انطلقت مع بداية السنة عضوية المغرب في مجلس الأمن وما تعنيه من اكتساب بلادنا لعمق جديد في سياستها الخارجية، يتيح لها توظيف موقعها لتجديد منظومة ديبلوماسيتها وتأهيلها للاستجابة لاستحقاقات وتحديات هذا الموقع الجديد، لاسيما وأنها ستتحمل عبء الدفاع المزدوج عن القضايا الإفريقية والعربية في فترة استثنائية وحرجة من تاريخ المنطقة. عمليا سيجد المغرب نفسه في السنة الأولى إلى جانب جنوب إفريقيا التي تحولت إلى غريم له في الساحة الإفريقية في السنوات الأخيرة ووقفت بشكل مستفز في وجه عضويته في المجلس، والأكثر من ذلك سيستغل في الشهر الأول من عضويته تحت الرئاسة الدورية لها، مما سيطرح علينا تحدي تدبير العلاقة مع هذا البلد لاسيما عند طرح القضايا الإفريقية، مع العلم أن نهاية السنة الماضية عرفت مغادرة كل من الغابون ونيجيريا لمجلس الأمن وبقاء كل من المغرب والطوغو وجنوب إفريقيا كبلدان ممثلة للمجموعة الإفريقية، وذلك في سياق أجندة مكتظة بقضايا القارة حيث بلغت عدد تقارير الأمين العام للأمم المتحدة الخاصة بإفريقيا وقضاياها 36 تقريرا من أصل ما مجموعة 70 تقريرا رفع للمجلس في سنة 2011 من أجل المدارسة واتحاد القرار بشأنه، وتهم بالأساس كلا من السودان (أبيي ودارفور ودولة جنوب السودان) والقرصنة في الصومال وتحديات الاستقرار في ليبيا وبوروندي والكونغو الديموقراطية وليبيريا والكوت ديفوار وتشاد وسيراليون وإفريقيا الوسطى وغينيا بيساو، وكذا ملفات عربية وإسلامية شائكة تهم اليمن وسوريا والقضية الفلسطينية وإيران وأفغانستان والعراق والتي تستهلك الوقت الأساسي من عمل المجلس ومداولاته ومتابعاته دون نسيان القضايا الدورية والاستحقاقات التقليدية ومنها قضية الصحراء المغربية التي تكون موضوع مدارسة سنوية في أبريل من كل سنة حول مآل ومصداقية المفاوضات الجارية حول مشروع الحل السياسي وغيرها من تطورات ملفات حقوق الانسان والمخيمات والزيارات ، وهنا ينبغي التذكير بأن خصوم الوحدة الترابية المتمثيلن في جبهة البوليساريو تمكنوا من إحداث اختراقات مضادة لا يمكن الاستهانة بها في الساحة الإفريقية وأمريكا اللاتينية وهمت بالأساس دول مثل غانا وزيمبابوي وبولندا ودولة جنوب السودان فضلا عن نيجيريا وأنغولا وايضا دول مثل السالفادور والأوروغواي والبراغواي. ثمة انتظارات كبيرة تهم قضايا الأمن في القارة، والسلام في المنطقة ودعم الديموقراطيات الصاعدة وحل معضلات الفوراق بين الشمال والجنوب وتعزيز جهود بناء السلام والتنمية والتكامل والانحياز لخيارات الشعوب في الحرية والسيادة وصيانة الوحدة والاستقلال، وهي انتظارات ترتبط من جهة بعدد الأصوات التي حصل عليها المغرب والتي بلغت 159 صوتا كما تتداخل وأحيانا تتعارض مع قوة علاقاته مع حلفائه التقليديين على المستوى الأممي وخاصة فرنسا التي لها استراتيجياتها الخاصة في حماية مصالحها ومواقع نفوذها في القارة والتي تتطلع كذلك لاستثمار ما يجري من تحولات لإيجاد فرص تنفيس لأزمتها الاقتصادية ودون ذكر أثر العلاقة الخاصة للمغرب مع الولاياتالمتحدة في توجيه قدرتنا على التفاعل مع تلك الانتظارات. ما سبق يفرض علينا كبلد الانتقال إلى طور جديد في سياساتنا الخارجية يستثمر من ناحية ما يقدمه من نموذج في الاستقرار والإصلاح ومن ناحية أخرى شبكة علاقاته ورصيده في الساحة الدولية من أجل تشكيل صوت في المجلس له تميزه في التعاطي مع القضايا المثارة، وأيضاً لتعزيز حضوره الخارجي وتقوية موقعه الديبلوماسي في قضية الصحراء المغربية وتأسيس مسلسل عودة مشرفة للاتحاد الإفريقي وخدمة سياسته الجديدة القائمة على بناء شراكة متقدمة مع مجلس التعاون الخليجي. ضمن هذا الأفق الواعد والمحفوف بصعوبات وإكراهات ومخاطر ومنافسة حادة من المحيط يمكن اعتبار أن سيرورة الإصلاحات السياسية في المغرب تعزز من القدرة على مواجهة تلك المخاطر .