السلام عليكم، إخوتي، عندما نتكلم عن القدوة والإمامة في الناس، نفكر عادة أن ذلك يتعلق بالإمامة العظمى وبالآخرين وأن الأمر لا يعنينا في شيء، في حين أن كل واحد منا مهما صغر شأنه أو كبر فهو قدوة لأبنائه وزوجه وأقاربه وأتباعه في العمل، كثروا أو قلوا، وهذا لكل من يُنْظَرُ إليه بتقدير وإعجاب أَصالحاً كان أم طالحاً، والمشكلة كل المشكلة كامنة في كون الذي يَقْتَدي به الناس، وكلنا ذلك الرجل أو تلك المرأة، لا يحمل يوم القيامة أوزاره فقط، بل يحمل معها أوزار الذين اتبعوه إن أضلهم بفعله وقوله، وبصيرتنا في ذلك قول ربنا سبحانه وتعالى:( لِيَحمِلوا أَوزارَهُم كامِلَةً يَومَ القِيامَةِ، وَمِن أَوزارِ الَّذينَ يُضِلّونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ، أَلا ساءَ ما يَزِرون).. وبصيرتنا كذلك في قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا»أخرجه مسلم في صحيحه، والدعوة للهدى والضلال قد تكون بلسان المقال لفظاً أو بلسان الحال قدوة وسمتاً وأخلاقاً ومعاملةً، ومن بصائرنا في هذا ما أخرجه أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه:(أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بِصُرَّةٍ من ذهب تملأ ما بين أصابعه، فقال هذه في سبيل الله عز وجل، ثم قام أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأعطى، ثم قام عمر رضي الله تعالى عنه فأعطى، ثم قام المهاجرون فأعطوا، قال فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى رأيت الإشراق في وجنتيه، ثم قال:«من سن سنة صالحة في الإسلام فَعُمِلَ بها بعده كان له مثل أجورهم من غير أن ينتقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فَعُمِلَ بها بعده كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء).. نعم لذلك كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن اتبعهم بِهُدَى في غاية الحذر والحساسية من أن يَقْتَدِيَ بهم الناس فيما قد يعود عليهم بما لا تحمد عقباه، فها هو ذا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، يخبر عن أبيه قائلا: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله وقال لهم: إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا، وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هِبْتُم هابوا، وأيم الله لا أُوتَى برجل منكم فعل الذي نهيت عنه، إلا ضاعفت عليه العقوبة، لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر»...وعلى نفس النسيج نسج علي رضي الله عنه فقال:«من ينصب نفسه للناس إماماً، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، و ليكن تأديبه بسيرته (سره وعلانيته) قبل تأديبه بلسانه» ! ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، واختم اللهم أعمارنا وأعمالنا وآمالنا وأنت عنا عافٍ راضٍ يوم لقاءك يا رب العالمين،وصل اللهم وسلم وبارك على إمامنا وقدوتنا وشفيعنا سيدنا محمد وآله والحمد لله رب العالمين