لعب رجال النخبة المسيحيون دورا محوريا في نقل المنتجات الفكرية والفلسفية للحضارة الغربية أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين إلى البيئة العربية، أمثال يعقوب صروف وشبلي شميل وفرح أنطوان،فقد تبنى هؤلاء الدعوة إلى العلمانية والاشتراكية والدولة القومية على النمط الأوروبي باعتباره المثال الحضاري للنهضة المنشودة. كما دعا هؤلاء الأنبياء الكذبة إلى الكفر بكل ما له علاقة بالغيبيات التي اخترعها العقل البشري بزعمهم في صراعه مع الطبيعة إبان طفولته، وذلك بسبب جهله بالنواميس التي يسير عليها نظام الكون، والتي كشف عنها العلم التجريبي الحديث. وعلى هذا المنوال سار سلامة موسى في دعوته للتغريب بمصر، إذ يقول : « أجل يجب أن نرتبط بأوروبا، وأن يكون رباطنا قويا، نتزوج من أبنائها وبناتها، ونأخذ عنها كل ما يجدّ فيها من اختراعات أو اكتشافات، وننظر للحياة نظرها، نتطور معها في تطورها الصناعي، ثم في تطورها الاشتراكي والاجتماعي، ونجعل أدبنا يجري على وفق أدبها بعيدا عن منهج العرب، ونجعل فلسفتنا وفق فلسفتها، ونؤلف عائلاتنا على غرار عائلاتها، ونسير مع عمالنا على طرق الإصلاح والبر التي سارت عليها، ونرسل أولادنا ليتعلموا علومها، ويتخلقوا بأخلاقها، فالرابطة الغربية هي الرابطة الطبيعية لنا، لأننا في حاجة إلى أن نزيد ثقافتنا وحضارتنا، وهما لن تزيدا من ارتباطنا بالشرق، بل من ارتباطنا بالغرب..». ثم جاء طه حسين الذي أعلنها مدوية في كتابه ‘مستقبل الثقافة في مصر' : « هي واحدة فذة ليس لها تعدد، وهي أن نسير سيرة الأوروبيين، ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرّها، ما يجب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب، ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع..» عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن « رواه الشيخان وقد أحدثت نظرية داروون في أصل الأنواع و أصل الإنسان زلزالا كبيرا في الفكر الليبرالي المادي لدى النهضويين الليبراليين على مختلف تياراتهم،حيث استمات في الدفاع عنها وتبيئتها المسيحيون العرب أمثال شبلي شميل، وسار على نهجهم المتغربون المسلمون. وفي الجملة فقد تأسست النهضة عند دعاة الليبرالية الإنسانية العرب على ثلاثة مرتكزات: أولا الدعوة للتغريب بمعنى اللحاق الفوري بالمدنية الغربية بخيرها وشرها. ثانيا تحرير العقل من كل سلطة ميتافيزيقية، ونزع القدسية عن النص الديني وقراءته في سياقه التاريخي. ثالثا العلمانية أي الدعوة إلى فصل الدين عن السياسة، وهو ما سنعود إليه بشيء من التفصيل.