عرفت مؤخرا قاعة المعارض من 21 إلى 24 من أبريل بالدار البيضاء تنظيم الملتقى الواحد والعشرون للطالب. والمتجول في هذا المعرض يلاحظ أنه محفل كبير للتعليم العالي الخاص، ومناسبة قوية للمعاهد والمدارس العليا الخصوصية لعرض مؤسساتها وبرامجها وشواهدها على أنظار التلاميذ الناجحين في الباكالوريا، والراغبين في ولوج مسالك التكوين العالي. ولعل المتجول في هذا المعرض يلاحظ أيضا الطابع التجاري القوي الذي يغلب عليه، من خلال الحضور الشديد للآليات الماركوتينغ والتسويق لهذه المؤسسات ولبرامجها، لأجل استدراج أكبر عدد من الوافدين. وهنا يطرح سؤال قوي حول الحدود اللازم إقامتها بين الأكاديمي والتربوي من جهة والتجارة والأعمال من جهة أخرى، ونحن نتحدث عن التعليم، هذا القطاع الاستراتيجي الذي يساهم في تحديد مستقبل الأمة وبناء شبابها. وإذ نتقدم بالتفكير في الإجابة عن هذا السؤال، فإنه من اللازم التأكيد على الدور الذي ينبغي أن تلعبه الدولة، حيث إذا كان قطاع التعليم العالي يلعب الدور الاستراتيجي والهيكلي الذي نعرفه، بكونه القناة التي يتخرج المواطن، ومن ثم المجتمع الذي نريده، فإنه من اللازم القضاء نهائيا مع حالة الغموض القانوني والتنظيمي الذي يعرفه هذا القطاع، والتي لا تخدم مصالح شبابنا الراغبين في الحصول على تعليم جيد وشواهد معترف بها، سواء من طرف الدولة، أو من طرف الفاعلين في سوق الشغل. ولعل أهم جوانب هذا الغموض الذي يعاني منه هذا القطاع هو في قيمة الشواهد التي تمنحها هذه المعاهد الخصوصية للمتخرجين. حيث إذا كانت الدولة إلى حدود قانون 01-00 ترفض كليا مبدأ التزكية ومبدأ التعادلية، وتتوقف عند الترخيص، فإن هذا القانون تجاوز مبدئيا هذا المشكل من خلال إجراءين أساسيين. الأول هو أن الدولة اعترفت لأول مرة للمعاهد والمدارس العليا بالحق في الحصول على تزكية Accréditation برامجها التكوينية. أما الثاني، فهو الاعتراف بإمكانية استعمال الفاعلين الخصوصيين في مجال التعليم العالي الخصوصي لمصطلح الجامعة أو الكلية الخاصة. وكل هذا بطبيعة الحال يكون على أساس التزامات تحددها دفاتر تحملات، تمكن الوزارة الوصية من المتابعة الدقيقة لجدية هؤلاء الفاعلين وجودة برامج التكوين التي يحصل عليها الوافدون على هذه المعاهد. إلا أنه على الرغم من أن قانون 01-00 جاء بهاذين الإجراءين المهمين، فإن الغموض لازال قائما، ولا أحد يعرف المعنى الحقيقي لمفهوم التزكية Accréditation وأثرها على قيمة الشواهد وبرامج التكوين، هل معناها التعادلية Equivalence ؟ أم أن هذه البرامج على الرغم من تزكيتها ستبقى دائما دون الشواهد الوطنية، وفي هذه الحالة ما فائدة نزكيتها ؟ هل الهدف هو تمييزها فقط عن برامج أخرى لم تحصل على التزكية ؟ على أي، فأيا كان الهدف، فإنه يمكن القول على أن هذا الإجراء سيكون له بالتأكيد الأثر الجيد على القطاع، شريطة تفعيله على أساس دفاتر تحملات واضحة تمكن من تمييز المعاهد الجادة، عن تلك التي تحتاج إلى إعادة التأهيل. إن هذا القطاع متنوع في فاعليه، حيث إذا كانت العديد من المؤسسات التربوية لا تؤدي مهمتها على أحسن وجه، فإنه على العكس من ذلك يجب التنويه بالعديد من المعاهد الخصوصية الوطنية التي جعلت الجودة عنوانها، وراكمت تجربة قوية في التكوين من خلال برامج عصرية، جادة ومنفتحة على التجارب واللغات الدولية، والتي يتمكن خريجوها من النجاح بسهولة في سوق الشغل، بناء على سمعتها وجودة تكوينها ومتانة علاقاتها بالنسيج الاقتصادي وعالم المقاولة. وعليه، فإن تدخل الدولة يجب أن يهدف إلى حماية التلاميذ وأوليائهم (المستهلك) من خلال إعمال الوضوح التام في هذا القطاع، بالاعتراف بالمؤسسات الجادة، ذات المؤهلات اللازمة والبرامج الجيدة والمساهمة في مجالات البحث العلمي والمستقطبة لأعداد مهمة من الطلبة سنويا، من خلال منحها مكانة مميزة داخل هذا القطاع. وبالمقابل، فإن من واجب الدولة أيضا حماية أولياء الطلبة وأبناءهم من المعاهد والمدارس الضعيفة، التي لا تملك التجهيزات اللازمة ولا تضمن الجودة الكافية في تكويناتها وبرامجها التربوية. إن الواقع حاليا هو أن المعاهد الجادة، الرائدة وطنيا، ذات المؤهلات الكافية والسمعة القوية في سوق الشغل، بما فيها الجامعات الخاصة، يتعامل معها القانون بنفس الصفات والأدوات التي يتعامل بها مع المعاهد والمدارس الضعيفة، الغير المتوفرة على المؤهلات اللازمة للقيام بمهمة التعليم والتربية على أحسن وجه، خاصة في قطاع التعليم العالي. وتحن نتحدث عن الصفات، أعود للحديث عن غلبة الطابع التسويقي في معرض الطالب، للقول بأن المستهلك يعاني خلطا شديدا أمام العدد الهائل من المعاهد التي تستعمل نفس القاموس، من قبيل الكلمات التالية : Institut Autorisé ; Accrédité ; Homologué ; Reconnu ; Agrée ... والأكيد أن العديد من الفاعلين داخل القطاع لا يستطيعون التمييز بين هذه الصفات، فما أدراك بالتلاميذ وأوليائهم الراغبين في الحصول على معلومة صحيحة وواضحة، تميز كل هذه المعاهد على أساس أكاديمي وعلمي بحث، بدل ترك المجال مفتوحا للتلاعب التسويقي بالمصطلحات والصفات، بشكل يخالف القانون أحيانا كثيرة. إن القطاع الخاص يعتبر شريكا قويا في التعليم بكل أشكاله ومستوياته في جل أنحاء العالم، وهو ما تؤكده المراصد التي تعنى بالترتيب العالمي للمؤسسات التعليمية الجامعية، والذي تتبوأ فيه العديد من المعاهد الخاصة مكانة رائدة. وما نحتاجه في المغرب هو القيام بعملية تصحيحية، تمكن من الخروج بهذا القطاع من حالة الغموض التي يعرفها، وتمكن من هيكلته وفق مبادئ الشفافية والحكامة العلمية والتربوية، من خلال تمييز وترتيب المعاهد والمدارس التعليمية وفق دفاتر تحملات واضحة، تفتح الباب أما المنافسة الإيجابية والشريفة. وهو ما سيمكن هذا القطاع من القيام بالدور الرائد الذي يلعبه في بلدان أخرى بالمساهمة في تكوين الأجيال وفق المعايير التربوية والعلمية الأكثر تقدما، بما سيساهم في الرفع من مؤهلات ومهارات الموارد البشرية الوطنية، التي ستعزز المقاولة المغربية وتدفع بالاقتصاد الوطني إلى الأمام.