أكد محمد نجيب بوليف، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة مكلف بالشؤون العامة والحكامة، أن الفريق الحكومي فريق منسجم، لم يحصل أن اختلفنا حول نقطة واحدة مهمة داخل المجلس الحكومي. وهناك شبه وفاق تام حيث أن الأحزاب المشكلة للأغلبية متفقة في إطار مقتضيات الدستور والبرنامج الحكومي. وحول الحديث عن مفهوم جيوب مقاومة التغيير قال بوليف في حوار شامل مع التجديد « رئيس الحكومة لم يتحدث عن جيوب المقاومة داخل الحكومة، هو تحدث على أن التغيير الذي ننشده، والعقلية الجديدة التي نريد أن نشتغل بها هي أولا تشاركية. أيضا عقلية تجعل المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة، و عقلية تحارب الفساد. إذن هذه النقط الثلاث تثير حساسية لدى لوبيات تعيش في أعشاش الفساد». وتناول بوليف قضايا الاقتصاد والسياسة في مغرب اليوم مشيرا إلى أنه يجب على التمويل الإسلامي أن يذهب وفق إصلاح شامل للمنظومة. مؤكدا على أنه من الناحية المبدئية الكل متفق على أولوية إخراج صندوق الزكاة. مواضيع: صندوق التضامن، صندوق المقاصة، العدالة الضريبية، العدالة والتنمية بعد دخوله للحكومة، كلها مواضيع تجدونها في الحوار التالي: ❍ بعد شهرين من التدبير الحكومي الحالي، كيف تقيم ما تحقق خلال هذه الفترة؟ أكيد أن العمل الحكومي انطلق تقريبا منذ شهرين، والأشهر الأولى في أي تدبير حكومي يكون منصبا أساسا على الاطلاع على الملفات، وأيضا على المناخ العام الذي تشتغل في ضوئه الوزارات والإدارة. لكن بالنظر إلى النفس الإيجابي الذي يعرفه الشارع المغربي، والثقة التي لا زالت تحظى بها الحكومة ورئيسها (حيث نسمع عن أرقام ذات دلالات ايجابية). ويمكن أن أقول بأن هذا النفس الايجابي والآمال التي يعقدها المواطن تشكل دفعة للفريق الحكومي للاشتغال بجد، وبالتالي هناك العديد من الملفات في مختلف القطاعات قد أخذت طريقها في التبلور على أرض الواقع. ولا يخفى عليكم أن مجال العلاقات الخارجية قد عرف تحولا خلال الشهرين الماضيين: تحول على المجال المغاربي، وتحول على البعد الإفريقي، وانفتاح على تكتلات كنا بعيدين عنها كاليابان على سبيل المثال. هناك ملفات تتعلق بمجال الشفافية، والتي فتحت عن طريق وزير العدل، وما كشف عنه وزير التجهيز والنقل، وهو ما يدل على أن الحكومة ماضية في طريقها للكشف عن الفساد المنتشر هنا وهناك. ثم هناك أيضا ملفات تجسد المقاربة التشاركية التي تتبناها الحكومة في تدبير عدد من الملفات: نستحضر هنا ما حصل من اتفاقية تاريخية مع الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب، فلأول مرة في تاريخ المغرب يتم التوقيع بين الحكومة وأرباب العمل على أرضية للتفكير الجماعي في طريقة الاشتغال وإيجاد الحلول لعدد من الملفات. مقاربة تشاركية يتم عبرها أيضا تدبير والبحث عن حلول لعدد من الملفات، منها ملف المعطلين والاحتجاجات.أما النقطة المفصلية فتتعلق بمشروع القانون المالي، ونحن مقبلون خلال هذا الأسبوع على طرحه أمام البرلمان، وهو مشروع يتضمن عدد من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي ستعطي نفسا ثانيا لوتيرة اشتغال الحكومة. ❍ لوحظ في المرحلة الأخيرة بروز نوع من الاختلاف بين بعض مكونات الأغلبية الحكومية، بخصوص بعض الملفات والقضايا. هل هناك تململ قد يصل حد الأزمة الصامتة بين الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي؟ أكيد أن الفريق الحكومي والذي تأسس بعد انتخابات 25 نونبر 2011 يضم أربع مكونات سياسية، وهذه المكونات لا تمتلك نفس الخلفية السياسية والإيديولوجية، كما أنها لا تمتلك نفس الأنموذج التنموي، فلكل حزب سياسي داخل الحكومة رؤية تميزه عن باقي الأحزاب. كما لم تكن هناك لقاءات كافية مسبقة، قبل تأسيس الحكومة، للحديث عن مختلف التصورات التي يمكن أن يشترك حولها الجميع من منظور موحد، وبالتالي فإن ما صدر في خرجات بعض الوزراء، ومن منظوري الخاص، مقبول. فحينما نتحدث مثلا عن الاختلاف بين وزير الصحة ووزيرة الأسرة والتضامن حول ملف الإجهاض، فهو خلاف إيديولوجي له تاريخ ولا يمكن أن يحسم إلا إذا نوقشت نقطة الخلاف داخل التشكيلة الحكومية، وبالتالي فنحن نقول بأن هذا التنوع تنوع ايجابي. بالنسبة لموضوع الكشف عمن يمتلك الكريمات، والذي أثار بعض الحساسيات، وهي بالمناسبة قليلة جدا، ذلك أن غالبية أعضاء الحكومة يؤيدون المبادرة التي أقدم عليها وزير التجهيز والنقل ، وعدم اتفاق بعض الوزراء على الصيغة التي تم بها الكشف يجسد في نظري التنوع الإيجابي داخل الفريق الحكومي. ما أقوله هو أن الفريق الحكومي فريق منسجم، لم يحصل أن اختلفنا حول نقطة واحدة مهمة داخل المجلس الحكومي. وهناك شبه توافق تام حيث أن الأحزاب المشكلة للأغلبية متفقة في إطار مقتضيات الدستور والبرنامج الحكومي، ولا يوجد أي خلاف حول الأمر. وبالنسبة لاشتغال مؤسسة الحكومة بقيادة الأخ رئيس الحكومة أطمئن الجميع على أن الأمور تتم بشكل جيد جدا. ❍ رئيس الحكومة تحدث عن جيوب مقاومة التغيير، فما هي هذه بالضبط؟ رئيس الحكومة لم يتحدث عن جيوب المقاومة داخل الحكومة، هو تحدث على أن التغيير الذي ننشده، والعقلية الجديدة التي نريد أن نشتغل بها هي أولا تشاركية. أيضا عقلية تستحضر المصلحة العامة وتجعلها فوق المصلحة الخاصة، وهي كذلك العقلية التي ستحارب الفساد. إذن هذه النقط الثلاث تثير حساسية لدى أطراف معينة: اللوبيات التي تعيش ولا زالت تعيش في أعشاش الفساد، وكانت تجد في كنفها الراحة والمال ولذاتها. إذن لا يمكن أن نفهم أننا سنقوم بالإصلاحات من قبيل ما سطرته الحكومة دون أن تجابهها جيوب لمقاومة التغيير. لذلك نعتبر الأمر عاديا جدا أن تعمد عدد من الجيوب والهيئات على إثارة القلاقل حتى لا تقوم الحكومة بعملها. لكن لا يمكن أن نتصور أن حكومة ما ستجد الطريق مفروشا بالورود أمامها، خاصة وكما تعلمون نحن في وضعية صعبة: الربيع العربي، الأزمة الاقتصادية، احتمال سنة جافة، كلها أمور تدفع إلى أن الاحتجاجات قد تكون مدفوعة في بعض الأحيان من قبل بعض الذين يريدون أن يصطادوا في الماء العكر، حتى لا يتم مجابهة الفساد كما أعلنت عن ذلك الحكومة في برنامجها. ❍ بمعنى هل جيوب مقاومة التغيير متحكم فيها؟ لا يمكن أن نتحدث عن التحكم في جيوب مقاومة التغيير، نحن نعي تمام الوعي، على أن هناك جيوبا للمقاومة، ونحن أيضا نعلم جزءا من تركيبة هذه الجيوب. الآن الأمر يتعلق بطريقة تدبير العمل الحكومي حتى يتم قطع تلك القنوات التي تستغلها تلك الجيوب. نحن نمتلك ثقة صاحب الجلالة وثقة صناديق الاقتراع، لدينا سمعة طيبة في طبيعة الاشتغال الحكومي. إذن يجب الاستفادة من هذا الزخم لكي لا نعطي الفرصة للآخر الذي ينتعش في جو الفساد. أتصور أنه إذا انشغلنا وفق هذا المنهج، فإن جيوب الفساد ومقاومة التغيير ستجد نفسها محصورة في ركن قصي، وبالتالي يسهل التغلب عليها. ❍ أثارت تصريحات عدد من وزراء حكومة بنكيران الكثير من ردود الفعل، في ملف الإجهاض مثلا، كذلك ملف الإعلان عن الكريمات، وأيضا ملف المهرجانات وتمويلها. هل من قراءة لتلك التصريحات وسياق الردود عليها؟ الحقيقة أننا كنا نتمنى أن لا تخضع الملفات الكبيرة لمنطق التصريحات هنا وهناك. تصريحات قد تشوش على الحكومة. هناك ملفات نحن عازمون على مناقشتها داخل المجلس الحكومي لكي نوحد حولها التصور. أكيد أيضا، وكما قلت سابقا، في مسألة «الكريمات و ملف الإجهاض، هناك تصورات وثقافات وخلفيات اديولوجية لكل حزب. الايجابي في الأمر أنه لا يمكن إلغاء هذا الاختلاف الاديولوجي. لكن ما نريد أن نركز عليه، هو أن لا تصبح هذه الخلافات في الرؤى عائقا أمام الأداء الحكومي بالنسبة لتحالف الأحزاب الأربعة. أن يجتهد حزب أو وزير في إعلان موقف مبدئي من قضية معينة أمر مقبول وسيبقى مقبولا، لكن أن يتحول إلى صراعات على أعمدة الصحافة وعلى وسائل الإعلام، فهذا لا يمكن أن يقبل داخل الحكومة.رئيس الحكومة نبه الجميع وطلب بشكل صريح كل الوزراء بأن كل ما يمكن أن يعكر صفو الجو الحكومي من تصريحات على الجميع تجاوزه، وأن لا نبقى حبيسي العقليات القديمة.ما نتمناه أنه على المدى المتوسط أن لا تبقى مثل هاته التصريحات تشوش على العمل الحكومي وان يتم التحكم فيها. ❍ بصفتك وزير مكلف بقطاع الحكامة، ما هي الرسائل المراد إيصالها من خلال عملية الكشف عن المستفيدين من الكريمات وكذا نية الكشف عن بعض الاختلالات التي عمت مظاهر التعامل مع المال العام؟ الحكامة منظور عام يمكن أن نؤسس له من خلال مقتضيات دستورية، وكما تعلمون فدستور 2011 ولأول في التاريخ الدستوري المغربي، يخصص باب خاص لمسألة الحكامة الجيدة، فقد تحدث عن مؤسسات دستورية للحكامة، وأعطى خطوطا عريضة عن مفهوم الحكامة. ثم ماذا نريد من خلال تخصيص وزارة للحكامة تابعة لرئاسة الحكومة. أردنا من خلال تلك الرسالة التأكيد على ان منهجنا واضح في التعامل مع قضايا الفساد وتنمية بلادنا. فالأحزاب المشكلة للحكومة رفعت في حملاتها الانتخابية مطلب محاربة الفساد. لذلك لا يمكن محاربة الفساد بدون تقعيد نظام للحكامة. فإذن الحكامة بالنسبة إلينا، هي تلك الطريقة الايجابية والجيدة للتدبير الجيد لجميع مناحي الحياة المجتمعية، هناك حكامة قطاعية: قطاع الصحة فيه حكامة، قطاع التعليم يستوجب حكامة خاصة به، ثم هناك حكامة ترابية. فحينما سنؤسس للجهوية المتقدمة، ونتمنى أن تكون لا مركزية، الحكامة تستوجب هنا أن تستفيد الجهات الفقيرة من الدعم العام المركزي في إطار التضامن بين الجهات. ثم حينما نتكلم عن الحكامة فما نريد إيصاله هو أن على السياسات القطاعية التي تشتغل عليها الحكومة أن تتكتل في إطار سياسات إلتقائية. إذن لا يمكن أن نشتغل كما لو أن كل قطاع مستقل وفي جزيرة خاصة به، فمن باب الحكامة، علينا الاشتغال بمنطق التقائية المشاريع والملفات القطاعية ، فهناك ملفات كثيرة تتطلب ان نوحد حولها التصور أو القرار، كما الشأن بالنسبة للحكامة في مجال الاستثمار، إذ لا يعقل ان لا يمتلك المغرب هيئة وحيدة موحدة للتفكير وتقرر وتوزع على صعيد الاستثمار، فلدينا وكالات تابعة لوزارات متعددة. هناك وكالات تابعة لوزارة الصناعة والتجارة، وأخرى تابعة لوزارة الفلاحة. ثم هناك المراكز الجهوية للاستثمار تابعة لوزارة الداخلية. إذن هناك تعدد في الجهات والمراكز التي تقرر في قضية الاستثمار. الآن في إطار الحكامة نحن نريد أن يضع رئيس الحكومة، باعتباره المكلف بالتنمية والاستثمار، ان يضع ملف الاستثمار لدى رئاسة الحكومة. وأن تتكلف الوزارة المنتدبة لدى رئاسة الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة لوضع تصور عام ورؤية عامة وخطة شمولية في مجال الاستثمار، على أساس أنه في مجال تنفيذ المشاريع يمكن حينها أن يكون قطاعيا وفق طبيعة الاستثمار. هذه الحكامة التي نريد أن يستفيد منها البلد، وأن يؤدي إلى تحسين التدبير وأن تؤدي إلى الالتقائية، وبالتالي إلى المردودية، وأن تؤسس على أن يكون الجميع في مستوى واحد على الصعيد الجهوي مثلا. وهذه هي الحكامة المتعلقة بالعدالة في التوزيع. ❍ ننتقل إلى مستوى آخر، هل فعلا حصل تأخر زمني في مسألة إقرار مشروع القانون المالي على صعيد الحكومة؟ لا يمكن أن يجادل أحد على أن الظرفية التي يمر منها المغرب منذ إجراء الانتخابات في 25 نونبر الماضي خاصة، ومدة 38 يوم التي استغرقت لتشكيل الحكومة ساهما في تأخير إقرار المشروع القانون المالي. نحن نعترف بأنه كان يمكن أن تكون العملية أسرع. لكن كما لا يخفى عليكم أن مشروع القانون المالي في صيغته السابقة شهر شتنبر الماضي صيغ وفق مؤشرات أثبت الواقع المتحرك تبدلها. فقد كانت هناك أرقام تشير إلى أن العجز سيكون في حدود 3.5 بالمائة إلى 4 بالمائة، لكن عندما بدأنا في الاشتغال بداية يناير 2012، وجدنا أن العجز تجاوز 6.1 بالمائة، وبالتالي فلا يمكن أن نقدم مشروعا للقانون المالي على أساس أن متوسط العجز هو 4 بالمائة في حين أن الحقيقة الرقمية تشير إلى عجز في حدود 6.1 بالمائة. ❍ بمعنى أن الأرقام كانت مغلوطة؟ على كل حال، لن أدخل في التفاصيل. ولكن على أي حال الأرقام لم تكن ذات مصداقية. المؤشرات والأرقام الاقتصادية التي كانت تقدم للمغاربة لم تكن كاملة الشفافية. ونحن لما وقفنا على هذه الحقيقة. كان مفروضا علينا أن نتحدث بلغة أخرى، وأن نجد مداخيل جديدة، ثم أن نحاول التقليل من المصاريف، حتى يكون مشروع القانون المالي مشروعا إيجابيا، مشروع في خدمة المواطن، والاستثمار، و كذا في خدمة القضايا الاجتماعية. الآن، ومنذ أكتوبر الماضي وأسعار الطاقة مرتفعة في السوق الدولية. و هناك أيضااحتمال سنة فلاحية جافة، ونسأل الله عز وجل أن يكرمنا بالأمطار خلال 15 يوما المقبلة. هذه المؤشرات المركزية: حقيقة الأرقام، الوضعية العالمية، المجال الفلاحي، تفرض علينا أن نعيد النظر في مشروع القانون المالي وفق مؤشرات حقيقية. وللعلم فإنه في حالة تعديل نسبة النمو، مثلا من 3.5 بالمائة إلى 4 بالمائة، أو نسبة العجز من 6 بالمائة إلى 5 بالمائة، يتطلب إعادة النظر في التوازن الموازناتي ككل. لذلك عمليا الأمر لم يكن بسيطا إخراج المشروع في مدة زمنية لا تتجاوز الشهر. تلك المتغيرات الرئيسية الثلاث ساهمت في التأخر الذي نعتبره موضوعيا. ❍ قيل الكثير من قبل الأوساط الاقتصادية والاجتماعية حول تحديد نسبة النمو خلال سنة 2012 في نسبة 4.2 بالمائة. هل كان من الممكن في الوقائع الاقتصادية الوطنية والدولية أن يحقق المغرب أكثر من هذه النسبة؟ يجب أن نكون واضحين مع المغاربة. لا يمكن أن تحقق نسبة نمو معينة وكأنك معزول عن العالم. يجب أن نعلم أن الاتحاد الأوروبي أعلن أن نسبة النمو داخل الفضاء الأوروبي سيكون خلال سنة 2012 سالبا ( مابين 0.2 بالمائة و-0.5 بالمائة). و تعلمون أيضا أن الطلب العالمي سيتراجع خلال هذه السنة، حيث أن الصين التي كانت تحقق خلال الفترة السابقة 12 بالمائة كنسبة نمو سنوية لن تحقق خلال سنة 2012 سوى نسبة 7.2 بالمائة. في هذا العالم المتغير الذي نحن مرتبطين به، لا نتصور أن الاتحاد الأوروبي سيحقق عجزا ونموا سالبان وفي ذات الوقت يطلب من المغرب أن يحقق نسبة تفوق 5 بالمائة. نتصور أن تحقيق 4.2 بالمائة كنسبة نمو خلال سنة 2012، وهي سنة انتقالية، وفي ظل وضعية صعبة: الطاقة، الأزمة العالمية الاقتصادية والمالية، ظروف الجفاف، سيكون جيدا ومن باب المزايدات الحديث عن تحقيق رقم أكبر من 4.2 بالمائة. وأشير أيضا إلى أن الحكومة لم يكن أمامها الوقت الكافي والضروري لكي تدرس مجموعة من الانجازات، مجموعة من الاستثمارات، مجموعة الإمكانات المتاحة لكي تقدم نموذجا شاملا للتنمية يسمح بتحقيق نسبة نمو أكبر من 4.2 بالمائة. ❍ مشروع القانون المالي سيطرح سيدخل المؤسسة التشريعية، ما هي أبرز توجهات هذا المشروع؟ التوجهات الكبرى للمشروع تتلخص في عدد من النقط، منها أولا، أن الحكومة عازمة على خفض نسبة العجز الموازناتي من 6.1 بالمائة إلى 5 بالمائة. كل هذا ونحن نعلم أن صندوق المقاصة إذا بقيت وتيرة الدعم على مستواها الحالي، سيكلف ميزانية الدولة كثيرا. فإذن نحن رفعنا تحدي محاولة الرجوع بنسبة العجز إلى مستوى معقول. لكن بالمقابل سنعمل على الحفاظ على مجموع المكاسب الاجتماعية. ثانيا، هناك إحداث صندوق التضامن والهدف منه توفير قسط من الدعم الموجه أساسا للفئات الاجتماعية الضعيفة بتكلفة 2 مليار درهم سنويا، كل هذا يفيد أن الحكومة تعطي أولوية للجانب الاجتماعي. و تعلمون أيضا أنه ولأول مرة منذ 13 سنة القانون المالي سيحدث 26 ألف منصب شغل. بينما كان متوسط التشغيل خلال السنوات الثلاث السابقة محددا في 11 ألف منصب شغل و 7000 منصب شغل كمتوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة. ثالثا، هناك عدد من الإجراءات الجبائية مضمنة في مشروع ميزانية 2012، في اتجاه إحداث التوازن لكي تستفيد الفئات المهمشة، و بالمقابل على الفئات الميسورة داخل المجتمع المغربي أن تخفف العبء عن الفئات الفقيرة في إطار من التضامن بين مختلف شرائح المجتمع وطبقاته الاجتماعية. لذلك أحدثنا مجموعة من الآليات التي ستخرج في النص المالي. ❍ البعض يقول: لماذا إحداث صندوق التضامن في ظل وجود صندوق خاص يهتم بالدعم ألا وهو صندوق المقاصة؟ يجب أن نكون واضحين، صندوق المقاصة له دور خاص ومحدد. فهو صندوق وظيفي مهمته دعم المواد الاستهلاكية الرئيسية الأربعة التالية: السكر، والدقيق، وجزء من نوار الشمس وغاز البوتان. بينما صندوق التضامن لا يستهدف توسيع المنتوجات المستهلكة، ولكن يستهدف الدعم المباشر للفئات المهمشة والأسر الفقيرة. إذن صندوق المقاصة له دور وظيفي، ويستفيد منه الجميع كالمكتب الوطني للكهرباء مثلا، إلى جانب صاحب الدكان والمستهلك العادي، ونحن نعتبر صندوق التضامن صندوقا مكملا، لأنه لحد الآن لم نستطع أن نقوم بتوجيه واضح، واستهداف واضح للمستفيدين من خدمات صندوق المقاصة، لكي تتركز خدماته لصالح الفئات الهشة فقط، وبالتالي ينبغي أن نستدرك العجز الذي تعاني منه الفئات الفقيرة. ❍ لكن صندوق المقاصة من حيث الاعتمادات المالية يستفيد من 42 مليار درهم، بينما الموارد المخصصة لصندوق التضامن لا تتجاوز 2 مليار درهم. كيف تفسرون هذا الفارق؟ أنا شرحت لك سابقا، وقلت بأن صندوق المقاصة له دور وظيفي، حيث أنه إذا نزل ثمن البترول غدا إلى 60 دولارا للبرميل الواحد، فسيصبح صندوق المقاصة موردا للميزانية، لأن السعر المحدد في مشروع قانون المالية2012 هو 100 دولار للبرميل الواحد، لذلك إذا نزل السعر إلى 90 دولار فسيحقق الصندوق فائضا، ويتحول من منطق المستهلك إلى مورد. إذن آلية اشتغال صندوق المقاصة لا نتحكم فيها حاليا. لقد قررنا أن لا نحدد نسبة صندوق المقاصة من الناتج الداخلي الخام عن وعي، و كان ممكنا أن نحدد النسبة مثلا في 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وإذا تجاوزنا هذه النسبة يتم إيقاف كل شيء. لكن نحن لم نقرر ذلك، بل قررنا أن يبقى الدعم مفتوحا إلى حين إصلاح صندوق المقاصة. وهذا الإصلاح نحن نشتغل عليه. أقدر أنه قبل الصيف المقبل سيكون لدينا تصور واضح حول طريقة الاشتغال و إصلاح الصندوق وآليات تدخلاته. ❍ إذن يمكن ان يتضمن مشروع القانون المالي لسنة 2013 إصلاحا شاملا لصندوق المقاصة؟ ليس بالضرورة من داخل القانون المالي، قد يكون الاصلاح بإحداث نظام لإصلاح صندوق المقاصة. وهو أصلا محدث بنظام وقد يكون مرسوم أو مرسوم قانون الذي سيعمل على إصلاح هذا الصندوق. جميع الاحتمالات واردة، وقد تكون هناك إجراءات، وقد ندرجها في مشروع القانون المالي المقبل. ❍ بالنسبة لورش المساواة والعدالة الضريبية ما الجديد فيه؟ هو أيضا ورش يبقى مفتوحا. لا يمكن أن نقول منذ اليوم على أن هذا الملف قد حسم فيه، ولكن ما نتصوره أن هناك إعادة النظر في مجموعة من النفقات الجبائية غير إنتاجية تقدم لمجموعة من القطاعات لكن غير ذات مردودية. كما يجب أن نقول أن هناك مجموعة من المواد خاضعة للضريبة تضر بشرائح اجتماعية معينة، بالإضافة إلى بعض المواد الكمالية وثمنها باهض، وتستفيد من الوضع فقط فئات ميسورة و لا تؤدي الضرائب الضرورية عليها. فإذن هذه التوجهات التي نحن بصدد حصرها هي التي ستمكننا من بلورة نموذج ضريبي ينحو نحو العدالة والمساواة. فليس هناك نظام عادل مائة بالمائة. هدفنا في ذلك أن يكون النظام الضريبي محفزا على التنمية، وأن يخلق طبقة متوسطة تكون ضامنة للاقتصاد وضامنة للاستقرار واستمرارية قوة البلد. ❍ شرائح واسعة من المجتمع المغربي تتحدث عن الجديد بخصوص ملف التمويلات البديلة وصندوق الزكاة؟ بالنسبة لمشروع القانون المالي، نحن ارتأينا أن لا نجزئ الإصلاح المالي المتعلق بجانب التمويل الإسلامي، ونحن نؤكد على أنه يجب على التمويل الإسلامي أن يقارب وفق إصلاح شامل للمنظومة، وبالتالي الآن المشروع الذي يجب أن يعد مستقل و لن يدخل في صلب مشروع قانون المالية، لأن هذا الأخير لا يمكن تضمينه سوى إجراءات ضريبية. لذلك فنحن بصدد إعداد مشروع قانون شامل متعلق بإدخال التمويلات الإسلامية في النظام البنكي المغربي. المشروع قيد الدرس، و من الممكن أن يكون جاهزا قريبا، وأن يدخل في المسار التشريعي. بخصوص صندوق الزكاة، ففيه تصور. لا أحد حاليا يجادل في ضرورة وأولوية إحيائه. على الصعيد القانوني فهو موجود تحت اسم الصندوق الخاص بالزكاة، وهناك سطر في الميزانية يتحدث عن الصندوق في كل سنة دون أن يتم تفعيله لحدود اللحظة. جميع الفاعلين السياسيين داخل الحكومة مقتنعين بأن صندوق الزكاة يجب أن يعود إلى الوجود وأن يشتغل ويتم تفعيله، لحدود اللحظة لا زلنا لم نحدد بعد آلية الاشتغال، الورش مفتوح، وهو أيضا مرشح أن يستكمل الدراسة مع نهاية سنة 2012، و أن يشهد إضافات نوعية. و قد يتم إحداثه بطريقة عملية إجرائية ابتداء من 2013. ❍ متى يحلم المغاربة بإخراج بنك أسلامي ينفذون من خلاله تعاملاتهم المالية والاستثمارية ؟ الأمر مرتبط مباشرة بالتصويت المستقبلي على القانون. الجميع أصبح مقتنعا بضرورة إيجاد وإخراج صيغ التمويلات الإسلامية، لم يعد هناك خلاف على صعيد أصحاب القرار من الناحية المبدئية، سواء الاقتصاديين أو الماليين أو السياسيين، حول المسألة. وطريقة ووتيرة الاشتغال هي التي ستحدد المدة الزمنية للتنزيل. ولكي نؤسس مشروع البنك الذي يشتغل بالتمويلات الإسلامية. وهناك عدة عروض دولية ومحلية. لذلك ستكون سنة 2012 سنة حاسمة على صعيد إنضاج التصورات في كل ما يتعلق بالتعاملات المالية الإسلامية. ❍ حزب العدالة والتنمية يقود الحكومة الحالية بأغلبية كوادره القيادية ألا تتخوفون أن يؤدي الحزب ضريبة الاشتغال على صعيد الحكومة بنفس الطريقة التي أداها مثلا حزب الاتحاد الاشتراكي بعد دخوله حكومة التناوب التوافقي سنة 1998؟ لا يخفى عليكم بالفعل أن المواقف التدبيرية أثناء ترؤس الحكومة تختلف عن المواقف التي يتبناها أي حزب سياسي وهو في المعارضة. الحكومة تتطلب إيجاد الإمكانات والطاقات والقدرات للاشتغال وإيجاد الحلول لمختلف قضايا البلاد. وهذا بالفعل سيخلق نوعا من الاستنزاف داخل حزب العدالة والتنمية. خلال هذه المرحلة الدقيقة التي نمر بها، الحزب مقبل على عقد مؤتمره الوطني في الصيف المقبل، وهو أيضا واعي بأنه يجب إنشاء هياكل واضحة للرفع من اشتغال الحزب. الآن الإقبال على الحزب غير مسبوق و في مختلف المدن هناك تعاطف وإقبال. وهذا سيمده بالطاقات والموارد البشرية والمالية التي لم تكن عنده في المرحلة السابقة. تحدي الجمع بين طريقة التدبير، والتي قد تفقدك الشعبية، وهذا الحماس والإقبال على الحزب، يفرض على الحزب تدبيرا أمثلا للمرحلة التي تفصلنا عن محطة المؤتمر وانتخاب قيادة يكون جزء منها متفرغ أساسا للعمل الحزبي وغير مثقل بالتدبير الحكومي. آنذاك سنتجاوز مأزق الجمع بين متطلبات العمل الشعبي الموازي والتدبير الحكومي. ❍ عرف عن الدكتور محمد نجيب بوليف قوة الطرح وفي بعض الأحيان شراسة في مقاربة بعض القضايا، هل 3 أشهر من العمل الحكومي عدلت مواقفكم بعض الشيء؟ لا يمكن أن نتحدث عن تغيير المواقف، لكن يمكن الحديث عن التريث الذي أصبحنا الآن نمارسه في الأحكام، التي ربما كانت ونحن في المعارضة أحكاما سهلة في بعض جوانبها، فأكيد عندما تكون في صف المعارضة كان مجال الانتقاد وإبداء الرأي مكفولا بكل حرية. لكن عندما تكون في جهة التدبير، أنت ملزم أولا بالحفاظ على ماء الوجه مع حلفائك الحكوميين، و أن لا تدخل في ضراعات معهم. ثم أنت أيضا ملزم بأن تكون قراراتك وتوجيهاتك في خدمة البلد كرجل دولة. أما أن نتحدث عن تغيير في المواقف الكبرى التي نحملها، لا أتصور أن العمل الحكومي، يمكن أن يؤثر على توجهاتنا الكبرى التي تربينا عليها ونشأنا على ضوئها لعقود. لكن أن نغير ليس من قناعاتنا، ولكن من طريقة إبداء هذه القناعات. صحيح قد يحصل تعديل في الوسائل، لكن تعديل الطريقة لا تعني تحولا في المبادئ والركائز والأسس التي تربينا عليها داخل حزب العدالة والتنمية و داخل حركة التوحيد والإصلاح.