بعد انخراط المغرب في ما يسمى بالحرب على الإرهاب سنة 2001 انطلقت الإختطافات وازدادت شراسة بعد الأحداث الإرهابية ل16 ماي 2003 التي ارتكبت خلالها الإجهزة الأمنية انتهاكات جسيمة انطلاقا من الإختفاء القسري والإعتقال التعسفي والقتل خارج نطاق القانون والتعذيب وغياب معايير المحاكمة العادلة ، حتى وصل عدد المعتقلين بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب لحد الساعة ما يربو على 7000 شخص. هذا ما جعل المعتقلين في هذه الملفات يكونون جبهة تطالب بكشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين على اعتقالهم وتلفيق ما اعتبروها ملفات وتهم مفبركة، وشرعوا حينما سنحت لهم الفرصة في فضح التعذيب الذي طالهم في مراكز الإعتقال السرية وفي مقدمتها سجن تمارة. وفي هذا الإطار ينبغي التنويه أن المعتقلين في هذه الملفات الذين أنهوا مدة عقوبتهم كونوا تنسيقية للمعتقلين الإسلاميين السابقين أخذت على عاتقها المطالبة بفتح تحقيق فيما تعرضوا له من تعذيب داخل مراكز الإعتقال السرية وداخل السجون ومحاكمات غير عادلة عكست عدم استقلالية القضاء، ويدفعون في اتجاه اعتراف الدولة بالإنتهاكات الجسيمة التي ارتكبت في حقهم، وانخرطوا في دينامية نضالية تتمثل في الوقفات الإحتجاجية والمشاركة في مسيرات 20 فبراير. أمام تصاعد التوتر ما بين جبهة معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية داخل السجون ومن يساندهم من لجنة مشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين ومنظمات حقوقية وطنية ودولية وبين القائمين على السياسة الأمنية والمندوبية العامة لإدارة السجون، من المنطقي أن نفهم أن التوتر سيستمر ولن تفيد في ذلك الطريقة التي يدبر بها المندوب العام قطاع السجون للضغط على معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية من أجل إسكاتهم، ولا سياسة الهروب إلى الأمام والإنكار الرسمي لوجود مركز يسمى سجن تمارة السري أو عدم وجود تعذيب يستهدف معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية من قبيل تعرض بعضهم لهتك العرض وقلع الأظافر ناهيك عن الضرب والتعلاق حسب ما صرحوا به بينما يسمي المندوب كل هذا تطبيقا للقوانين المعمول بها داخل السجون، فكما ذكرت المندوبية العامة لإدارة السجون في بلاغ لها أن المعتقلين يطالبون بإطلاق سراحهم، وهذا بالفعل ما يطالبون به ولن تنفع معهم كل الأساليب المتبعة لتكسير إرادتهم ، وهذا ما يحدد سقفهم المطلبي. ويحفزهم على مزيد من التحدي والإستمرار في نضالهم. وإذا توفرت الإرادة الحقيقية لطي هذا الملف فهناك خيارات متعدد منها: -تفعيل اتفاق 25 مارس الذي انعقد ما بين وزارة العدل والمندوبية العامة لإدارة السجون والمجلس الوطني لحقوق الإنسان من جهة وممثلي معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية بسجن سلا من جهة أخرى حضره منتدى الكرامة لحقوق الإنسان ممثلا في رئيسه الأستاذ المصطفى الرميد، والمدير التنفيذي محمد حقيقي . هذا الإتفاق قضى بإطلاق سراح المعتقلين على دفعات وفي آجال معقولة . غير أن أحداث 16 و17 ماي بسجن سلا جاءت لتعطي مبررا للدولة من أجل الإنقلاب على الإتفاق، ونحن نقول بغض النظر على ملابسات الأحداث وأسبابها، إذا كان هناك من متهمين في أعمال الشغب فليقدموا إلى المحاكمة بشرط أن تكون عادلة، وليتابع من أنهى مدة العقوبة في القضية الأولى في حالة سراح، وليحاكم المسؤولين على الشغب كما ذكرت ، مع الوفاء بتفعيل اتفاق 25 مارس، ثم كيف يمكن لمن كان ينتظر إطلاق سراحه وكان يعتبر أن المسألة مسألة وقت أن يقوم بأعمال الشغب ؟ وما ذنب بقية المعتقلين في هذا الملف الذين كانوا بالسجون الأخرى لم يشاركوا في الأحداث أو من الذين كانوا بسجن سلا ولم يشاركوا في الأحداث مثل مجموعة بليرج . إن الأمر كما أراه يتعلق بمقاربة معينة تدبر بها الدولة هذه الملفات وقد جاء الوقت لإعادة النظر فيها. لذلك وأمام إصرار المعتقلين على كشف الحقيقة في شرعية اعتقالهم والتعذيب الذي تعرضوا له بالمراكز السرية ليس من مخرج إلا العودة إلى اتفاق 25 مارس الذي كان منتدى الكرامة شاهدا عليه. -المخرج الثاني يتمثل في المقاربة التصالحية التي دعا إليها منتدى الكرامة لحقوق الإنسان وترتكز على خلق ظروف المصالحة من فتح حوار فكري مع شيوخ ما يسمى بالسلفية الجهادية لقياس درجة تهديد هذا الفكر للأمن العام ، وإطلاق سراح الإبرياء غير المتورطين في الدم ، وفي لقاء مع رئيس المجلس الإستشاري سابقا اقترح أن يعبر المعتقلون عن موقفهم من بعض القضايا التي حددها ويضمن لهم دراسة ملفاتهم لتمتيعهم بالعفو ، لكن الأمور ذهبت في اتجاه آخر فبعد أن وصلت منتدى الكرامة ما يفوق 186 رسالة من المعتقلين أحالها على المجلس فضلا على الرسائل التي وجهت مباشرة ، توقفت العملية ، حيث دخلت جهات أخرى على الخط وخلطت الأوراق . واليوم يمكننا أن نعود إلى تفعيل المقاربة التصالحية بالبت في طلبات العفو المقدمة إلى المجلس الإستشاري في هذا الموضوع . والعمل على إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء. -المقترح الثالث يقوم على أساس أن ملفات الدم في قضايا الإرهاب معدودة على رؤوس الأصابع ، والأغلبية من الملفات لم تتوفر لها محاكمات عادلة وارتكبت في حقها انتهاكات تخالف إلتزامات المغرب الدولية ، خصوصا إذا استحضرنا أن هذه الإنتهاكات جاءت خارج ضمانات عدم التكرار وخارج توصيات الإنصاف والمصالحة . لذلك فإن الصيغة التي تلائم هذه الوضعية هو تمتيع المعتقلين في قضايا الإرهاب المظلومين بعفو شامل ، وخلق جو من الإنفراج ، ونكون بذلك قد جمعنا بين تفعيل اتفاق 25 مارس ، وتفعيل مسطرة العفو لفائدة الذين تقدموا بطلبات العفو. أما بالنسبة للضمانات فإن القانون فوق الكل. فقط على الجهات الرسمية أن تشرك جمعيات المجتمع المدني في تدبير بعض القضايا انسجاما مع المقاربة التشاركية التي نص عليها الدستور الجديد . اليوم لا نتحدث عن إطلاق سراح المعتقلين المظلومين في ملفات الإرهاب فقط ، بل نتحدث عن حقوقهم البعدية في الإدماج الإجتماعي ، ورد الإعتبار ، وجبر الضرر وغير ذلك مما يجعلنا ننفتح على أوراش جديدة بعيدا عن التشنج ما بين الدولة وشرائح من المجتمع . و هكذا فممكنات حل ملف ما يسمى بالسلفية الجهادية له عدة مداخل ، لكنها تحتاج إلى قرار سياسي جرئ. فهل يا ترى سوف نسمع عن مبادرة في هذا الإتجاه في الأيام القادمة؟ أم ستبقى حليمة على عادتها القديمة ؟ المدير التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان