الخيانة الزوجية كانت إلى عهد قريب، شيئا يصعب القيام به، كما يصعب اكتشافه، واليوم بفعل الثورة الرقمية وتوفر أغلب البيوت على الشبكة العنكبوتية، أصبحت الأسر تكتشف الخيانة الزوجية في غرف النوم وقاعة الجلوس حيث يوجد الحاسوب وتقع اللقاءات في غرف الدردشة مع من يوجد على مسافات بعيدة في مكان أقدس من أن يلطخ بعلاقات إلكترونية يمكن وصمها بالزنا الإلكتروني. حالات أسر عاشت التفكك بسبب إقدام أحد الزوجين على»الدردشة الحرام»، وحالات لأبناء فقدوا البوصلة حين اكتشفوا قدوتهم فريسة للصيد الإلكتروني، وحالات زمالة نقية تحولت بكثرة الدردشة إلى علاقات مشبوهة. «الخيانة الإلكترونية للأزواج»، مظاهرها وسبل علاجها، هذا ما حاولت «التجديد» الاقتراب منه، وإلا فإن ملامسته تحتاج إلى دراسات وأبحاث سوسيولوجية ملائمة لما يعيشه المجتمع جراء الانفتاح على الأنترنت بلا حدود. خطورة الخيانة الزوجية تقول فاطمة النجار مستشارة في قضايا الأسرة بالدار البيضاء: «الحياة الزوجية ملاذ الإنسان الآمن، وملاذ عواطفه، يصرف فيه شهوته الطبيعية في الحلال». هذا الملاذ الذي ترجوه القلوب ويقضي فيه الإنسان رغباته، تقول النجار في حديث مطول مع «التجديد»، قد يتعرض لأكبر مهدد للأسرة وهو الخيانة الزوجية، إذ أن كثيرا من المشاكل المادية والصحية يسهل تجاوزها مقارنة مع مشكل الخيانة الزوجية، بل إن هذه المشاكل لا تضرب في عمق العلاقة الزوجية، لكن حين تظهر الخيانة تضرب خصوصية أن الزوجين التقيا على عقد شرعي، وأحل الشرع لكل واحد منهما الاستمتاع بالآخر». هذه الخصوصية تأبى كل ما يأتي خارج إطار العلاقة الزوجية الطيبة الطاهرة». واليوم نجد أن الخيانة قد تقدمت ودخلت على كثير من البيوت بسبب الثورة الرقمية والمعلوماتية. ولعل ما أصبحت تعرفه الأسر من استقدام لأجهزة الاتصال وخصوصا الأنترنت، هو السبب الذي أدى بكثير من الأسر إلى الوقوع في خيانات بأساليب متعددة سواء على مستوى الصورة برؤية الصور العارية، أو عبر الدخول إلى غرف الدردشة، والإقبال على شتى أنواع الخيانة البصرية والمحادثاتية. أمام هذه الأخطار، تقول النجار، يجب الانتباه إلى أن الشيطان يسعى بكل قوته لجعل الإنسان مطبعا مع كثير من الممارسات التي يمكن أن تعرض كيان الأسرة للهدم، ونحن نعلم من شرعنا أن «النظرة الأولى لك والثانية عليك» إلا أن الفرد يستدرجه الشيطان أثناء مروره من مراحل الاستكشاف عبر الإبحار في شبكة الأنترنت. والخطير في الأمر أن إقبال بعض الرجال على ما تقدمه الشبكة العنكبوتية من مشاهد غير خاضعة لأية قيود أخلاقية وشرعية قد يدفع بهم إلى الوقوع في أسر تلك المشاهد والإثارات تدفع بهم إلى طلب بعض الأشياء من زوجاتهم لم تكن مألوفة في علاقتهم الحميمية، ومنها ما يثير التقزز ويرفضه منطق العلاقة الجنسية الإنسانية السليمة شرعا وصحة، ومن هنا تبدأ أركان الأسرة في التعرض للاهتزاز. شكاوى نسائية تقول فاطمة النجار بحكم عملها التوجيهي الأسري:»لقد تلقيت عدة شكاوى من نساء كن مرتاحات في حياتهن الزوجية إلى أن ابتلي أزواجهن بفتح عيونهم على المشاهد الجنسية الخليعة في الأنترنت، فأصبحوا يطالبونهن بأمور كانوا مقتنعين أنها حرام شرعا ومقززة ذوقا، حتى أن إحدى النساء تضطر بدافع الرغبة في الإشباع الجنسي لزوجها إلى قبول أشياء تأباها ولا تؤمن بصوابها، ولا تملك بعد ذلك إلا اللجوء للبكاء والحسرة لاقترافها المحرم تحت غطاء إرضاء الزوج والحفاظ على أسرتها». امرأة عمرها 18 سنة بالدار البيضاء ومر على زواجها ثلاثة أشهر، بدأت حياتها الزوجية، وهي تشكو من الأوضاع الجنسية التي يطالبها بها زوجها، لتكتشف أن السبب في ذلك إدمانه على رؤية المشاهد الجنسية عبر الأنترنت. وسيدة مرت على زواجها 25 سنة كانت حياتها الحميمية مع زوجها على أحسن ما يرام أنجبا من خلالها أربعة أولاد، اليوم وبفعل الأنترنت أصبحت تشكو من الانقلاب الجنسي لزوجها، ومطالبته لها بأمور لم يعتد على طلبها، تجندت مع بناتها الثلاث للبحث عن السبب ليكتشفن أن الأب أصبح منذ 3 سنوات مدمنا على المشاهد الخليعة على الأنترنت، وعلى الدردشة بلا قيود. موظفة أصبحت تتعرض لطلب الزواج من رجال تعتبرهم «داخلين سوق راسهم» والسبب أنها تمادت في الدردشة معهم بسبب العمل، ولم يجدوا بدا من التعلق بها وإعلان رغبتهم في الزواج ما داموا لا يستطيعون الوقوع في الزنا. غطاء العلاقات البريئة ومن المداخل التي يؤخذ منها الإنسان أثناء ولوجه عالم الدردشة غطاء العلاقات البريئة من قبيل الزمالة في العمل أو الزمالة في الدراسة بين الطلبة والطالبات والتلاميذ والتلميذات، وغيرها من العلاقات المقنعة. هذه العلاقات تقول فاطمة النجار، تبدأ وفي ظاهرها البراءة والنقاء، وقد تبدأ في بعض الأحيان بإقبال الزوج أو الزوجة على الشكوى من مشاكله (ا) الزوجية لزميله (ا) في العمل أو من مشاكل أبنائه (ا)، فتنتقل الزمالة إلى نوع من المؤانسة ونوع من التعويض العاطفي عما تفقده أو يفقده في البيت، وهذا التعويض العاطفي يبقى إلى درجة الانتقال إلى المد العاطفي الذي تجده أو يجده عند المستقبل، وهنا تبدأ الخيانة لتتطور إلى ما لا تحمد عقباه. وقد تلقت «التجديد» رسالة مطولة من سيدة حكت تفاصيل تعرضها للتحرش الجنسي ثم للابتزاز والوقوع في الحرام نتيجة شكواها لزميلها في العمل من زوجها الذي يحرمها من المد العاطفي، واستغل هذا الزميل حاجة هذه المرأة وأصبح طامعا واستطاع أن ينال من شرفها رغم أنها أم لثلاثة أبناء وتقول إنها سقطت في حالة ضعف رغم أنها تعرف أن كل ما أقدمت عليه لم يكن صوابا. وتقول فاطمة النجار إن هناك حالات لأسر صديقة انتقلت علاقتها من الصداقة إلى الخيانة بفعل تفلت أحد الأزواج وإفشائه أسرار أسرته لصديقة زوجته أو إفشاء الزوجة لصديق زوجها، حتى أن هذه الصداقات بين الأسر قد تتحول إلى خيانات بسبب المؤانسة والمد العاطفي. وكم من علاقة بين مدير مؤسسة وسكرتيرته تطورت إلى ما لا تحمد عقباه بسبب كثرة الدردشة وخروج هذه الأخيرة عن دائرة العمل إلى دائرة الإعجاب وبعده تبادل اللقاءات في المقاهي والأماكن العامة ثم الخاصة ليقع المحظور. الحاجة إذن إلى اليقظة التامة لأن الخيانة عبر هذه العلاقات تهز كيان الأسر المستقرة الآمنة. من التفوق إلى الإدمان تحكي فاطمة النجار ل «التجديد» عن حالات لست تلاميذ وتلميذات بثانوية بالدار البيضاء تحولوا من تلاميذ متفوقين دراسيا إلى مدمني مخدرات، والسبب هو معاينة هؤلاء لآبائهم الذين أصبحوا مدمنين على المواقع الجنسية على الأنترنت الأفلام البورنوغرافية، دون الأخذ بعين الاعتبار بأن أبناءهم ستهتز صورة «الأب القدوة» و «الأب المثل الأعلى» و «الأب النموذج» في عيونهم وأذهانهم. ميثاق أخلاقي أسري المفروض على الأسر، أمام هذا المد الإعلامي بإيجابياته وسلبياته، تقول فاطمة النجار: « أن تستعد الأسر لاستقبال الأنترنت بالبيت مثل استعدادها للفتن، حتى تدخل على هذه الفتن متيقظة، لأن المتيقظ ينتبه للفتنة ولا يتركها تنال منه، أما الغافل فلا ينتبه حتى تغرقه هذه الفتنة ولا يكاد ينجو». ومن وجهة نظرها ترى فاطمة النجار أنه من المفروض أن يكون لكل أسرة تريد استقدام الأنترنت للبيت ميثاق أخلاقي أسري يضبط حسن التعامل مع هذا الوافد الذي، بقدر ما يساعد على بناء الأفكار، قد يمكنه أيضا هدم أركان البيت بإتاحة مواقع الدردشة والمظاهرالخليعة. ويتناول الميثاق الذي تقترحه النجار حدود التعامل مع الأنترنت ومخاطر الانسياق وراء استدراجاته مهما كانت جهتها.وترى النجار أيضا أنه من الجانب الوقائي للوقوع في الخيانة الإلكترونية تطرق الزوجين في بداية الزواج لما يمكن أن يهدد استقرارهما الأسري بكل جرأة، وضمن هذه المهددات الخيانة الإلكترونية واعتبارها شيطانا يتربص بهما، ويجب تناول هذا الجانب من بابا التحذير الوقائي وليس من باب الاتهام المسبق للآخر، كل هذا حتى يتم التذكير في حالة الوقوع في مصيدة الاستدراج الإلكتروني فيكون الزوج أو الزوجة معينا لشريكه من أجل النجاة وليس إغراقه بالاتهام والعتاب، ولا بأس من الاستعانة ببعض الزواجر الشرعية المبثوتة في القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح. لا للسكوت ترى فاطمة النجار أن على الزوج أو الزوجة التي تكتشف بداية سقوط شريكها في بداية الخيانة الإلكترونية أن يتحلى أو تتحلى بالجرأة لمناقشة الموضوع في بدايته قبل أن يتطور إلى حد يصعب التحكم فيه ومعالجته بأقل الأضرار، هذا مع استحضار الحكمة في معالجة الوضع بشكل لا يهدد استقرار الأسرة، وذلك عبر استحضار الزوجين أنهما كيان واحد وما هو دخيل عليهما يجب مواجهته لاحتواء الأزمة مبكرا.وحري بالزوجين، تقول فاطمة النجار، أن يستحضرا معا رقابة الله عز وجل، وأنها فوق كل رقابة بشرية أو تقنية، وأن يجعلا نصب أعينهما أن «الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور». وعلى المجتمع أيضا، حسب فاطمة النجار أن يساهم في علاج ظاهرة الخيانة الزوجية عبر التأطير والتحسيس والتوعية بمخاطر الانسياق وراء خدع الأنترنت، والتنبيه على أن الشبكة العنكبوتية أنما هي وسيلة يمكن استخدامها في البناء كما في الهدم والإنسان هو الذي يتحكم في طريقة الاستفادة منها بما يخدم البناء أو الهدم، انطلاقا من مبادئه وقناعاته ودرجة تنزيله لهذه القناعات على الواقع. فراغ قانوني ترى المحامية بهيئة الرباط سعاد زخنيني أن التطور الذي شهده المجال المعلوماتي ساعد في انتشار الاستغلال الجنسي للمرأة عبر الشبكات العنكبوتية في استغلال للفراغ القانوني في هذا المجال ولسرعة وسرية العمليات المشبوهة مما يخلق وضعا مساعدا على تفشي ظاهرة الدعارة والتوسط فيها على المستوى الدولي، وبات من الأكيد والضروري معالجة هذه الثغرة على.