إن المتتبع لبرناج "مناظرات" منذ انطلاقته إلى اليوم، يلاحظ أنه لم يحقق للمشاهد المغربي أدنى شروط الإفادة والمتعة، وذلك لرداءة مضمونه وشكله معا. وهكذا لم نلمس في "مناظرات" أية مواصفات لمفهوم التناظر الفكري، وإنما هو برنامج حواري على شاكلة البرامج الحوارية الرتيبة، التي لا تقدم جديدا إلى المشاهد. وهذا راجع في تقديرنا لعدة نقائص تشوب البرنامج. أهمها معد البرنامج، الذي يبدو عليه فتورا وبرودا في إدارة الحوار انعكس سلبا على طبيعة البرنامج، باعتباره برنامجا للتناظر والمبارزة الفكرية، والتي تمتاز بالإثارة والمواجهة الساخنة. هذا فضلا عن كون صاحب الشأن لا يتورع عن إقحام خلفياته وقناعاته في كل قضية يطرحها للنقاش، ولا يلتزم الحياد الذي تمليه عليه وظيفته كمسير ومؤطر للحوار. بل ويستغل موقعه هذا في تمرير معتقداته وآرائه، وذلك من خلال نوعية الأسئلة التي يطرحها على ضيوفه، وتدخلاته المتكررة لمساندة هذا الطرف أو ذلك. لكن الأدهى والأمر، هو إصرار صاحب "مناضرات" على انتقاء ضيوفه من بين حساسيات فكرية وثقافية وحيدة، واستبعاده الفعاليات الإسلامية، من المشاركة في إغناء حلقات البرنامج، خاصة وأنها أكثر اهتماما واطلاعا على القضايا المطروحة في "مناضرات"، وهو بذلك الصنيع، أفرغ البرنامج من طابعه السجالي، ومن مضمونه التناظري، الذي يعني الرأي والرأي الآخر، وليس آراء متناغمة ومتطابقة، لأنها لا تقدم شيئا للمشاهد من المتعة والفائدة. وهذا ما يجعلنا نتساءل كمشاهدين "مغبونين": ما هي المقاييس التي تعتمدها قنواتنا "العتيدة" في اختيار منشط أو معد لبرنامج ثقافي مثل "مناضرات"؟ هل هي الكفاءة والأحقية، العلمية والمهنية؟ أم هي العلاقات الخاصة، والحسابات العشائرية؟ إن سر نجاح بعض القنوات الفضائية العربية، خاصة برامجها الثقافية والحوارية. لا يعود فقط إلى حجم الميزانية التي تتوفر عليها، ولا إلى مسايرتها لتكنولوجيا الإعلام، وإنما فضلا عن ذلك، إلى كفاءة وجدارة الطاقم الصحفي والإعلامي الساهر على إنجاح هذه البرامج، وسعيه الجاد لإرضاء طموحات وحاجات المشاهد العربي، بتجرد ومهنية، مع احترام ذوقه وعقله. بقلم فؤاد الفاتحي