعاهة مستديمة، أو تدهور الحالة الصحية للأم، حيث تكون من أكثر الأسباب التي تدفع العائلات لمقاضاة القابلات. وقد أدى عدد كبير من الشكاوي المودعة إلى تطبيق عقوبات صارمة ضد عدد كبير منهن. ومن بين الأخطاء التي تنسب للقابلات الإهمال وعدم الاكتراث كفاية بالمهام الملقاة على عاتقهن، وهذا الاهمال كفيل بأن يتسبب في ارتكاب عدة أخطاء من قبلهن منها نسيان تاريخ ومكان الولادة، وعدم تدوين الجنس الصحيح للمولود ذكرا كان أو أنثى. هذا الوضع يشغل بال «القابلات» وجمعيتهن التي تأسست السنة الماضية، فبعد أن كانت ممارسات هذه المهنة النبيلة تقفن كشاهدات على أهم لحظة في تاريخ الإنسان وهي مجيئه للحياة، أصبح عدد كبير منهن نزيلات سجون أو متابعات أمام القضاء، ما جعل صوتهن يعلو احتجاجا «لا لتحميل «القابلات» ثمن فشل المنظومة الصحية». وقد انتقدت رشيدة فضيل رئيسة «الجمعية الوطنية للقابلات بالمغرب» ما اعتبرته «هجمة شرسة تتعرض لها «القابلات»، مؤكدة بأن الجسم المهني يرفض أن تكون «القابلة» الحلقة الأضعف في المنظومة الصحية»، إشارة منها إلى ما تداولته وسائل إعلام بشأن ولادة حالات معزولة أمام المستشفيات. وقالت «إن خصوصية عمل «القابلة» تجعلها مسؤولة عن المرأة الحامل منذ دخولها المركز الصحي وحتى خروجها منه، بما في ذلك تحديد وضبط الهوية إلى تحرير شهادة الولادة»، وتحدثت فضيل عن القضايا المهنية ل «القابلات» بالمغرب بأسف شديد، مؤكدة على أنه في ظل الفراغ القانوني الذي تعانيه المهنة، فإن «القابلة» تؤدي ضريبة اختلالات المنظومة الصحية بالمغرب، وإلى ذلك قالت «إذا بقي عندنا جهاز نمسح فيه كل أخطاء المنظومة الصحية فلن نجد الحلول الكفيلة بتطوير مهنة «القابلة»، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بصحة الأم والطفل، ودورها أساسي ومهم، إذ لا غنى عنه حتى في ظل وجود الطبيب أو الطبيبة». وهددت الجمعية بالتوقف عن توليد النساء لأنه ليس من اختصاصهن في القانون المنظم لهاته المهنة على المستوى الوطني إذا لم يتم الاستجابة إلى مطالبهن التي ترمي بالأساس إلى تحديث القانون الأساسي ل «القابلات» من أجل تفادي المتابعات القانونية. ◆ متهمات أم ضحايا؟ أثناء حديثهن عن المشاكل الكثيرة التي تواجهها «القابلات» أثناء أدائهن وظيفتهن، تحدثت المشاركات بالمؤتمر الوطني الأول ل «الجمعية الوطنية للقابلات بالمغرب» عن ظروف العمل الشاقة خاصة في المناطق الريفية، وعن نقص واضح في التكوين، كما أن الرواتب لا تتماشى مع تعقيدات المهنة ومشاق المهمة الملقاة على عاتقهن، وقد يصعب حصر مشاكل «القابلات» نظرا لكونها متراكمة منذ عشرات السنين، كما أن تفاصيلها متشعبة. وبالحديث عن المهام الموكلة لهن فهي كثيرة وتشمل حتى تلك التي لم تتلقين تكوينا لأدائها، ففي الكثير من المرات تجد «القابلة» نفسها وحيدة في مواجهة صعوبات الولادة العسيرة، ورغم أنها لم تتلقى تكوينا لإسعاف الحامل التي تواجه مخاطر الموت حيث تدخل في مهام الطبيب المختص إلا أن وفاة الحامل يجعل من «القابلة»المشرفة على الولادة، المسؤولة الأولى عما حدث وبالتالي فهي المتهمة بعين الجميع. هذا، بالاضافة لصعوبة ممارسة المهنة في محيط يفتقر لشروط الولادة الناجحة، فغياب سيارات الإسعاف بالمناطق الريفية مثلا يجعل الحامل تصل للعيادة بعد مضاعفات خطيرة تجبر «القابلة» على مواجهتها بمفردها في أحيان كثيرة في غياب الطبيب المختص، هذا فضلا عن معاناتهن من الاحتقار وعدم تقدير ما يقمن به من مجهودات لتسهيل مأمورية الأمهات الحوامل، إبان مرحلة الوضع، إضافة إلى الاعتناء بالرضَع قيد ولادتهم. ومن بين المشاكل التي تصادفها «القابلة» في عملها، أن أصابع الإتهام دائمة موجهة لها، إذ يكفي أن يتم إرتكاب خطأ ما لينسب لها بكل تفاصيله. إضافة إلى كثرة المسؤوليات، فبالموازاة مع عملها ك «قابلة» تؤدي عملا إداريا محضا كالتكفل بالتصاريح وتدوين أسماء المواليد وجنسهم...وغيرها من الأعمال التي تشغلها عن عملها الأساسي. ويظل عدم تحديد المهام أكبر مشكل تصادفه «القابلة» التي لم تعرف يوما قانونا أساسيا خاصا بها يحميها قبل أن تقع في الخطأ، بأن يوضح الاختصاصات ويحدد المسؤوليات. ◆ الحماية القانونية كل ما نريده اليوم هو «الحماية».. هذه العبارة الشعار أكثر ما يلخص مطالب القابلات المغربيات اللواتي ناضلن من خلال تأسيس جمعية وطنية خاصة بهن، لتأتي خطوة المطالبة بإخراج قانون منظم وهيئة للقابلات إلى حيز الوجود، خطوة كبيرة في مسار الكفاح لتغيير أوضاعهن المزرية، حيث تجد القابلات أنفسهن موظفات بلا قانون يحميهن، متهمات من قبل الإدارة والمجتمع، مهددات بدخول السجن في أية لحظة. وفوق كل هذا لا إعتبار لهن. لكل ذلك فإن الحماية من خلال قانون خاص بهن يحدد الحقوق والواجبات، هو الأمل في رد الإعتبار وإحداث تغيير جدري لأوضاع جعلت الكثيرات منهن تتوقفن عن ممارسة المهنة بعدما تحولت سببا في دخول الكثيرات منهن للسجن. وقد أطر شعار «رقي القابلة مسؤولية وطنية»، أطر المشاركات بالمؤتمر الوطني الأول للجمعية المغربية للقابلات بالمغرب، اللواتي أكدن على أن مهنة القابلة ذات صبغة طبية بالأساس وذات مسؤولية محدودة حسب القوانين الدولية، ولا بد من رد الاعتبار للمرأة وإصدار قانون منظم يضبط حقوق وواجبات القابلة التي مازالت تعيش التهميش وترديّ هيكلة مهنتها وخاصة في صفتها الطبية. وتسعى الجمعية من خلال الأهداف التي سطرتها، للحفاظ على مستوى عال للشهادات المسلمة من لدن وزارة الصحة، وتشجيع البحث في الميدان المهني للقابلات، والعمل على إعادة تأسيس هيئة القابلات، وعلى إحداث نظام أخلاقيات المهنة. وجهة نظر البروفسور الحسن الوردي وزير الصحة، تؤكد حاجة المهنة إلى التنظيم، فمهنة «القابلة» منظمة بموجب ظهير شريف يعود لفترة الستينات ويستلزم تحيينه، - حسب الوزير- نظرا للتجاوزات التي يقوم بها بعض محترفي هذه المهنة، والتي تنعكس سلبا على صحة المواطن وتزيد من أعباء وزارة الصحة. ◆ مطلب التكوين المستمر المبادرات التكوينية بمثابة همزة وصل بين المكلفين بالتكوين وقطاع الصحة و»القابلات»، باعتبارها تمكنهن من طرح انشغالاتهن وتبادل وجهات النظر والعمل على الرفع من مستواهن، من خلال الاستفادة مما يقدم في هذه الدورات. لأن الرفع من مستوى «القابلة» مرهون بالتكوين المستمر وهو الأمر الذي تشتكي منه أغلب القابلات. إن عمل القابلة يعد من أصعب المهن، وحتى لتتمكن «القابلة» من تقديم خدمة صحية في المستوى، لابد أن تخضع بصورة مستمرة إلى التوعية والتحسيس من خلال التكوين، وينبغي كذلك أن يكون محتوى الدورات التدريبية مستمد من واقع «القابلة»، أي من خلال التقرب منها ومعرفة أهم المشاكل التي تعانيها في مقر عملها. تؤكد نجاة بلوي عضو «الجمعية الوطنية للقابلات بالمغرب». موضحة بأن «القابلة» تمثل حلقة لا يمكن الاستغناء عنها في سلسلة الرعاية الصحية للمرأة الحامل، فمن تشخيص الولادة إلى المتابعة الصحية إلى غاية لحظة الوضع تقوم القابلة بدور أولي وأساسي. لهذا، ترتفع الدعوة إلى الإستشمار أكثر في تكوين القابلات وتوظيفن، أي الإهتمام بالكم والكيف، ومن جهة أخرى فإن التكوين الجيد ضروري لرفع مستوى الخدمة ولضمان سلامة المرأة ووليدها.