انتحرت أمينة ذات 16 ربيعا بعد سنة تقريبا عن زواج أريد منه مواراة جريمة هي من أخطر الجرائم التي تهدد المرأة اليوم في العالم أجمع. فقد اتخذ الخط البياني الصاعد لجرائم الاغتصاب في العالم مسارا تراجيديا ينبئ بكارثة. وكشفت دراسة نشرت سنة 2000 أن ما معدله امرأة واحدة من كل خمس نساء في العالم كانت إما قد تعرضت للاغتصاب أو لمحاولة الاغتصاب. وأفادت نفس الدراسة التي نشرت في تركا تحت عنوان «النساء والجنس في المجتمعات الإسلامية» أن جنوب إفريقيا هي عاصمة الاغتصاب بمعدل يومي يبلغ 147 حالة اغتصاب ! وتعاني جميع دول العالم من الظاهرة، وترتفع نسبة حالات الاغتصاب في الدول التي يتم فيها الإعلان عن الجريمة، فيما تنتشر الجريمة بحرية تحت ظلام تواطؤ غريب في كثير من الدول، وخاصة الإسلامية منها، بأعذار واهية أهما شرف الأسرة ونوع من التضامن الغريب مع الجاني بحيث يكون الخوف على مصيره من بين أهم دواعي احتواء الجريمة ومنعها من الوصول إلى العدالة. لكن هل كان من اللازم أن تضع أمينة ومثيلاتها حدا لحياتها كي يلتفت المجتمع إلى جريمة الاغتصاب؟ هل كان لابد أن تحول روحها إلى حجرة ترميها في بركة «مؤامرة الصمت» على الاغتصاب؟ هل كان لزاما أن يقتحم المغرب بعنف عالم الاغتصاب على جثة أمينة ليكتشف كيف تتآمر «ثقافة الشرف» الجوفاء و اختلالات العدالة في إخفاء معالم الجريمة؟ لقد أثار انتحار أمينة جدلا قانونيا وحقوقيا عميقا ألزم وزارة العدل على الخروج من صمتها وإعلان بيانها الشهير في النازلة. كما أثارت الفاجعة حراكا مجتمعيا استنكر تزويج القاصر المغتصبة. ويؤكد بيان الوزارة أن الزواج تم على أساس ملف يتضمن افتضاض بكارة قاصر برضاها تُوّجَ بزواج استجابة لرغبة «جميع الأطراف» ! إن النازلة تفرض فتح ثلاث مسارات في المعالجة، المسار الأول يتعلق بضرورة فتح تحقيق حول الرضى المزعوم الذي استبعد على أساسه وجود جريمة الاغتصاب، ذلك أن الزواج المبني على الرضا الذي تحدث عنه بيان الوزارة انتهى بجريمة انتحار، فهل انتحرت أمينة بسبب فشل زواج يفترض فيه حسب البيان أن يكون افتضاض بكارتها برضاها ومن طرف من كانت في علاقة معه من قبل وكان وزواجها منه بطلب منها ورضاها أيضا، أم بسبب آخر؟ وما يفرض فتح هذا التحقيق ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من تصريحات نسبت إلى والد أمينة تقول فيها «إن محكمة أجبرتها على الزواج ممن اغتصبها قبل نحو عام حين كان عمرها 15 عاما، وقد عاملها معاملة سيئة، مما دفعها الى الانتحار». وحسب نفس المصادر الإعلامية، فإن والدة امينة تقول عن الذي اعتبر بيان الوزارة أنه افتض بكارة أمينة برضاها أنه «اغتصب ابنتي وأساء معاملتها. كانت تشكو من سوء المعاملة ومن أنها لا تحصل على طعام ومن أنه كان يهددها بالقتل إذا بقت معه». المسار الثاني يتعلق بضرورة مراجعة القوانين ذات الصلة والتي تسمح لمثل مغتصب أمينة أن يخرج من القضية كما تسل الشعرة من العجين، فهو اعتبر غير مغتصِب، وهو زوج برضا المغتصَبة، وهو في النهاية زوج امرأة قررت وضع حد لحياتها برضاها أيضا كما تزوجته برضاها... ويكون بذلك تخلص من آمنة بيدها وأفلت من العقاب. إن النازلة تفرض معالجة مسألة الرضا بما هو موقف نفسي طوعي لا يمليه المحيط ولا يضغط من أجله يؤكده خبراء في علم النفس والسلوك، وإذا كان من رضا في ملف الاغتصاب يمكن أخده بعين الاعتبار فقد يكون للبالغة سن الرشد وبعيدا عن أي ضغط كيفما كان وبعد التأكد من إدراكها للأبعاد الاجتماعية والنفسية لقرارها الزواج من مغتصِبها، وبعد توفر ضمانات عدم وقوعها في زواج المكرهة الخاضعة، رغم أن المطلوب من أية مواطنة أن ترفض الزواج من مغتصبها وتقدمه إلى العدالة. المسار الثالث يتعلق بجهد توْعَوي جريء يستهدف الأسر والناشئة يعيد صياغة القيم المجتمعية بما يضع كرامة المغتصَبة فوق شرف الأسرة بل ويجعل من شرف الأسرة أن لا ينجو المجرم المغتصب من العدالة، كما يكون على ذلك الجهد التوعوي أن لا يقيم أي اعتبار لمصير المجرم المغتصِب. وهذا الجهد الحقوقي، الاعلامي والتربوي، يجب أن يكون فيه حضور العلماء قويا، كون كثير من الجرائم يتم تكييفها والتستر عليها بلبوس ديني، خوفا من «العار» وعملا ب»الصبر» ومراعاة لما «يجب من تضامن» مع المغتصب اعترافا بحق «القرابة» أو «الجوار» أو غير ذلك مما يمكن أن يبرر به «واجب التضامن» ذلك. إن كثيرا من حالات محاولة احتواء جريمة الاغتصاب ومنع وصولها إلى العدالة تنبني على مقاربة دونية للمرأة مقارنة مع الرجل حتى وهذا الأخير مجرم في حقها. و شرف الأسرة في ضمير المجتمع ذكوري في عمقه وحقيقته. فهل يعيد انتحار «أمينة» الكرامة لمثيلاتها اللواتي يقضينا حياتهن في الهوان والألم؟