يعرف الأستاذ "فيصل عبد الله الكنري" الجريمة الانتخابية بأنها كل عمل أو امتناع يترتب عليه اعتداء على العمليات الانتخابية ويقرر القانون على ارتكابه عقابا"، هذا الاعتداء قد يظهرجليا في التلاعب بأصوات الناخبين، استغلال النفوذ، الرشوة...وأحيانا استغلال المناصب، وفي قضية اليوم سنقف عند جريمة استغلال أحد المستشارين بالمجلس الاستشاري سابقا لهذا المنصب وتقديمه المال من أجل شراء ذمم المواطنين لتمثيل الأمة بمجلس النواب. تنص القاعدة القانونية على أن مناط الحصانة البرلمانية، هو الممارسة الفعلية لمهمة مستشار مجلس المستشارين، والتي لا يكفي لإثباتها مجرد الإدلاء بشهادة صادرة عن الخليفة الأول لرئيس المجلس المذكور، و التي لا تفيد إلا كون المعني كان منتخبا خلال فترة تشريعية محددة مسبقا، أما جنحة محاولة الحصول على أصوات الناخبين مقابل مبالغ مالية أو الوعد بها، فتتحقق-حسب القانون- بمجرد الوعد بمبالغ مالية قصد الحصول على أصوات ناخبين.فما هي حيثيات هذ الملف؟ إدانة وحكم قضت المحكمة الابتدائية بمدينة فاس بإدانة المسمى "س.ل"، ومؤاخذته " من أجل المنسوب إليه، و الحكم عليه بسنة واحدة حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافدة قدرها 50 ألف درهم مع حرمانه من الترشيح لمدتين إنتدابيتين متواليتين، وإلغاء الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذ في حقه، وهو الحكم الذي تم استئنافه من طرف وكيل الملك وكذا دفاع المعني. خلاصة التهم الموجهة إلى "س.ل" هو محاولة الحصول على أصوات ناخبين مقابل مبالغ مالية، أو الوعد بها طبقا للفصلين 100 و102 من القانون رقم 79,9 المتعلق بقانون الانتخابات(كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 2,64 الصادر الأمر بتنفيذه بالظهير الشريف رقم 1,03,83).)، إلا أن دفاع المعني بالأمر رفض هذا الحكم، واستأنفه أمام محكمة الاستئناف بفاس، مثيرا بعض الدفوعات-يقول- إن محكمة الدرجة الأولى لم تأخذ بها، رغم أن الأخذ بها كاف لمنح البراءة لموكله. إستنكر الدفاع عدم استدعاء الشهود، ملتمسا إحضار الأشرطة الخاصة بالتقاط المكالمات التي تم بين موكله الشخص المرتشي، وأخيرا عدم احترام الامتياز القضائي الممنوح للمتهم باعتباره عضو المجلس المستشارين أو ما يسميه البعض ب"الحصانة البرلمانية". تعليل المحكمة بالرجوع إلى المادة 407 من قانون المسطرة الجنائية نجد أن المشرع نص على الصفة الاستثنائية للاستماع للشهود في المرحلة الاستئنافية، وبما أن دفاع المتهم لم يستند في طلبه بإعادة الاستماع إلى الشاهد على أي معطيات جديدة لم يسبق مناقشتها معه في المرحلة الابتدائية، فإن حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل المذكور غير متوافرة مما يتعين رد هذا الملتمس-حسب التعيليل المتضمن في الحكم الاستئنافي-. وعن ملتمس إحضار الأشرطة، قالت المحكمة أن قاضي التحقيق أنجز محضرا، تم من خلاله الاستماع إلى الشريط الصوتي للمكالمتين الهاتفيتين، بحضور المتهم ودفاعه الذين أبديا وجهة نظرهما بشأنهما، إلا أن دفاع المتهم لم يحرر أي مستجد يبرر إعادة الاستماع إلى الشريط الصوتي. أما رفض محكمة الاستئناف لملتمس إيقاف البت، فقد عللته بكون دفاع المتهم أدلى بنسخة من شكاية مباشرة موجهة إلى قاضي التحقيق لفائدة المتهم "س.ب" ضد أحد الشهود من أجل جريمة شهادة الزور، والتمس إيقاف البت في المتابعة الجارية إلى حين انتهاء مسطرة الزور المذكورة،إلا أن هذا الدفع اعتمد على مجرد شكاية موجهة إلى قاضي التحقيق دون بيان مآلها و الإجراءات المتخذة بشأنها، وهل فعلا تم تحريك الدعوى العمومية في حق المشتكي به أم لا، فضلا على أن المبدأ المعمول به في مجال إيقاف التنفيذ هو أن "الجنائي يعقل المدني"، في حين أن الصورة تختلف في هذه النازلة لأن الدعوى الجارية والمراد إيقافها هي دعوى عمومية وليست مدنية. وبما أن المحكمة، واعتمادا على ما ذكر وتطبيقا للمادة 586 من قانون المسطرة الجنائية الفقرة الثانية، وبعد الاستماع إلى الوكيل العام للملك قررت البت في الدعوى الرئيسية الجارية أمامها ورد ملتمس الإيقاف المذكور. من جهة أخرى، إلتمس دفاع المتهم التصريح ببطلان إجراءات التقاط المكالمات الهاتفية المنجز في النازلة لكون المتهم غير متابع بإحدى الجرائم المنصوص عليها على سبيل الحصر في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، إلا محكمة الاستئناف ذهبت في تعليلها لهذا الدفع بكون الفقرة الثانية من المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية عممت الإمكانية التي خولها المشرع لقاضي التحقيق بشأن التقاط المكالمات، وبالتالي فهي تخضع للسلطة التقديرية لقاضي التحقيق كلما اقتضت ضرورة البحث ذلك، دون اشتراط كون الجريمة موضوع البحث تتعلق بأحد أنواع الجرائم المحددة على سبيل الحصر في الفقرة الثالثة التي تخص الإمكانية التي أعطاها المشرع للوكيل العام للملك مما تبقى معه هذا الدفع دون أساس قانوني ويتعين رده. الامتياز القضائي أثار دفاع "س.ل" عدم احترام محكمة الدرجة الأولى للإمتياز القضائي الممنوح للموكله باعتباره عضوا في مجلس المستشارين، إلا أن محكمة الدرجة الثانية ترى أن من الثابت من خلال تصريحات المتهم أنه فقد العضوية بمجلس المستشارين على إثر القرعة التي أجريت لفرز ثلث الأعضاء، وبالرجوع إلى معطيات النازلة نجد أن إجراءات التحقيق انطلقت في حق المتهم في الوقت الذي كان "س.ل" قد فقد عضويته بمجلس المستشارين، بل لا يعقل أن يقوم المتهم بالحملة الانتخابية ويقدم ترشيحه إلى انتخابات تجديد ثلث أعضاء هذا المجلس التي أجريت وهو يحتفظ بصفته كمستشار في المجلس الذي رشح نفسه للفوز بمقعد فيه. وشددت هيئة المحكمة المعنية على أن الشهادة المدلى بها، والتي شهد فيها الخليفة الأول لرئيس مجلس المستشارين بأن المتهم "س.ل" كان عضوا منتخبا بالمجلس المذكور خلال الفترة التشريعية، لا تثبت بأن المتهم كان كان يمارس نشاطه بصفة فعلية باعتباره عضوا ممارسا بمجلس المستشارين، وإنما يفيد أن المتهم كان منتخبا خلال فترة تشريعية محددة مسبقا. وبالرجوع إلى المكالمة الهاتفية التي أجريت من الهاتف النقال ل"س.ل" مع رقم محدد تشير إلى رئيس جماعة الدار الحمراء طلب منه شيكا شخصيا كضمانة، مما يجعل هذه الشهادة لها مصداقيتها وتتطابق مع ما ورد بالمكالمة الهاتفية المذكورة، و التي تم التقاطها بأمر من قاضي التحقيق بصفة قانونية طبقا للمادة 108 من قانون المسطرة الجنائية . وبالتالي وتطبيقا للفصول "108، 160 وما يليه، و الفصول 323 وما يليه من قانون المسطرة الجنائية و الفصول 100، 102، 104 من مدونة الانتخابات، أيدت مكمة الاستئناف بفاس الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بفاس و القاضي "بمؤاخذة المتهم "س.ل" من أجل المنسوب إليه والحكم عليه بسنة واحدة حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافدة قدرها 50 ألف درهم مع حرمانه من الترشيح لمدتين إنتدابيتين متواليتين، وإلغاء الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذ في حق المتهم.