اشتكت «نعيمة» زوجها «الميلود» أمام المحكمة الابتدائية بوجدة مؤكدة على أنها تعرضت للعنف من قبله منذ زواجهما حيث يسيئ معاملتها ويقوم بضربها ويمنعها من زيارة عائلتها، ملتمسة استنادا إلى مقتضيات المواد 83 و84 و85 من مدونة الأسرة الحكم بتطليقها من المدعى عليه طلاق الشقاق، وبأدائه لها تعويضا قدره أربعون ألف درهم لكونه مسؤولا عن هذا الفراق. وأدلت «نعيمة» لهيئة المحكمة بوثائق تتبث ادعاءاتها، في حين كذب الزوج ادعاءات زوجته، واصفا إياها ب» الباطلة»، وأنها تفتقر إلى الدليل، وأنه أعد لها سكنا جديدا ومستقلا عن عائلته، وقد مكثت فيه أكثر من تتسعة أشهر، ثم غادرت بيت الزوجية بدون سبب، وقد سبق أن رفع ضدها دعوى من أجل الرجوع إلى بيت الزوجية، وصدر حكم بذلك بتاريخ 2007 إلا أنها امتنعت من الرجوع إليه حسب محضر امتناع في ملف التنفيذ ملتمسا رفض الطلب، مدليا هو أيضا بوثائق تؤكد كلامه . حاولت المحكمة إجراء صلح بين الطرفين إلا أنها فشلت في ذلك، فالزوجة مصرة على طلب الطلاق، وبالتالي تقدمت المدعية بطلب إضافي إلتمست فيه الحكم على المدعى عليه بأدائه لها نفقتها مقدرة إياها ب 800 درهم شهريا ابتداء من تاريخ 2006 إلى تاريخ الحكم بالتطليق، وبالإضافة إلى أدائه لصداقها وقدره عشرة آلاف درهم، وتحديد مدة الإجبار في الأقصى مع النفاذ. وبعد انتهاء الإجراءات قضت المحكمة بتاريخ 2007/10/9 بتطليق المدعية «نعيمة» طلقة بائنة للشقاق، وبأدائه لها مؤخر صداقها المحدد في 10 آلاف درهم ومتعتها بحسب 8000 درهم وتكاليف سكناها حسب 1500 درهم ونفقتها حسب 350 درهم شهريا ابتداء من 2007/1/1 إلى تاريخ 2007/5/17 مع النفاذ المعجل. تم توجيه ملخص هذا الحكم لضابط الحالة المدنية لمكان ازدياد الطرفين لاتخاذ المتعين، فاستأنفه الطرفان بواسطة دفاعهما بحيث استأنفه المدعى عليه استئنافا أصليا في حين استأنفته المدعية استئنافا فرعيا، وبعد انتهاء الإجراءات قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف وهذا هو القرار المطلوب نقضه من طرف الطاعن بواسطة دفاعه بمقال يتضمن وسيلتين أجاب عنه دفاع المطلوبة في النقض بمذكرة ترمي إلى رفض الطلب. تعليل الحكم أثار بأن هذه المادة 84 من مدونة الأسرة تنص على أنه يراعى في تقدير مستحقات الزوجة فترة الزواج، والوضعية المادية للزوج وأسباب الطلاق ومدى تعسف الزوجة في توقيعه، إلا أن المحكمة عممت الحديث عن مسؤولية التطليق دون الحديث عن أسباب ومسؤولية الزوجة في إيقاعه لأن العارض لا مسؤولية له في النازلة، وقد أدلى بما يفيد امتناعها عن الرجوع لبيت الزوجية ومع ذلك حكم لها بواجب المتعة المقدر في 8000 درهم مع أنها المسؤولة الوحيدة عن طلب التطليق، وما ادعته في جلسة الإصلاح يبقى مجردا عن الإثبات والقرار المطعون فيه لما لم يجب عما أثاره الطاعن في شأن مسؤوليتها عن التطليق فإنه جاء غير معلل ومعرضا لنقض. طلبت في مقالها الرامي إلى التطليق بسبب الشقاق تعويضها بمبلغ 40 ألف درهم باعتبار الطاعن هو المسؤول عن سبب الفراق بينما قضت لها المحكمة بمتعة قدرها 8000 درهم، وأنه بمقتضى المادة 84 من مدونة الأسرة فإن المتعة إنما يحكم بها في حالة الطلاق أو التطليق، الذي يتم بطلب من الزوج والمحكمة لما حكمت لها بالمتعة رغم أنها طلبت الحكم لها بالتعويض ودون ودون أن تحدد مسؤوليته عن الفراق لترتب على ذلك التعويض المستحق لها عند الاقتضاء فإنها تكون قد خرقت المادة المحتج بها، وعرضت قرارها للنقض جزئيا فيما ذكر. ويعيب الطاعن في الوسيلة الأولى المتخذة من عدم ارتكاز الحكم على على أساس قانوني وسوء التعليل أن محكمة الاستئناف لم تجب عن الدفع كون المطلوبة في النقض قد تنازلت عن الدعوى التي التمست بمقتضاها الحكم لها بنفقتها عن الفترة ما قبل الطلاق، وأنه أدلى بنسخة حكم يفيد تنازلها عن تلك الفترة ومن ثم فإن المدة المحكوم لها بالنفقة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فضلا على أنه حكم لها بالصداق مع أنها أخذته تبعا للتنازل المذكور. إلا أن التنازل المتمسك به من طرف الطاعن يتعلق بفترة تبتدئ من 22/6/2006 في حين أن الطاعن يقر أثناء جلسة البحث بأن زوجته خرجت من بيت الزوجية ابتداء من 2007/1/1 وهو التاريخ الذي اعتمدته محكمة الموضوع للحكم لها بنفقتها وبالتالي فإن التنازل لا علاقة له بالمدة المحكوم بها، كما أن الطاعن لم يثبت أداء الصداق بحجة مقبولة، وأن الثابت لا يزول إلا بالكتابة، وأن التنازل لا يشير إلى براءة ذمته منه لذلك يبقى النعي غير مؤسس. ويعيب الطاعن في المقطع الثاني من الوسيلة بلثانية بأنه مقتنع بكون القضية ستحال على ابتدائية بركان لعدم الاختصاص المكاني لابتدائية ودة باعتبار أن بيت الزوجية بتواجد بمدينة السعيدية وأن ما أدلت به المستأنفة عليها من شهادة السكنى هو تحريف للحقيقة لأنها لا تسكن بمدينة وجدة وأن القرار المطعون فيه لم يجب على هذا الدفع لذلك يتعين نقضه. لكن حيث إنه من جهة قد صدر حكم بالتطليق للشقاق وأنه استنادا إلى المادة 128 من مدونة الأسرة المقررات القضائية الصادرة بالتطليق تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية ومن جهة أخرى فإن المحكمة مختصة استنادا إلى عقد الزواج المعتمد بدائرتها وشهادة السكنى السنوية. وبالتالي قضى المجلس الأعلى بنقض القرار المطعون فيه جزئيا فيما قضى به من متعة المطلوبة، وإحالة القضية وطرفيها على نفس المحكمة من جديد طبقا للقانون. *** التعليق على الحكم لللمحامي خالد الادريسي : قرار المجلس مجحف في حق المرأة المطلقة تناول هذا القرار الصادر عن المجلس الأعلى إشكالية مهمة لم يتسنى لهذا الأخير الحسم فيه، بحيث كانت هذه هي المرة الأولى التي تمنح للمجلس الأعلى من أجل الإدلاء برأيه حول موضوع الفرق ألذي يوجد بين المتعة باعتبارها من المستحقات المفروضة للزوجة بعد الطلاق، وبين التعويض الذي يمكن أن يحكم به للزوجة في حالة إثباتها الضرر الذي أصابها. وهكذا اعتبرهذا القرار أن المتعة لا يحكم بها إلا في حالة الفراق الذي يطلبه الزوج، أما الفراق الذي تطلبه الزوجة فإنه لا يحكم لها بالمتعة، و إنما يحكم لها بالتعويض إذا أثبتت الضرر طبقا للقواعد العامة. و يمكن القول أن هذا القرار استند على موقف المذاهب الأربعة المشهورة و هي المذهب المالكي و الحنبلي و الحنفي و الشافعي ، و الذين اعتبروا على أن المتعة تجب للمرأة المطلقة بعد الدخول في كافة الأحوال ، ما لم يكن الطلاق قد جاء بسبب منها . كما استند على مقتضيات الفصل 60 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة عند صدورها سنة 1957 ، و أيضا أحكام الفصل 52 مكرر من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة الصادرة سنة 1993 . و الظاهر أن هذا القرار جاء متأثرا بشكل كبير بالقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية عموما و بالتعسف في استعمال الحق خصوصا .فإذا كان هذا هو الأساس الذي استند عليه قرار المجلس الأعلى موضوع التعليق فما هو موقف المشرع المغربي من خلال مدونة الأسرة ؟ اعتبر المشرع المغربي المتعة أثر للطلاق من خلال تعداده للمستحقات المالية للزوجة طبقا لأحكام الفقرة الأولى من المادة 84 من مدونة الأسرة. و قد أحال المشرع بهذا الخصوص أيضا على المادة 97 المنظمة لمضمون حكم التطليق للشقاق، و المادة 113 المنظمة للحكم الصادر في دعوى التطليق لأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 98 من مدونة الأسرة . و قد ذهب بعض الفقه المغربي – محمد الكشبور ي كتابه شرح مدونة الأسرة الجزء الثاني ص 61 – إلى أن المتعة صارت في ظل مدونة الأسرة حقا للزوجة المنفصلة عن زوجها بسبب الطلاق أو الشقاق أو التطليق ، قبل الدخول أو بعده ، سمي لها الصداق أو لم يسمى ، و بالتالي يكون المشرع المغربي من خلال مدونة الأسرة الحالية قد تخلى عن المذهب الشافعي ، و جنح إلى الأخد برأي الظاهرية في الموضوع ، حيث يقول الإمام إبن حزم الظاهري في كتابه المحلى بأن : « المتعة فرض على كل مطلق واحدة أو إثنين أوثلاثا ....و طئها أو لم يطئها ، فرض لها صداقها أو لم يفرض لها شيئا، أن يمتعها .»ومن هذا المنطلق وباختبار قرار المجلس الأعلى موضوع التعليق وفقا للموقف التشريعي والفقهي الأخير تبين على أن هذا الإجتهاد الجديد للمجلس الأعلى قد خالف التوجه الذي سارت عليه مدونة الأسرة مصرا على التشبت بالمذهب الشافعي بدل المذهب الظاهري الذي استند عليه المشرع المغربي في تنظيم المقتضيات المنظمة للمتعة في مدونة الأسرة . كما أنه من الناحية الواقعية يعتبر هذا التوجه الجديد لغرفة الشرعية للمجلس الأعلى قاسيا بالنسبة للمرأة بحيث يحرمها من أهم عنصر من عناصر المستحقات و الذي كان في الغالب هو الذي يرفع القيمة المالية للمستحقات التي تحصل عليها ، و بالتالي فإن المرأة المطقة لن تبقى تستفيد في معظم الأحوال سوى من النفقة أثناء العدة و كما هو معلوم فقيمتها المالية تبقى جد هزيلة. ورغم أن هذا القرار فتح للمرأة باب المطالبة بالتعويض إلى أنه من الناحية العملية يصعب على المرأة المطلقة إثبات الضرر الذي يصيبها بالنظر إلى السرية التي تطغى على الحياة الزوجية . و عليه فإننا نعتبر أن قرار المجلس الأعلى موضوع التعليق كان مجحفا في حق المرأة المطلقة ، و لا يضمن لها مصالحها المالية بشكل جيد ، و أن من شأن ثأثر المحاكم الدنيا بهذا الإجتهاد و تعميمه على كافة النزاعات الأسرية الأخرى ، أن يسيء إلى المركز المالي و الإجتماعي للمرأة ، و أيضا من شأنه أن يسبب ماسي إجتماعية داخل المجتمع قد يصعب حلها . و مع ذلك فنحن نعتبر هذا القرار هو قرار فريد و لم يعزز بعد بأي قرارات أخرى صادرة عن المجلس تسير في نفس التوجه حتى نقول إن هذا الأخير أصبح متواثرا في تبني هذا الإتجاه الجديد، ونتمنى أن يكون ثأثيره ضعيفا على قضاء المحاكم الدنيا، وذلك ضمانا للمصالح المالية للمرأة بعد الطلاق، وأيضا لعدم إنسجام هذا التوجه مع مقتضيات التشريعية الحالية.