❶ أين تنتهي حرية التعبير الإعلامي التي تكفلها مجموعة من قوانين والمواثيق الدولية؟ ●● من الأكيد أن من أهم المبادئ التي تؤطر المجال الإعلامي والصحفي هو حرية التعبير الذي يعتبر أولى الحريات وأعظمها شأنا ، وهي التي تحرر الأفكار وتوصلها للجماهير تحقيقا لنهضة الشعوب وتقدمها، وبدونها تبقى الأفكار حبيسة في العقول والصدور ومجهولة لاتنفع الناس، وتعتبر هذه الحرية من أهم الحريات التي حرصت المواثيق والعهود الدولية على حمايتها، إلى جانب القوانين الوطنية. ❷ هل يعني أن حرية التعبير تبقى مطلقة؟ ●● بالطبع، هذا الحق ليس مطلقا بمعنى أن أي شخص، أو أي جهة يمكنها أن تعبر كما تشاء وتنشر ما تشاء، ولكن هناك ضوابط يجب أن تخضع لها هذه المبادئ، وأهم هذه الضوابط، معياري النظام العام والآداب العامة، وهذين المفهومين الأخيرين يمتازان بالنسبية على اعتبار أنهما يختلفان باختلاف الزمان و المكان. فما هو من النظام العام في العصور القديمة، ليس كذلك في الوقت الحالي، والعكس صحيح، وما هو من النظام العام في أوروبا مثلا ليس كذلك في دولة إسلامية كالمغرب، وفي هذا الإطار، يتم تشكيل النظام العام داخل دولة معينة بناء على المعطيات الدينية والثقافية و التاريخية لهذه الدولة. لذلك، فإنه يحق لأي دولة من خلال أجهزتها الوصية على قطاع الإعلام أن تعمل على الحد من هذا الحق في الحدود الذي يفرضها القانون، ويمكنها أن تقوم بمنع الجرائد و النشرات الدورية أو غير الدورية المطبوعة خارج المغرب، إذا كانت تتضمن مسا بثوابث الأمة أو ما يخل بالنظام العام. وقد عملت مؤخرا وزارة الإتصال بمنع جريدة (دجاست مان )بسبب صور العري الفاضحة، والأوضاع الجنسية المخلة بالآداب، وهي الجريدة هي متخصصة أصلا في بيع أخبار النجوم و فضائحهم. وقرار وزارة الاتصال المشار إليه أعلاه ليس بالشاذ أو الغريب ولايجب أن يقرأ قراءات سياسية مغلوطة من خلال القول بأن هذا الجهاز أصبح متشددا في موضوع توزيع الجرائد و النشرات الأجنبية بالمغرب، بالنظر إلى أن الوزير الجديد ينتمي إلى حزب ذو مرجعية إسلامية، ولكن على العكس من ذلك سبق لوزارة الاتصال في عهد الحكومات السابقة أن اتخدت نفس القرار ضد بعض المطبوعات الأجنبية التي كانت مضامينها مرفقة بصور مخلة بالآداب العامة أو متضمنة لإساءات للرموز الدينية كما هو الحال بالنسبة للصور الكاريكاتورية المنسوبة للرسول صلى الله عليه و سلم، ولعل قرارات منع جرائد «لوسوار» و»اكسبريس» و «نوفيل اوبسرفاتور» كلها تدخل في هذا الإطار، لأنها تضمنت مضامين مهينة للإسلام و المسلمين و لرسولهم الكريم . ❸ ما مدى قانونية منع جرائد معينة حسب التشريع المغربي؟ ●● سأجيبكم من خلال تحليل القرار الأخير لوزارة الاتصال، المنع الذي طال هذه الجريدة جاء معللا بنشرها لصور في «وضعية العري أو في أوضاع جنسية «، و بالرجوع إلى المقتضيات القانونية التي تحكم تدخل الدولة في هذا المجال وخاصة الفصل 29 من قانون الصحافة و النشر كما عدل و تمم بالقانون رقم 00 . 77 ، نجده يؤكد على أنه يمكن لوزير الاتصال أن يمنع بموجب قرار معلل أن تدخل إلى المغرب الجرائد أو النشرات الدورية أو غير الدورية المطبوعة خارج المغرب التي تتضمن مايلي: 1) المس بالدين الإسلامي 2) المس النظام الملكي 3) المس الوحدة الترابية 4) الإخلال بالاحترام الواجب للملك أو بالنظام العام. وهكذا يمكن القول على أن قرار وزير الاتصال كان صائبا من الناحية القانونية على اعتبار أن جريدة «دجاست مان»التي منعت من الدخول إلى المغرب تضمنت مضامين تمس بالدين الإسلامي الذي يأمر بالعفة، ويحارب الخلاعة والتبرج، وأيضا تخالف النظام العام المغربي الذي يعتبرالدين الإسلامي أساسه وقوامه، ما منح القانون للجريدة أو أي طرف أخر متضرر الحق في الطعن في هذا القرار أمام القضاء الإداري في إطار دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة إذا ارتأوا أن قرار الوزارة متسم بأحد عيوب المشروعية، أو خارقا لحق من حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا. ورغم أن القضاء الإداري عمل على مراقبة الإدارة بشكل جدي أثناء إصدارها للعديد من القرارات المشوبة بعيوب المشروعية، و أعاد الأمر إلى سكة الصواب في الكثير من النوازل، و فرض على الإدارة احترام القانون الذي يؤطر العلاقة بينها وبين الأفراد، إلا أنه من وجهة نظري الخاصة ، و لأجل التماهي من منطق دولة الحق و القانون و إحترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، و تشريفا لحرية الإعلام و الصحافة فإن قرارات المنع ضد الجرائد سواء الوطنية أوالأجنبية يجب أن لاتبقى تحت أيدي الوزارة الوصية على قطاع الإعلام . ولكن يجب أن يمنح الاختصاص للقضاء من أجل يتخد مثل هذه القرارات، وأن لا يكون للإدارة سوى حق رفع دعاوى إلى القضاء إلى الإداري الذي يجب أن تبقى له الكلمة الخيرة لتأكيد قرار المنع أو مخالفته لاسيما وأنه بعكس قرار منع الجريدة الفرنسية الأخير الذي كان صائبا فإن الإدارة في كثير من الأحيان كانت تعمل على منع الجرائد بشكل تعسفي ومن دون مراعاة للقانون و للمواثيق الدولية التي وقع و صادق عليها المغرب.